موقع أثري بجهة درعة تافيلالت: تاريخ قديم وحضارة تنتظر العناية والإهتمام

إذا كان التراث نور الحضارة، ودليل ملموس على تطور الأمم والمجتمعات، وكذا تاريخ عريق يحكي عصور غابرة ونمط عيشهم وتطورهم الفكري. فإن التراث والمآثر التاريخية بوطننا المغرب قد نالها التهميش من طرف المسؤولين، وعبث الإنسان وتوارى معظمها بسبب التصحر ونزوح الرمال.
بجهة درعة تافيلالت تشكل المآثر التاريخية والمواقع الأثرية التي تزخر بها المنطقة عاملا مهما لحضارة ضاربة في التاريخ، هي منطقة حافلة بمواقع ومعالم أثرية، تؤسس لموروث غني لزاما استثماره والحفاض عليه، كشاهد مادي قوي على التنوع الأثري بجهة درعة تافيلالت.
 في زيارة ميدانية قامت بها جريدة “العالم الأمازيغي” للجماعة القروية الطاوس بين الحدود المغربية الجزائرية إقليم الراشيدية، وقفنا على موقع أثري يشكل إرثا مهما، ومرجعية تاريخية وحضارة تتطلب بحث لدراسة الماضي ورصد تجلياته على الحاضر والمستقبل.
 تم إكتشاف هذا الإرث الثقافي والنقوش المنتشرة فوق جبل “تَدَاوْت‌” بجماعة الطاوس الحدودية بجهة درعة تافيلالت، من طرف الباحث الفرنسي ‘جاك مونيي’ رفقة صديق له سنة 1954 ميلادية،  نقوش متمثلة في حروف تفيناغ وعربات، وصور لحيوانات “ضباع وبقريات” وكذا أجساد الإنسان، مشكلة لوحة تاريخية يعود زمنها إلى ما قبل التاريخ تحكي نمط عيش الإنسان القديم.
عبر النقر على الأحجار وفرت لنا المجتمعات القديمة معلومات ومعطيات مهمة، قد تساهم في إعادة تأسيس وبناء تاريخ الشعوب القديمة، وباعتبارها رسائل من مجتمعات غابرة يستوجب بحثا وتنقيب من طرف الباحثين، وعناية مهمة من طرف المسؤولين للحفاض على هذه المآثر التاريخية والموروث الثقافي بالمنطقة التي تضم عددا من النقوش الصخرية يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ.
في تصريح لسعيد كروي من أبناء المنطقة،  لجريدة “العالم الأمازيغي” عبر عن أسفه، كون هذا التراث المادي بهاته المنطقة ينقصه الإهتمام والمحافظة من أجل رد الإعتبار إليه عبر الصيانة والترميم، متمنيا توظيف هذا التراث المادي في السياحة والإستثمار، و التعريف به على نحو يكشف القيمة الأثرية والتاريخية لهذه المعالم، إذ أن العديد قد يغيب عنه وجودها بجماعة الطاوس، ليتكرس العزوف عن اكتشاف مؤهلات الجهة السياحية.
وأضاف المتحدث سعيد كروي، صاحب البحث في السياحة والتراث تحت عنوان ” المؤهلات السياحية بمرزوگة ركيزة أساسية في تنمية المنطقة” مؤكدا أن الحفاظ على النقوش الصخرية مسؤولية ” الدولة إذ يقتضي وجود استراتيجية واضحة يشتغل في إطارها الأطراف التي لها علاقة وثيقة بالموضوع، وهذه الأطراف بالتحديد هي الجامعات ، وزارة الثقافة ، وزارة السياحة ، و الإعلام “.
معتبر أن دور المواطن في هذه الحالة هو الوعي ” بأهمية هذه النقوش باعتبارها مجالا للدراسات التاريخية ( التاريخ القديم بالخصوص) و الأنتروبولوجية لها علاقة بالسياحة ،و هي جزء من التراث الحضاري والثقافي للوطن. في إطار هذا التصور و بهذا الوعي يستطيع المواطن أن يسهم في الحفاظ على هذه الرسوم و في حمايتها.وادراج هذا الجانب ضمن ما يدرسه التلاميذ في المدرسة( الابتدائية و الثانوية ) والطالب في الجامعة مما سيرفع من هذا الوعي”.
بجانب النقوش الصخرية يُلفت إنتباهك أكوام من حجارة متماسكة، توحي أن ورائها سر، و تواجدها ليس إعتباطي أو عامل طبيعي معين، بإقترابك للأكوام تتضح معالم بيوت وقبور بنيت بأشكال هندسية ودقة تُبهر المتأمل لأشكالها، وطريقة تفكير الإنسان القديم، من خلال هذه البيوت والقبور المنتشرة بجانب النقوش الصخرية، لدليل على إسقرار الإنسان الأمازيغي منذ عصور غابرة وتطور فكري مختلف عن نمط الترحال.
بيوت عبارة عن مدخل صغير لا يتجاوز عرضه 90 سنتمتر، بداخل البيت ينقسم لثلاث غرف صغيرة وسقف مكون من صفائح حجرية يتجاوز طولها أربعة أمتار، وضعت بدقة وتفاني في العمل والبناء، بمجرد التمعن قليلا في تركيبة البيت الحجري وغرفه الثلاثة، بالإضافة لمساحة يصل طولها لمترين ونصف في مدخل البيت، تُرْسَم في مخيلتك شكل هندسي يحيل لرمز الصليب “ⵜ”، كدليل على تواجد الديانة المسيحية وتواجد هذه البيوت والنقوش لتاريخ ما قبل الإسلام بشمال إفريقيا.
هي نقوش تعود لما قبل التاريخ، ورموز تركها من عمر هذه المنطقة للوقوف على شكل بنيتهم الإجتماعية والإعتقادية، حروف أمازيغية نقشت على صخور عمرت لسنين، تحكي تقدم وتطور التواصل بحروف تفيناغ منذ القدم، تحتاج لعناية واهتمام من طرف المسؤولين والباحثين للحفاض على التراث المادي وتاريخ حضارة لا يزال جبل “تَدَاوْتْ” يحتظنها أمَلاً في تدخل أيادي آمنة تعطي الإهتمام لهذا الموروث الثقافي المادي.

العالم الأمازيغي: حميد أيت علي “أفرزيز”

 

 

شاهد أيضاً

أكادير تحتضن الملتقى الأول لتجار المواد الغذائية

تحتضن مدينة أكادير من 24 الى 26 يوليوز الجاري الملتقى الأول لجمعية تمونت لتجار المواد …

تعليق واحد

  1. هاده المواقع توفيدونا كتيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *