مكاسب تمغربيت وسمعة المغرب سنة 2022

عبدالله حتوس

رغم كل ما لحق المغاربة من معاناة جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية على الصعيد العالمي، كان الأمل رفيقهم وهم يودعون سنة 2022 بملحمة منتخبنا الوطني في المونديال؛ ملحمة أغنت رصيد سمعة المغرب والعلامة الوطنية المغربية -Nation Branding- ومعها اكتشف العالم حقيقة الخصوصية المغربية واستثنائيتها، بعد أن تصدر اسم المغرب “الترند العالمي” لمدة تزيد عن أسبوعين، وكان موضُوعَ جملة من التغريدات الإيجابية الصادرة عن الكثير من مشاهير عالم الأعمال والسياسة والرياضة والفكر.

فقد استثمر المغرب مجريات المونديال الأخير، لتسويق نموذجه الهوياتي وسمعته الثقافية والاقتصادية والرياضية والسياحية، معتمدا في ذلك على ما راكمته استراتيجية تموقع المغرب في عالم اقتصاد السمعة -l’économie de la réputation- الذي تَسْتَثْمِرُ فيه الدول أملا في الحصول على عوائد استثمار تنعكس إيجابا على قوتها الناعمة وجاذبيتها الاقتصادية والسياحية وسمعتها الداخلية والخارجية.

فملحمة الشهر الأخير من سنة 2022، من شأنها أن تزيد من توهج سمعة المغرب عالميا، كما من شأنها تحسين صورة المغرب داخليا باعتبارها مجموع تصورات المغاربة عن بلدهم. فالدعم الذي حظي به المنتخب الوطني في إفريقيا والشرق الأوسط، وتوقف كل المحللين الدوليين عند الثقافة المغربية والقيم التي أبان عنها اللاعبون والجمهور المغربي، كلها نقاط إيجابية تنظاف إلى مستوى الأمن والتنظيم الذي تابعه العالم وهو يشاهد استقبال المغاربة لفريقهم الوطني بمدينة الرباط.

ويجدر بنا التذكير في هذا الصدد إلى أن المغرب لم ينتظر المونديال للاشتغال على علامته الوطنية وسمعته وقوته الناعمة، فقد أظهرت النسخة السابعة من الدراسة الاستقصائية حول سمعة المغرب في العالم برسم سنة 2021، أن المغرب يتمتع على العموم بصورة دولية إيجابية، ويحتفظ المغرب من حيث السمعة الخارجية لدى “الدول السبع زائد روسيا” بعدة مزايا مقارنة بدول كتركيا وجنوب افريقيا والمكسيك وغيرها من الدول؛ فالمغرب يحتل المرتبة 27 من أصل 72 دولة شملتها الدراسة.

أما قدرة بلادنا على التأثير فهي الأخرى ستزيد من مكاسبها؛ فخلال السنة التي ودعناها، أظهر مؤشر القوة الناعمة لسنة 2022 الذي تصدره كل سنة مؤسسة “Brand Finance” أهمية القوة الناعمة المغربية، حيث احتل المغرب المرتبة 46 عالميا والثالثة إفريقيا. وتحيل القوة الناعمة، كما حدد ذلك أحد منظريها، إلى القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، كما كان يجري في الاستراتيجيات القديمة، بل عن طريق الجاذبية وجعل الآخرين يريدون ما تريد.

مكاسب تمغربيت، أيضا، كانت في الموعد، ومكاسبها من مكاسب علامتنا الوطنية وقوتنا الناعمة وسمعة بلادنا. فتمغربيت تحيل إلى من نَحْن وما نَحْنُ عليه وإلى تميز مجتمعنا عن غيره من المجتمعات، وتختزل ما يجمع بين المغاربة في كل مراحل تاريخهم الطويل، كما تختزل هويتنا الجامعة ونمطنا الثقافي واستثنائيتنا الوطنية؛ فتمغربيت بحد ذاتها علامة خاصة يحملها كل من ينتمي إلى أرض المغرب، من ورثة التفاعل الثقافي بين أجدادنا الأمازيغ وباقي الشعوب التي مرت من هذه الأرض أو استقرت بها.

فإبان ملحمة المونديال، وجد الكثير من المهتمين والصحفيين صعوبة في تحديد من نَحْن، بل سمعنا معلقين رياضيين يصفون المغرب بأرض “البربر والأمازيغ والصحراء”، وآخرون يهتفون باسم هذا “المغربي الأمازيغي العربي الإفريقي”، بل خندقنا بعض المتتبعين في “صناديق إثنية معزولة عن بعضها البعض” لكل واحد عنوان: العربي، الأمازيغي وغيرها. فالقاسم المشترك بين كل هؤلاء المتتبعين، هو اكتشافهم لتمغربيت، أكتشفوا أن للمغاربة هوية وثقافة تميزهم عن غيرهم من الأقوام؛ تَمَيُّز لا ينتقص من عمق علاقات الأخوة التي تربط بين المغاربة وشعوب إفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من شعوب العالم.

على سبيل الختم

إن تسليط الضوء على بعض مكاسب تمغربيت وسمعة المغرب ليس تفاخرا بما تم إنجازه، فالهدف الأساسي من وراء ذلك هو التذكير بحجم الاستثمار الذي تطلبه تحقيق ما تم تحقيقه، والتأكيد على أن الجميع مطالب بتحصين تلك المكاسب وتعزيزها على مستوى أداء مؤسساتنا، وتقدم بلادنا في تنزيل نموذجها التنموي، وقدرتنا على تعزيز تمغربيت وفي صلبها الأمازيغية.

فتعزيز مكاسب سمعة بلادنا يتطلب، كما تشير إلى ذلك الدراسة الاستقصائية حول سمعة المغرب في العالم برسم سنة 2021، الشروع في سن إصلاحات شاملة في مجالات التعليم والابتكار والتكنولوجيا، وجودة المنتجات والخدمات، وكل ذلك بالموازاة مع المشاريع الكبرى للإنعاش الاقتصادي، والتغطية الاجتماعية الشاملة وإعادة هيكلة القطاع العام، كما يتطلب تحصين كل مكونات هويتنا وثقافتنا المغربية وحمايتها من جبروت ثقافة العولمة.

اقرأ أيضا

يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 12 والأخيرة)

هل كان المهدي بنبركة جاسوسا للمعسكر الشرقي؟ نشرت مجلة “لكسبريس” الفرنسية، في عددها الصادر ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *