من انتقدوني وقللوا من شأني بالأمس جعلوني أكثر قوة اليوم

• سعيد أومعسو مرحبا بكم على صفحات جريدة العالم الأمازيغي، في البداية نود ان تعرف قراء العالم الامازيغي بشخصكم ؟

• بداية أشكر فريق عمل جريدة “العالم الأمازيغي”، أنا سعيد أومعسو، من مواليد سنة 1970 بقرية صغيرة قرب مدينة تنغير، عشت بها حوالي أربع سنوات، وبحكم اشتغال والدي في مجال التجارة اضطررنا للاستقرار بمدينة مراكش في حي شعبي، وكنت طفل عادي أنعم بنعمة البصر، ولدي طموحات من ضمنها دخول المدرسة كباقي أبناء أعمامي، وكان لدي حب الاستطلاع ورؤية أي شيء بإمعان وكأني على علم أنه يوما ما سأفقد نعمة البصر، وكان كل شيء يثير انتباهي في الطبيعة من نبات وحشرات…، وأعجب بحركات النحل، إلى أن بلغت ست سنوات، أصبت بمرض أجهله إلى يومنا هذا، ورغم زيارتي لمجموعة من الأطباء، الذين أكدوا لوالدي أني أصبت بمرض يستهدف الجهاز البصري، وأجريت عملية عند طبيب فرنسي بمدينة الدار البيضاء، الذي أخبر عائلتي بأن مرضي خطير واحتمالية استمراري في الحياة أمر شبيه بالمعجزة، لكن للأسف بعد العملية بشهر وبعد معاناة القيام بالتحاليل الطبية بين المغرب وفرنسا، توفي الطبيب وأخذ معه أسرار مرضي.

• تحدث لنا عن الفترة التي عشتها بعد عودتك من مدينة الدار البيضاء، وبعد أن فقدت نعمة البصر.

• عشنا جو كئيب، وأنا طفل كنت أشعر بآلامهم بسبب فقدان بصري، وبدأت اتخيل كيف ستكون حياتي الجديدة التي سأعتمد فيها على الآخر في كل تحركاتي، وفقدت حيويتي وحقي في اللعب ولكن وفي ظل خوف أهلي، بدأت أتعلم التأقلم مع الحياة من جديد.

• ما هو السبيل الذي سلكته للتمتع بحقك في التعلم بعد هذه الحادثة، وما هي طبيعة علاقتك بالمحيط والمجتمع؟

• في يوم من الأيام دخل والدي بعد يومه الشاق في عمله التجاري المعتاد، وبعد لقاء مع صديق له نصحه بتعليمي، وأخبر أمي بأن المكفوفين أيضا بإمكانهم التعلم ولهم مدارس خاصة، وأجابته بوجهة نظر بسيطة، كيف له أن يدرس؟ سيظل معنا وسنرعاه إلى أن يحسن موعد الوداع الإلاهي، وحينها غضب والدي وأكد أن صديقه نصحه بمدرسة خاصة بالمكفوفين، وعلي أن أذهب إليها وأتعلم، وسعدت كثيرا بهذا الخبر، خاصة وأن حلمي الكبير كان دخول المدرسة، وعانيت كثيرا في وسط الأطفال الذين كانوا يرمونني بالحجارة ويضايقونني لكني كنت ألقنهم درسا عند سماعي مصدر الإزعاج وأنقض على صاحبه، وعند دخولي المدرسة، كان والدي يوصلني كل فجرعلى الدراجة النارية “موبيليط”، حيث أمضي يومي كاملا، وأتناول وجبة غذاء بسيطة هناك، ويعيدني إلى البيت على الساعة السادسة والنصف مساء إلى البيت، وكنت أحاول الاعتماد على نفسي وأخرج بمفردي، وكنت أتوه ويجدونني، في وسط عبارات الإحباط والشفقة، وكنت أتأكد يوما عن يوم أني وسط مجتمع متخلف عانيت فيه الكثير ربما عطف منهم لكنه كان يؤذيني، أتممت مراحل دراستي الأولى، وكان علي أن أتمم دراستي الثانوية مع التلاميذ العاديين، وتم قبولي بصعوبة في تلك الثانوية، التي كانت قرب المعهد الإنجليزي الذي كنت أدرس به، وكنت أحب الفلسفة ومجموعة من المواد، ونسجت علاقات جميلة مع تلاميذ الثانوية، وكنت أحتل الرتب الأولى والمدير الذي كان ضد تسجيلي أصبح يعتذر مني، وأصبحت أمثل الثانوية في التظاهرات الجهوية، ومثلت جهة الجنوب والتهنئة كانت باسمي، وحصلت على شهادة البكالوريا بميزة جيدة.

• بعد تحصيلك شهادة البكالوريا، اين كانت الوجهة؟

• بعد حصولي على البكالوريا، كانت هناك اقتراحات الاستعداد للمركز الإفريقي لدراسات العلاج الطبيعي بالمدرسة العليا لتقنيات وعلوم الصحة بتونس، وكنت من بين المرشحين الذين سيتم انتقاء ستة منهم فقط، وسعد والدي بالخبر، وتوفي بعد ذلك بثلاثة أشهر، ومررت بانتكاسة جديدة، وذهبت لعائلة والدي بورززات التي دعمتني لأتمم هذه الدراسات، وذهبت إلى تونس، غير أن المكتب الوطني للمكفوفين بالمغرب رفض منحي المنحة، وأخبروني أنه علي توقيع تنازل عن حقي في المنحة وقمت بذلك، واعتمدت على عائلتي في كل ما هو مادي إلى جانب منحة حصلت عليها من تونس، وحصلت على الدبلوم من تونس بتفوق.

• ما الذي تغير في حياتك بعد أن أصبحت متخصص في العلاج الطبيعي؟

• كانت بالنسبة لي مرحلة المواجهة الحقيقية، أولا من الناحية العملية، حيث كنت اود ان افتتح عيادة خاصة بي، وكنت أحاول أن أشرح لعائلتي ضرورة فتح العيادة، لكنهم لم يساندوني، وأقنعتني أمي بأن أفتح عيادة بمنزلنا العتيق بالمدينة العتيقة بمراكش.

وفعلا فقد بدأت منذ سنة 2001 مرحلة التكوين بكل ما له علاقة بالعلاج الطبيعي، واستمر ذلك إلى غاية 2019، أي 18 سنة من التكوين المستمر، لكن سنة 2013 بدأت أطور من قدراتي، ووضعت قاعدة معلوماتية تتضمن كل ما راكمته في مساري العلمي، وقمت بدورات حول العالم بين الدول الإفريقية والعربية والأوربية…، وعبر ربوع المملكة، وأقدم من خلالها دورات تكوينية في مجال تخصصي.
ثانيا من الناحية الشخصية، ونظرا إلى نظرة المجتمع للشخص المكفوف، فقد كنت ضد فكرة الزواج، لكن والدتي أقنعتني بذلك، وفعلا تزوجت ورزقت من زوجتي ببنتين، الأولى تكمل حاليا دراستها العليا بالمعهد العالي للمعلوميات بفرنسا، والثانية تتم دراستها تخصص التجارة والاقتصاد بمدينة نيس، وتمكنت فعلا من تأسيس أسرة.
• ماهو اهم حدث ميز مسيرتك الحياتية والعملية؟

• اكيد اهم ما ميز مسيرتي هو أنه في سنة 2017 توصلت باتصال من التشريفات والأوسمة يخبرونني فيه أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سيستقبلني بالقصر الملكي بتطوان بمناسبة عيد الشباب، وشرفني بوسام من درجة ضابط، هذا بعد أن قام ببعثي إلى الحج بمعية والدتي سنة 2012، واليوم أشكر كل من رماني بالحجارة وكل من قلل من شأني وكل من جعلتني انتقاداته أكثر قوة وأبلغ ما بلغته اليوم.

شاهد أيضاً

الحسن زهور: النقد الأمازيغي ما يزال في طور التأسيس ويأخذ طريقه نحو الإنتاج والكتابة

من الجنوب الشرقي للمملكة، إلى جامعة القاضي عياض بمراكش حيث نال شهادة الإجازة في الأدب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *