من أجل تعميم الأمازيغية قبل الإنجليزية

طيلة الأيام الماضية، أوردت العديد من المواقع الإخبارية الوطنية والعديد من الفاعلين التربويين خبر تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بكل مستويات السلك الإعدادي. قرار مثل هذا، إن كانت غايته أن يعزز الكفايات اللغوية والثقافية للتلاميذ المغاربة بالنسبة للغة تتربع على عرش اللغات على الصعيد العالمي، ويعزز بذلك تنافسية المنظومة التربوية والتعليمية الوطنية… قرار لا شك في أهميته من الناحية التربوية، شريطة أن يتم ذلك على أساس برامج وخطط عمل مدروسة وواضحة تؤدي فعلا وحقيقة وواقعيا إلى تحقيق الأهداف والغايات المنتظرة من هكذا إجراء تربوي بيداغوجي.

مرد هذا الكلام هو كون المتتبع والمهتم بقطاع التربية والتعليم ببلادنا كقطاع ديناميكي ومتحرك، يكاد يخرج بمحدودية معظم الإصلاحات التي عرفها القطاع منذ الاستقلال، بالرغم من كل الإمكانيات المرصودة له. ولعل أظهر مثال يقدم في هذا الإطار هو مصير البرنامج الاستعجالي، والذي سارت بذكره الركبان للأسباب والوقائع التي أصبح كل الرأي العام تقريبا على إلمام بها.

على المستوى اللغوي، يعرف المشهد التربوي ببلادنا حضور لغات وطنية ورسمية وأجنبية داخل فصولنا الدراسية. ذلك بتفاوت مكانة كل لغة والإمكانيات والخطط المرصودة لها ماديا وماليا ولوجيستيا وبشريا وتربويا…الخ. لكن يبقى مجال طرح العديد من الأسئلة مفتوحا: هل يتمكن التلميذ المغربي فعلا من إتقان كل اللغات المدرسة؟ هل يتحكم فيها ويضبط مكوناتها لغويا وتوصليا وثقافيا؟…

لغويا ولسانيا، قدر منظومتنا في التربية والتعليم والتكوين، أن ترتبط بسوق لغوية أو لنقل على وجه الدقة بوضع لغوي متعدد فيه لغات متعددة ومستويات وتنويعة لغوية. مع العلم أننا لا نشكل الاستثناء في هذا الشأن عالميا. ومن المنطقي والعادي جدا أن يعكس حال منظومتنا التربوية هذا التعدد والتنوع اللسني ويحتفي به ويعززه ويساهم في تطويره وإغنائه. لكن من الواضح جدا أن الاهتمام المرصود لكل لغة مدرسة يظل بعيدا عن مبادئ الإنصاف والمساواة والتكافؤ!

هنا، ونحن نتحدث عن رغبة الوزارة في تعميم الإنجليزية، لا ينبغي أن ننسى أن هناك لغة وطنية ورسمية بمقتضى أسمى قانون بالبلاد، ألا وهي اللغة الأمازيغية بالتزامات دستورية وقانونية وتنظيمية وحكومية، تقدم دائما وعود حكومية بتعميمها في المنظومة التربوية دون أن يتحقق إلى حدود اليوم التعميم المنشود والموعود إن بشكل أفقي (الرفع من عدد المؤسسات التعليمية التي تدرس فيها الأمازيغية في القطاعين العام والخاص) أو بشكل عمودي (من مستوى إلى أخر ومن سلك دراسي إلى أخر). فالأولى هنا أن نعمل أولا على تعميم تدريس الأمازيغية، اللغة الوطنية والرسمية، قبل المرور إلى تعميم الإنجليزية أو على الأقل إنجاز التعميمين معا على قدم المساواة والتكافؤ.

في قطاع التعليم، في الكثير من الأحيان تعاكس برامج العمل الجديدة المعتمدة برامج سابقة دون أن تكون هناك استمرارية واستدامة البرامج والتقائيتها. أحسن مثال نقدمه في هذا الصدد، هو بعض التراجعات التي حصلت في ورش تدريس الأمازيغية بعد إدخال ما يطلق عليه “مدارس الريادة”، إذ لولا يقظة طاقم تدريس الأمازيغية لأصبح هذا الورش في مهب الريح، وهو الموضوع الذي جعل مدرسات ومدرسي الأمازيغيين يخرجون من أقسامهم في أشكال احتجاجية حضارية مختلفة توجت ببعث رسالة/شكاية إلى رئيس الحكومة في الموضوع. ومؤخرا استبشر الجميع خيرا حين وعد وزير التربية الوطنية خيرا بتسوية وضعية الأمازيغية ومدرسيها داخل مؤسسات الريادة.

رشيد نجيب

 

اقرأ أيضا

امحمد القاضي

المغرب الأركيولوجي مهد البشرية: الهامسون بالإكتشافات التاريخية لطمس زيف تاريخ الكتاب المدرسي

في حاجة لإعادة كتابة ماضينا الأمازيغي يعتبر علم الآثار أو الأركيولوجية منهاج حفري معرفي دقيق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *