مستقبل الامازيغية على ضوء اكتشاف انسان اغوذ irhoud

بقلم: عليمو محمد

من حين لأخر تظهرفي المغرب  بوادر أمل تضخ دماء جديدة في المسألة الامازيغية فلقد شكل خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وادراج الامازيغية في المسارات الدراسية وترسيمها دعامات اساسية في مسار النهوض بالأمازيغية وترسيخ وجودها لكن اكبر دعامة والتي سيكون لها أثر حاسم في مستقبل القضية  الامازيغيةمن جميع جوانبها هو اكتشاف انسان اغوذ irhoud اقدم انسان يرجع الى اكثر من 300 ألف سنة في المغرب .هذا الاكتشاف العلمي سيقوض جميع الاطروحات المشككة في جذور الامازيغية وجدواها . كما أنهذا الاكتشاف وعوامل أخرى ستؤثر في كثير من العقليات بل ستحدد مسارا جديدا وجذريا في تعامل الدولة مع الامازيغية .

العلوم في خدمة القضية الامازيغية:

تتلاحق الاكتشافات والدراسات التي تصب نتائجها في دعم القضية الامازيغية، فهذا مختبر التكنولوجيا الحيوية بكلية الطب والصيدلية بالرباط، قام بأبحاث تمخض عنها تحديد جينوم موحد لجميع المغاربة وهوما يمكن من التعرف على التركيب الوراثي والجيني الكامل للإنسان المغربي وأهم ما يميز هذا العمل كونه مغربي خالص. ونتائجه ستؤكد القول أن الانسان المغربي الحالي ينحدر من جده اغوذ. كما ظهرت عدة دراسات أخرى أهمها الدراسة المتعلقة بالتصنيف التاريخي للغة الامازيغية حيث اثبتت على ان الامازيغية تتوفر على مقومات اقدم لغة تحدث بها الانسان على الارض وجاء الاكتشاف الاخير المتعلق بانسان اغوذ ليؤكد ان الانسان المغربي الحالي هو امتداد لجده اغوذ وبالتالي فان اللغة الامازيغية هي اصل جميع لغات البشر. وأعتقد أن هذه بداية لموجة من النتائج العلمية ستتلوها موجات أخرى وكل موجة ستحرر طاقات جديدة.

نتائج هذه الابحاث العلمية تجعلنا ننظر بعين التفاؤل الى مستقبل القضية  الامازيغية بالمغرب خاصة و أن الايديولوجيات المشرقية التي كانت عائقا في الماضي اصبحت الان تعيش في ضياع وشتات تام. بعد هذا الاكتشاف ستنتهي النظريات المرتبطة بأصل سكان المغرب سواء تلك المرتبطة بالأصل العربي أو الاوربي أو القوقازي. و لن يتجرأ أحد بعد اليوم بسؤالنا “من أين أتيتم” لأنه أصبح يعرف أن العالم تفرق من عندنا، ولن يتجرأ أحد عن سؤالنا “من أنتم” لأنه أصبح يعرف أننا أجداد البشرية، ولن يتجرأ أحد على نعتنا ب”البربر” لأنه أصبح يعلم أننا أمازيغ أجداد العالم ،بدءا منهذا الاكتشاف  سيبدأ الجميع بالتقرب من جذورهم  الحقيقية.

فضل تطور انسان أغوذ واحفاده فوق أرض المغرب على الحضارة الانسانية

مع اكتشاف أقدم انسان بالمغرب تناسلت عدة مفردات لكن اهمها مفردة homo sapiens فماذا تعني هذه الكلمة؟. يمكن ترجمة مفردة Homo sapiens ب “الانسي العاقل” والذي يطلق عليه اختصارا بالإنسان وهو الكائن القادر على التفكير والكلام والتواصل والوعي بالذات وحرية الارادة  والتفاعل مع محيطه…. هذه القدرات مكنته من السيطرة على كافة أشكال الحياة على الارض
فاذا كان الكلام من السمات الاساسية لهذا الانسان المكتشف بالمغرب والذي عاش هنا منذ أكثر من 300 الف سنة فان لغته هي الامازيغية التي تفرعت عنها لغات اخرى بسبب انفصال جماعات بشرية وهجرتها الى أماكن أخرى، بعد ذلك وبزمن طويل تمكن هذا الانسان منذ حوالي 5000 سنة من تسجيل كلامه وهي فرصة مهمة في مساره الحضاري فقد عثر في مناطق متعددة من المغرب خاصة في الجنوب الشرقي صخور بها نقوش لكتابات بدائية. وأهمية الكتابة تكمن في تسجيل الانسان خبراته وتجاربه والحفاظ عليها بل ونقلها الى الاجيال القادمة.

كيف تأتى لهذا الانسان أن يبني هذه الحضارة التي وصلت الى ما وصلت اليه اليوم من تقدم ورفاهية. تم ذلك بفضل استعمال عقله وتفكيره أي كل السمات التي سبق أن ذكرناها. فالمجتمعات التي أبطلت استعمال العقل ظلت متخلفة …

في البداية استخدم هذا الانسان الحجر الصوان والعظام كأدوات وعاش عن طريق الالتقاط والصيد، وازدادت سرعة تقدمه منذ حوالي 6000 سنة حيث توصل الى اكتشاف الزراعة التي كان لها الفضل في تأمين غذائه واستقر الى جانب حقله واستأنس الحيوان واستعمل المعادن …

مع مرور الزمن ازدادت اعداده وانقسم الى مجموعات البعض منها بقي مستقرا في بلاد المغرب والبعض الاخر تحرك وهاجر بحثا عن الصيد في مناطق أخرى من الكرة الارضية.

عن تاريخ الدولة المغربية

أنعش اكتشاف انسان اغوذ irhoud أب البشرية بالمغرب ذاكرتنا باسترجاع عدة معطيات تاريخية فيما يتعلق تاريخ الدولة المغربية، فاعتماد 12 قرنا كتاريخ للدولة المغربية غير منصف بل ومضر، حيث ان الشعوب تفتخر بتاريخها وكلما كان عريقا افتخرت الدولة بعراقتها وكثيرا ما طالبت العديد من الجهات برد الاعتبار للتاريخ القديم المغربي خاصة وأنه ليس به ما يضر الدولة المغربية الحديثة فنظام الحكم الذي عرفه المغرب عبر تاريخه القديم كان نظاما ملكيا في اطار فيدراليات قبلية أمازيغية تنتهي بتسلسل عند هرم السلطة الذي هو الملك “أكليذ” وكثير من الطقوس والآداب السلطانية في الدولة المغربية الحديثة تستمد جذورها من الدول الامازيغية المتعاقبة على تاريخ المغرب القديم فلنأخذ على سبيل المثال عندما نقول للملك “سيدنا” فهذه العبارة تليق بالمقام العالي للملك كما كان الشأن قديما ولا تقال هذه العبارة الا في المغرب فقط نظرا لتجدرها في تاريخ المغرب حيث كان الملوك الامازيغ يعرفون بألقابهم الفخرية وليس بأسمائهم الشخصية فالملك الامازيغي المعروف ب”ماسينسا” هو بالأمازيغية “ماس نسن” وهي تعني سيدنا التي نطلقها اليوم احتراما للملك، كما أن الملك الامازيغي المعروف باسم “يوغرطة” هو بالأمازيغية “يوكرثن” التي تعني بالعربية كبيرنا. لهذه الاسباب نرى أنه للرفع أكثر من شأن الدولة المغربية الحديثة عليها أن تمدد تاريخها الذي ليس فيه ما يشان ليشمل ليس فقط التاريخ القديم بل ليشمل التاريخ كله فنقول ان تاريخ الدولة المغربية يمتد الى 5000 سنة وأن تاريخ الانسان المغربي هو أقدم تاريخ لدى البشرية حيث في بلاد هذه الدولة العزيزة يرقد اقدم انسان وهو أب البشرية كلها ومن الاكيد أن لغته كانت اللغة الامازيغية التي احتفظ بها أحفاده في هذه البلاد السعيدة .هذه اللغة هي اللغة الام واللغات الاخرى متفرعة.

مسؤوليات الدولة المغربية بعد الاكتشاف

اكتشاف جد البشرية بالمغرب يضع الدولة امام مسؤولية كثيرة منها بالخصوص التحسيس بأهمية الاكتشاف وطنيا وعالميا واستثمار نتائجه اقتصاديا وعلميا وتربويا، فباستثناء التصريح الصحافي الذي ادلى به السيد وزير الثقافة بتاريخ 09 يونيو 2017 فان الاعلام المغربي لم يعطي للاكتشاف الاهمية التي يستحقها وعل سبيل المقارنة نورد ما قامت به فرنسا في سنة 2016 عندما تم اكتشاف “سن” بشرية بجنوب غرب فرنسا تعود الى حوالي 56 ألف سنة قد تحرك الاعلام الفرنسي لتمجيد تاريخهم وشهد الموقع زيارات رسمية وذوي الاختصاص، اما في المغرب فقد تم اكتشاف جد البشرية يرجع الى أكثر من 300 ألف سنة لم يتحرك الاعلام والحكومة لإعطاء الموضوع ما يستحقه اعلاميا. كما أننا نتساءل بل ندعو  الحكومة الى امكانية استثمار هذا الاكتشاف سياحيا وذلك بإعداد البنية التحتية اللازمة من طرق وتجهيزات أخرى حيث سيرغب الكثير من سكان العالم زيارة قبر جد البشرية وهكذا ستقوم الدولة بتشجيع السياحة التاريخية بدل الاعتماد على الفلكلور فقط  لمضاعفة أعداد السياح. واهم ما يمكن أن تقوم به الدولة أيضا هو اعادة النظر في مضامين بعض المناهج التعليمية لمسايرة المستجدات العلمية، ولن أنسى ذلك المعلم الذي أشبعني ضربا في الستينات من القرن الماضي حيث لم أستطع قراءة ذلك النص الوارد في كتاب القراءة للتلميذ لصاحبه بوكماخ والذي مفاده أن سكان المغرب الاولون جاءوا من اليمن عبر باب المندب … اليوم أدركت لماذا لم يتقبل لساني قراءة ذلك النص العجيب، وبالتالي نتساءل من سيصحح هذه الفكرة الخاطئة التي قام المعلمون بحشو أدمغتنا بها. نحن هنا منذ بدأ البشرية والاخرون فروع. وعلى مناهجنا التعليمية مسايرة هذا الاكتشاف العلمي.

خلاصة: من الاكيد انه سينبثق عن هذا الاكتشاف وعي جديد بالقضية الامازيغية ومن الاكيد ان هذا الاكتشاف سيجعل العديد يراجع مواقفه السابقة من أفراد ومؤسسات وبالتالي ترسيخ تطلعات المغاربة بمختلف توجهاتهم وتعزيز الاحساس العاطفي بالانتماء لهذه الارض ووعي جميع المغاربة بجذورهم الحقيقية وبعث الشعور الوطني الامازيغي، كما أن المعطى الامازيغي والثقافي سيكون محدد اساسي في كل تعديل جهوي مرتقب الا أن هذا لا يجب ان يثنينا عن بذل المزيد من الجهود لتقويض بعض المظاهر السلبة التي ستظهر مع كل هذه المستجدات الايجابية.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *