اعتبرت رئيسة اتحاد العمل النسائي، عائشة الحيان أن “مدونة الأسرة أصبحت متجاوزة بحكم كل التحولات التي عرفتها أوضاع الأسرة المغربية، فضلا على أن ثمانية عشر سنة من التطبيق أثبتت وجود ثغرات واختلالات على مستوى النص والعمل القضائي”.
وأوضحت الحيان، أن الندوة المنظمة مساء الجمعة 28 أكتوبر بالرباط، تحت عنوان “مدونة الأسرة وسؤال الملاءمة والمساواة، بمناسبة اليوم الوطني للمرأة المغربية وفي إطار الحملة الثانية للتغيير الجذري والشامل لمدونة الأسرة، تأتي “امتدادا للمسيرة الطويلة للإتحاد في الترافع من أجل ضمان الحقوق الإنسانية للنساء، وإرساء مساواة فعلية بين الجنسين ومناهضة كل مظاهر التمييز وما يتطلبه ذلك من ضرورة ملاءمة كل القوانين الوطنية مع دستور 2011 ومع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها”.
وخلصت رئيسة اتحاد العمل النسائي، إلى أن “النهوض بأوضاع النساء وضمان مشاركتهن الفعلية في كل المجالات هو رهين بالتغيير الشامل لمدونة الأسرة لتعكس مبادئ الدستور والتزامات المغرب الدولية”.
هذا، وجدد “اتحاد العمل النسائي” تأكيده على ضرورة ملحة لتغيير “شامل وعميق لمدونة الأسرة”، معتبراً أن التغيير المنشود “لا يمكن اختزاله في مجرد تعديل قانوني وحسب، بل هو شرط أساس لدمقرطة المجتمع وإعادة بنائه على أسس من المساواة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية”.
وأكدت المنظمة النسائية، في ورقة تقديمية قدمتها خلال الندوة، أن تغيير المدونة “مدخل رئيسي لتمكين النساء إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا وتحريرهن من وضع الدونية المفروضة عليهن، والقضاء على التمييز على أساس الجنس الذي يعد من مقومات التنمية الإنسانية والتقدم الحضاري”.
واعتبر الإتحاد النسائي أن “هذا الورش من الإصلاحات الكبرى الحيوية المطروحة على المغرب استكمالها دون إبطاء”. مبرزة أن “تجربة 18 سنة من تطبيق مدون الأسرة أبانت عن محدودية وقعها على الحياة الفعلية للنساء لضمان حقوقهن الأساسية وحمايتهن من انتهاك كرامتهن ومن الحيف والتفقير والتشريد والعنف”.
كما أبانت، يُضيف ذات المصدر “عجزها عن الحد من تزويج الطفلات وتعدد الزوجات وعن ضمان حق النساء في ممتلكات الأسرة وفي الولاية على أبنائهن، ولم تمكن من حل الإشكالات المتعلقة بالنفقة وبسكن المحضون في غياب معايير موحدة عادلة ومساطر دقيقة تضمن للمحضونين الحفاظ على مستوى عيشهم السابق والمسكن اللائق”.
وزاد “كما لم تستحضر المصلحة الفضلى للطفل في قضايا الأبوة والنسب وضمان حقوق الطفل”. “أما نظام المواريث فنتائجه بادية للعيان من خلال دوره الأساسي في تكريس الفقر وسط النساء وفي هزال نسبة ولوجهن إلى الملكية”، تورد مذكرة إتحاد العمل النسائي.
ودعت الهيئة النسائية إلى “اعتماد المساواة بين الجنسين مبدأ ناظما ومؤطرا لفلسفتها ولكل مقتضياتها، والقطع مع التدبدب والازدواجية والتناقض في موادها، وإلغاء الاستثناءات وأنصاف الحلول والثغرات السانحة بالالتفاف على القانون، وتقليص اللجوء إلى السلطة التقديرية للقضاء باعتماد مواد دقيقة ومحكمة”. وفق تعبيرها.
كما دَعت إلى “استحضار ما سيترتب عنها من آثار في المعيش اليومي وفي صون كرامة وحقوق النساء وأطفالهن درءا للمآسي الإنسانية التي أفرزتها التجربة، وهذا يقتضي ترجمة أحكام ومبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية على مستوى كل مواد قانون الأسرة بما يضمن المساواة بين الرجل والمرأة عند الزواج و أثناء قيامه”.
ولَفتت إلى أن ذلك يتطلب أساسا “اعتماد لغة قانونية حديثة غير تمييزية ومصطلحات لا تشيئ المرأة أو تخلق تراتبية في العلاقة بينها و بين زوجها أو تحصر دورها داخل الأسرة في البناء و الاستمتاع … ضدا على أدوارها الأساسية في التربية والتنشئة والمساهمة في استقرار الأسرة المادي والمعنوي”، و”تعريف الزواج كمؤسسة اجتماعية تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات بين طرفي العلاقة والشراكة الفعلية في تدبير كل شؤون الأسرة ومصالح الأطفال وحقوقهم بما فيها المالية وذلك سواء أثناء الحياة الزوجية أو بعد انحلالها.”
كما يتطلب وفق ذات المصدر “اعتماد المساواة في أهلية الزواج بين الفتى والفتاة والمحدد في 18 سنة لهما معا كقاعدة عامة تماشيا مع المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل، وكذلك مع مقتضيات الفصل 32 من الدستور الذي يعتبر الدولة مسؤولة عن توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية … وإلغاء كل الاستثناءات التي تفرغ هده القاعدة من جدواها وتسمح بزواج الطفلات والأطفال، مع تجريم تزويج الطفلات والأطفال وكل صور الالتفاف على القاعدة العامة المذكورة، نظرا لما يترتب عن تزويج الطفلات من حرمانهن من التمتع بحقوقهن كاملة، فضلا عن المخاطر المدمرة لصحتهن الجنسية والنفسية والجسدية ، ناهيك عن مساهمته في استدامة الفقر والأمية في صفوف النساء وحرمانهن من المساهمة في التنمية والاستفادة من نتائجها”.
ودعا “إتحاد العمل النسائي” إلى “منع تزويج الطفلات والأطفال مع اتخاذ كل التدابير اللازمة للتحسيس بخطورته والحد من الفوارق المجالية بتأهيل المناطق القروية وفك العزلة عنها”، و “اعتماد سن الأهلية للزواج المحدد في 18 سنة للمخطوبين كذلك درءا لكل تأويل لمقتضيات المادة 156”.
كما دعا إلى “إلغاء تعدد الزوجات لكونه يتعارض مع مبدأي المساواة وعدم التمييز اللذين يكفلهما الدستور والاتفاقيات الدولية، ولما يشكله من مس بكرامة النساء وتقويض لاستقرار وتماسك الأسرة ولما ينتج عنه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية على النساء وأطفالهن”.
وطالبت الهيئة النسائية ب”توحيد مسطرة انحلال الزوجية بالنسبة للطرفين معا والاقتصار على مسطرة الطلاق الاتفاقي ومسطرة التطليق (وتكون أسباب اللجوء إلى هذه المسطرة إما استحكام النزاع بين الزوجين أو الضرر أو الغيبة) خاصة أن الأزواج نساء ورجالا يفضلون اللجوء لهاتين المسطرتين على حساب باقي المساطر لسهولة إجراءاتها وحق الزوجين معا في اللجوء اليها كما جاء في الدراسة التي أنجزتها وزارة العدل حول “القضاء الأسري الواقع والآفاق عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة”.
وقالت إن”إحصائيات سنة 2020 أثبتت استحواذ هاتين المسطرتين على باقي أنواع الطلاق والتطليق، حيث يتصدرها التطليق للشقاق متبوعا بالطلاق الاتفاقي، وقد بلغت قضايا التطليق للشقاق مثلا على مستوى المحكمة الاجتماعية بالبيضاء نسبة 97 في المائة ضمن قضايا انحلال الزوجية برسم سنة 2020″.
و تبعا لذلك، تضيف الهيئة النسائية، أصبح من “الضروري إعادة النظر في مساطر انحلال الزوجية والاستغناء عن المساطر الغير مفعلة، مع تعزيز حق النساء في اللجوء إلى إنهاء العلاقة الزوجية حماية للحقوق المكتسبة في هذا المجال، و تجنبا لأي تضييق من شأنه أن يقيد حقهن في ذلك كما كان عليه الأمر قبل المدونة، مع الإبقاء طبعا على جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء لما يشكله من حماية لطرفي العلاقة ولمصالح وحقوق الأبناء.”
وشدّدت على “ضرورة تعزيز مؤسسة الصلح والوساطة لفض النزاعات الأسرية وتقوية أدوارهما مع ضمان التكوين والتكوين المستمر لتملك التقنيات اللازمة لذلك والاستعانة بالمتخصصين النفسانين والاجتماعيين لإعداد تقارير حول أسباب النزاع ووضعية الأطفال للاستعانة بها قضائيا.”
وفي نفس المذاكرة، أكدت على ضرورة “تدخل المشرع لتنظيم تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين بدءا من المراحل الأولى للزواج وذلك باشتراط إبرام عقد لتحديد طريقة تدبيرهذه الأموال بالموازاة مع عقد الزواج وجعله من ضمن الوثائق التي يجب أن يتضمنها ملف الزواج، والتنصيص صراحة على اعتبار العمل المنزلي وتربية الأطفال كمساهمة مادية للنساء في تنمية الأموال المنشأة خلال الزواج”.
وأبرزت أنه “أصبح من الضروري إعادة النظر في أسس فرض النفقة ومشتملاتها وكذا في ضمانات الوفاء بها نظرا لما يثيره موضوع النفقة من إشكالات حقيقية سواء أثناء قيام الزوجية وخاصة عند النزاع أو بعد الطلاق أو التطليق وآثار ذلك على مصلحة الأطفال؛ اعتبارا لأدوار النساء داخل الأسرة التي تتجاوز الرعاية إلى تحمل الأعباء المالية أو المساهمة فيها”.
وقال “اتحاد العمل النسائي” إن “مدونة الأسرة تضع نفسها خارج سياق الواقع الاجتماعي وتحولاته الجوهرية حيث تلعب النساء أدوارا رئيسية في تربية الأطفال وتوجيههم وتدبير مصالحهم الدراسية والصحية والإدارية وغيرها، وذلك بمفردها في الكثير من الأحيان، بل إن هذه المقتضيات تتعدى في حالات النزاع أو الطلاق حدود الإجحاف في حق الأم، لتتحول إلى وسيلة للابتزاز والانتقام من الأطفال أنفسهم وإلى المس الخطير بحقوقهم الأساسية، كحرمانهم من شهادة المغادرة لمواصلة تعليمهم في حالة الطرد من بيت الزوجية أو مغادرته على سبيل المثال”.
وأشار الإتحاد النسائي إلى أن “النساء كن مقصيات من أن يرثن في حق استغلال أراضي الجماعات السلالية، كما كن لا يستفدن عند التعويض عنها في حالة تفويتها ومع ذلك لم تتحرك أية جهة للمطالبة بتطبيق الشريعة وتمكينهن من حقوقهن، ونفس الشيء بالنسبة لأراضي الكيش والأراضي المسترجعة بعد المغربة، بحيث لم تستفد منها إلا 2 في المائة من النساء وفوتت أغلبها تقريبا للرجال”.