تمثل اللغة الأمازيغية الوجه العريق للمغرب وامتداده التاريخي الكبير، فالشواهد التاريخية تشير إلى وجودها بشمال إفريقيا منذ تسعة آلاف سنة قبل اليوم، أي سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، وهي اللغة التي شكلت الذهنية المغربية ورسمت الخريطة الطوبونيمية للأرض المغربية ولعموم شمال افريقيا.
وتيفيناغ أبجدية عريقة استخدمها الأمازيغ في شمال افريقيا ومنطقة الساحل لكتابة لغتهم الأمازيغية منذ عصور ما قبل الميلاد، وأدت ظروف سياسية كثيرة إلى اختفائها من مجالات جغرافية كبرى، ليحتفظ بها الطوارق في جزر منعزلة بالصحراء الكبرى.
في سنة 2001، ستعتمد أبجدية تيفيناغ من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كأبجدية لكتابة اللغة الأمازيغية في المغرب، وهو الاختيار الذي احتدم حوله النقاش سنة 2003 بين تيارات فكرية وسياسية مختلفة وتم تتويجه بقرار رسمي اتخذته الدولة يوم 10 فبراير 2003. فبعد مشاورات مطولة مع الأحزاب السياسية تبنت المؤسسة الملكية مقترح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية القاضي باعتماد حرف تيفيناغ. علما أن حزبين هما الاستقلال والعدالة والتنمية ظلا الوحيدين اللذين تحفظا على حرف تيفيناغ خلال المشاورات التي قادها كل من المستشارين الملكيين مزيان بلفقيه، ومحمد معتصم، مقابل موافقة أكثر من ثلاثين حزبا.
الكتابة بأبجدية تيفيناغ: لمحة تاريخية
تشكلت الكتابة الأمازيغية القديمة بحروف تيفيناغ من خلال تفاعل حضاري عميق مع مكونات ثقافة البحر الأبيض المتوسط، حيث تفاعل الحرف الأمازيغي مع الحروف البونيقية والفينيقية واللاتينية، بدليل وجود النصوص المزدوجة، غير أن هذا التفاعل العميق لا ينفي خصوصية الحرف الأمازيغي الذي يثبت شكله ونظام كتابته تفرده وتميزه باعتباره كتابة محلية خاصة بالأمازيغ سكان ربوع الشمال الإفريقي، وهي الكتابة التي تطورت بالتدريج من الشكل العمودي إلى الشكل الأفقي تأثرا منها باللغات والأبجديات الأخرى، ويثبت عراقة الكتابة عند الأمازيغ بوجود معجم أصيل غير دخيل من الكلمات في اللغة الأمازيغية ترتبط بالكتابة مثل Agwmmay(التهجي) وأراتن Arratn (المخطوطات) وتاكوري Taguri (الكلمة) وغيرها.
وابتداء من الفترة الممتدة بين القرن الثالث الميلادي والقرن السادس، بدأ انحسار الكتابة بتيفيناغ مع استمرار استعمالها عند الطوارق في المجال الصحراوي إلى اليوم، وارتبط ذلك بظهور المسيحية التي اعتنقها الأمازيغ والتي ارتبط بها استعمال اللاتينية، ونفس الشيء يقال عن مجيء الإسلام واستعمال اللغة العربية المرتبطة به، مما ساهم في تراجع وظيفة أبجدية تيفيناغ القديمة، واستمرار حضور أشكالها رمزيا في الذاكرة الجماعية، مما انعكس في الصناعات اليدوية كالزرابي والهندسة المعمارية والوشم.
