نبيل باجا: الأغنية الأمازيغية رسالة قبل كل شيء ونضال للحفاظ على الموروث الموسيقي والشعري الأمازيغي

من منطقة تونفيت، قرية صغيرة تابعة لعمالة ميدلت، يصدح صوت شبابي بأشجان بالغة البهاء، لينحت اسمه في سماء الأغنية الأمازيغية الأطلسية، سيرا على نهج روادها من رويشة، حادة أوعكي وحمو بليزيد وآخرون.. هو نبيل باجا دليل سياحي للموسيقى الأمازيغية يأخدنا عبر أغانيه في رحلة بين الماضي والحاضر ويشدنا إلى تراثنا الأصيل وحضارتنا العريقة.

ذو 33 ربيعا، بصوته الشجي وأذنه الصاغية، يعتلي صهوة الفن، مروضا ايقاعات أطلسية ليسافر بك عبر تضاريس الأطلس المتوسط وأشجار أرزه الشامخة.

في هذا الحوار يحدثنا نبيل باجا عن تفاصيل خطواته الأولى في عالم الموسيقى الأمازيغية الأطلسية، فضلا عن التحديات التي واجهته، وكذا انشغالاته الموسيقية المستقبلية، داعيا الجهات الرسمية “الالتفاف إلى دعم الأغنية الأمازيغية الأطلسية، ومد اليد للفنانين الأمازيغيين لإخراج إبداعاتهم الموسيقية بأبهى صوت وصورة”.

الأغنية الأمازيغية رسالة قبل كل شيء ونضال للحفاظ على الموروث الموسيقي والشعري الأمازيغي

مرحبا بكم على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي”، لتقريبكم أكثر من القراء، حبذا لو تعطونا نبذة عن شخصكم؟

نبيل باجا، 33 ربيعا، أنتمي لمنطقة تونفيت حيث تابعت دراستي الإعدادية، بعد أن أتممت دراستي الإبتدائية بمدينة ميدلت، ثم مكناس حيث نلت شهادة البكالوريا، شعبة الآداب والعلوم الإنسانية.

هلا حدثتمونا عن بداياتكم الموسيقية، وما الذي دفعكم لخوض هذه التجربة؟

لا بد من التذكير أني ترعرعت وسط جو عائلي موسيقي، إذ أن الوالد من العازفين على آلة الوتر، وبذلك تشبعت بالموسيقى في شقيها الكلاسيكي والأمازيغي منذ الصغر، وبحكم أني عشت بين ميدلت وتونفيت، هذا ما وطد حبي للموسيقى الأمازيغية، وفي بداياتي كنت أغني أنماط موسيقية أخرى من بوب، غربي وشرقي، أما الغناء بالأمازيغية أصدقكم القول أنها كانت صدفة، إذ أثناء تواجدي بالأستوديو المتواضع خاصتي، تفاجأت بإيقاع بالبندير وأنا بصدد البحث على شبكة الانترنت على ايقاعات، إيقاع أعجبني كثيرا وهي لأغنية «يودجا ديكي بضاض اوسمون اسارا لعواري» للفنان الكبير مغني، لأقرر إعادة غنائها بطريقتي وبأسلوب يجمع مختلف الأنماط الموسيقية التي تشبعت بها، وبمجرد تحميل الأغنية بعد تسجيلها على مواقع التواصل الاجتماعي نالت استحسان الجمهور الذي تقبل الفكرة، وهذا شجعني كثيرا على المواصلة في مشوار الأغنية الأمازيغية.

يقال أن البدايات هي الأصعب، ما هي التحديات التي واجهتكم في بداياتكم الفنية؟ وكيف استطعتم تجاوزها؟

صحيح، البدايات دائما ما تكون صعبة، رغم أني لا زلت في مرحلة البدايات، لكن هنالك أمور شكلت عائقا بالنسبة لي، من بينهم الانتقادات الغير البناءة من طرف بعض الفنانين المتعصبين لكل ما هو كلاسيكي، والذين لم يتقبلوا فكرة التجديد، ويحاولون عرقلة كل ما من شأنه إضافة لمسات عصرية جديدة على الموسيقى، إذ يعتبرونها دخيلة.