خلال العصر الحديث، تمت تهيئة حروف تيفيناغ انطلاقا من الشواهد التاريخية الموجودة وكذا من اللوائح المعتمدة في عدد من المناطق وخاصة لدى الطوارق، وهي التهيئة التي أعدّت هذه الحروف لكي تلعب وظائف جديدة باعتبارها أبجدية لكتابة اللغة الأمازيغية الحديثة داخل المدرسة ووسائل الإعلام، حيث احتفظ المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ببعض الحروف القديمة كما هي وغير شكل بعضها حتى تتلاءم مع حاجات التكنولوجيا العصرية، كما أضاف حروفا أخرى تبعا لتطور اللغة والجانب الصواتي. ونظرا للجهود التي بذلت في إعداد هذه الأبجدية وتطويرها فقد نالت اعترافا وطنيا سنة 2003، كما حصلت على اعتراف دولي من المعهد الدولي لمعيرة الخطوط Iso unicode سنة 2004 ، ونجح هذا الحرف في تخطي حدود الوطن إلى بلدان مجاورة كما هو الشأن في ليبيا حيث اعتمدت أبجدية تيفيناغ إركام في تعليم اللغة الأمازيغية منذ سنة 2012.
لماذا الدفاع عن كتابة اللغة الأمازيغية بتيفيناغ وليس بغيرها
تبنت الدولة ابتداء من 10 فبراير 2003 من خلال المؤسسة الملكية قرار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والقاضي باعتماد أبجدية تيفيناغ الأصيلة كحرف لكتابة اللغة الأمازيغية. وابتداء من الموسم الدراسي 2003/2004 ستلج اللغة الأمازيغية بأبجديتها الرسمية أبواب المدرسة الوطنية عبر إدماجها أول مرة في تاريخ المغرب في المنظومة التربوية، وهو المشروع الذي سبقته أوراش كبرى نلخصها في ما يلي:
- تهيئة حرف تيفيناغ-إيركام من قبل مركز التهيئة اللغوية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والذي يضم كبار خبراء اللسانيات المغاربة المتخصصين في اللغة الأمازيغية، وذلك للشروع في تدريسه بالمدرسة العمومية بدءا من شتنبر 2003.
- تكوين آلاف الأساتذة والأستاذات، بدءا من يوليوز 2003،من قبل مكونين خضعوا بدورهم للتكوين من قبل خبراء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، قصد النهوض بدور تدريس اللغة الأمازيغية.
- إعداد الكتب المدرسية الخاصة باللغة الأمازيغية من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالتدريج بدءا من 2003 تصاعديا حتى تمت تغطية كل مستويات السلك الابتدائي مع الإعداد للسلكين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي.
واستمر إدماج اللغة الأمازيغية في مختلف أوجه الحياة العامة طيلة سبعة عشرة سنة من اعتراف الدولة بها والذي توج بترسيمها ضمن دستور المغرب كلغة رسمية إلى جانب العربية خلال يوليوز 2011، فاستمر إدماجها في التعليم مع فتح شعبة الدراسات الأمازيغية بجامعات مكناس ووجدة وأكادير، وفتحت ماسترات وماسترات متخصصة في اللغة والثقافتين الأمازيغيتين بجامعات المغرب، وأقر تدريسها في عدد من المعاهد العليا ومؤسسات التكوين، وأنشئت القناة الأمازيغية سنة 2010، وشرعت مؤسسات الدولة في إدراج اللغة الأمازيغية ضمن واجهاتها مباشرة بعد الترسيم، وكل ذلك باعتماد حرفها الرسمي تيفيناغ، علما أن تيفيناغ كما هيأه المغرب حظي باعتراف المنظمات الدولية المختصة، وامتد كأبجدية رسمية للغة الأمازيغية إلى الشقيقة ليبيا التي اعتمدت تيفيناغ – إيركام كابجدية رسمية لتدريس اللغة الأمازيغية بليبيا. ليتفاجأ المغاربة مرة أخرى، وبعد سبعة عشر سنة من الجهود والعمل المتواصل بنفس الأصوات التي وقفت ضد الأمازيغية، أي افسلام السياسي، وضد تيفيناغ في 2003، وضدها خلال إعداد دستور 2011، ومهاجمة زعمائها للأمازيغية طيلة تواجدهم بمراكز القرار، يتفاجؤون بهم مرة أخرى يعملون على تمرير قرار كتابتها بالحرف العربي.
فلماذا ندافع عن تيفيناغ كحرف لكتابة الأمازيغية؟
1. الشرعية التاريخية: ارتبط تواجد اللغة الأمازيغية في عموم بلدان شمال افريقيا وبلاد الساحل بأبجديتها التاريخية تيفيناغ التي خلدتها أيادي السكان في النقوش الصخرية والنقائش والألبسة والحلي والزرابي والوشوم، وهو ما تبناه المغرب رسميا بتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001 وتدشينه من قبل جلالة الملك من خلال خطاب أجدير، واعتلاء الحروف الأمازيغية وبشكل رسمي أول مرة واجهة مؤسسة عمومية رسمية.
2. الامتداد الجغرافي: تعتبر تيفيناغ مكونا اساسيا من مكونات الذاكرة البصرية والفضاء العام بعموم بلدان شمال افريقيا ورمزا من رموز الوحدة إلى جانب اللغة الأمازيغية بين هذه البلدان وتمثل ركيزة اساسية لامتداد المغرب في عمقه الجغرافي المغاربي والافريقي.
3. الشرعية الحضارية: شكلت أبجدية تيفيناغ أحد المكونات الأساسية للحضارة المغربية عمرانا ومنشآت بشرية(القصبات، القصور، المساجد والقباب)، وتسكل إلى عناصر الثقافة الأمازيغية الأخرى آصرة ارتباط المغرب ببلدان الجوار ووحدة ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
4. الشرعية العلمية: يدافع المنتسبون للعدالة والتنمية عن كتابة الأمازيغية بالحرف الآرامي من منطلقات سياسية صرفة مستبعدين أي مقاربة علمية للموضوع، فالأبجدية العربية لا تضم سوى 26 حرفا لا تستوعب الأصوات الأمازيغية التي يبلغ عددها 33 صوتا وفق التفصيل التالي (الجدول المرفق)
خلاصة الجدول: إن قراءة الجدول المقارن لأبجديتي تيفيناغ والعربية تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أنسب حرف من الناحية العلمية لكتابة اللغة الأمازيغية هو هو تيفيناغ الذي يستوعب كل أصواتها الثلاثة والثلاثين، وقد بيننا بالدليل أن أصوات/g/ (الجيم المصرية)، /gw/ (الجيم المصرية مع استدارة الشفتين)، /e/ (الضم المختلس)، /kw/ (الكاف مع استدارة الشفتين)، /R/ (الراء المفخمة كمثل الراء في الرويضة) و /Z/ (الزاي المفخمة كمثل الزاء في الزرواطة)، لا تستوعبها الأبجدية العربية ولا وجود لمقابل لها في الأصوات العربية، فكيف يمكن لدعاة الحرف العربي الذي لا يضم هذه الأصوات، إضافة إلى اختلافات أخرى كثيرة، أن يدافعوا عن حرف قاصر عن استيعاب الأصوات الأمازيغية ال 33 دون أي دفوعات علمية، وهو ما سيخلق الخلط بين كلمات لها نفس الكتابة بالحرف العربي ك /إيزي/ أي الذبابة و /إيزي/ اي المرارة، و/إيزري/ أي نبات الشيح و/إيزري/ أي حاسة البصر وغيرها كثير (إيرزم (راء مرققة) بمعنى تعب) وإيرزم (براء مفخمة بمعنى فتح)…، وكيف يمكنهم كتابة آلاف الكلمات من هذا القبيل والتي تضم كل الأصوات المذكورة والتي لا وجود لها بالأبجدية العربية، وكيف يمكن للقارئ، أيا كان ، التمييز الدلالي بين كلمات تكتب بنفس الطريقة على مستوى الصورة الغرافيكية وتحمل معاني مختلفة على المستوى الدلالي، دون إغفال الخلط الذي سيخلقه تدريس لغتين مختلفتين تماما للطفل بحرف واحد، والخطل الذي سيخلقه اعتماد ذات الحرف لكتابة اللغتين على كل المستويات، اي مضاعفة جهد المتلقي لقراءة لغتين مختلفتين تكتبان بنفس الأبجدية فقط لأن تيارا سياسيا يريد ذلك دون أي مرافعة علمية.
إن دعاة الحرف العربي سيدعون أنهم سيقومون بتأهيل الحرف العربي ليستوعب الأصوات الأمازيغية ويستجيب لخصوصياتها، وهو ما انتهى منه المختصون في اللغة والثقافة الأمازيغيتين منذ 2003 واستثمر نتائج جهودهم طيلة خمسة عشر سنة، وأثبت تيفيناغ على الأرض أنه الأنسب لكتابة اللغة الأمازيغية. مما يجعل دعوتهم هدرا للجهد والمال والوقت فقط لأن طائفة سياسية تدفعها أغراض سياسوية ضيقة إلى محاولة فرض رأيها في كتابة اللغة الأمازيغية.
5. الشرعية التربوية: يجمع الفاعلون المباشرون أي الأساتذة والأستاذات في حقل التعليم والقريبون منه، وهو ما تضمنته دراسة ميدانية قام بها أخصائيون من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، على كون أبجدية تيفيناغ أسرع ابجدية يستوعبها التلميذ المغربي في المدرسة. فعكس الأبجديتين العربية واللاتينية، تتعلم أبجدية تيفيناغ بسرعة قياسية داخل الفصول الدراسية وهو ما يقف عليه المزاولون لمهمة تدريس اللغة الأمازيغية.
6. شرعية التراكم: شرع المغرب بشكل رسمي منذ سنة 2001 في مراكمة رصيد هائل من الدراسات والأبحاث والحوامل البيداغوجية والديداكتيكية التربوية والعلمية باللغة الأمازيغية وبحرفها الرسمي تيفيناغ. فأصدر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الكتب المدرسية ودلائل الأستاذ ومختلف الحوامل البيداغوجية بهذا الحرف، وصدرت عنه وعن مختلف المتدخلين من منظمات وجمعيات وكتاب ومفكرين آلاف الكتب والمؤلفات بهذا الحرف، وبذلت جهود مضنية استغرقت سنوات واستهلكت أموالا وميزانيات طائلة لإدماج تيفيناغ ضمن الذاكرة البصرية للمغرب. وتلقت أجيال ما بعد 2003 إلى اليوم في المدارس الابتدائية وفي الجامعات دروس اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ، وحظي هذا الحرف باعتراف المنظمات الدولية بل وامتد كحرف رسمي إلى الدول المجاورة، واسهم في صنع فضاء عام طيلة سبعة عشرة سنة من الحضور الرسمي، علما أنه يشكل مكونا أساسيا من الإرث المادي للمغرب والذي يجعله وجهة سياحية ومرجعا تاريخيا وحضاريا لكل بلدان العالم.
خاتمة
إن البحث عن اعتماد أبجدية أخرى لكتابة اللغة الأمازيغية مشروع قديم لحزب العدالة والتنمية، تحكمه نزوعات وتدافعات سياسوية ترتبط بأجندته الانتخابية، ولا يجد له أي تبرير علمي مما ذكر أعلاه، مما يجعل المختصين يتصدون لمشروعه بما ورد أعلاه من كون أنسب حرف لكتابة اللغة الأمازيغية من كل النواحي العلمية والتاريخية والحضارية والتراكمية والتربوية هو تيفيناغ، وأن مقترحه مضيعة للوقت والجهد والمال ولقرابة عقدين من العمل المضني لآلاف الأطر المختصة وكل مؤسسات الدولة لتأهيل حرف تيفيناغ.