لكن رغم كل شيء، تجاوزت ذلك، بالاستناد إلى حب قاعدة لا بأس بها من متتبعي نبيل باجا وابداعاته، إذ أني منذ حوالي أربع سنوات في الميدان، أحاول قدر الإمكان إرضاء شغفي الموسيقي أولا، وبالطبع إنتاج مقطوعات بأسلوب جديد ومتميز، إذ أعتبر أن الموسيقى الأمازيغية يجب أن تواكب التطور، وتنفتح على الأنماط الأخرى.

اخترتم إعادة توزيع وغناء مقطوعات محمد رويشة، حمو بليزيد وحادة أوعكي، لماذا هذا الثلاثي بالضبط؟

فعلا، هذا الثلاثي الغنائي، أفتخر به كثيرا، وهو الذي ألهمني كي أهيم شوقا في الموسيقى الأمازيغية، فحادة أوعكي فنانة أعطت الشيء الكثير في الأغنية المغربية الكلاسيكية والأمازيغية، وهي بالنسبة لي منبع إلهاماتي. كذلك الشأن بالنسبة للرائع محمد رويشة، الذي يعتبر من الأوائل المجددين في عصره، وخطى خطوات كبيرة انتقالية بالأغنية الأمازيغية الأطلسية، وأعطى لها إشعاع دولي، ما جعلها موسيقى تلمس قلوب كل الجنسيات بعيدا عن فهمهم للغة الأمازيغية، وأعتبره قدوتي في مساري الفني، وتمنيت لو كان على قيد الحياة ليسمعني ويدعمني على الاستمرار، أما الأستاذ حمو اليزيد فهو الأساس الشعري للأغنية الأمازيغية ومنه استنبط المرحوم رويشة جل أغانيه، ونحن بدورنا نحاول ايصالها إلى الجيل الحالي بطريقة تحببهم في الشعر الأمازيغي.

سبق أن أعدتم إصدار أغنية “رالا بويا” للفنان “بارشيد” من الحسيمة، بتوزيع موسيقي جديد، هلا حدثتمونا عن هذه الفكرة؟ وهل سيتم إعادة التجربة مع فنانين مغاربيين آخرين؟

أنا قبل كل شيء من عشاق الأغنية الريفية، واستمع كثيرا لخالد ازري والمايسترو الوليد ميمون، وفنانين كبار خصوصا رواد الأغنية الملتزمة، وكان لدي حلم بأداء أغنية بتعبير تاريفيت، أما بخصوص مقطوعة «رالا بويا» هي انتاج مشترك بيني وبين الفنان الناضوري عماد بلهنبل، وكنا نجتمع كثيرا ونعيد أغاني كثيرة بأسلوبنا الخاص، ومن هنا جاءت فكرة الأغنية، وهي بالريفية والأطلسية من كتابتنا الخاصة، مع تحوير قليل للأسلوب الذي غناها به الفنان «بارشيد» لكن بالاحتفاظ بلازمة رالا بويا المعروف بها الفنانون الريفيون، وأتمنى مستقبلا العمل مع فنانين آخرين من الريف، بل أبعد من ذلك لدي حلم أغنية أتمنى أن تجمع فنانين من الريف، سوس والجنوب الشرقي، أغنية بالتعابير الثلاث للأمازيغية، ولما لا بالتعابير الأمازيغية المغاربية.

أصدرتم مؤخرا أغنية جديدة تحت عنوان “AYADBIB” حدثونا عن الأغنية وعن ظروف إصدارها؟

هي أغنية من كلمات الفنان والشاعر سعيد من مدينة إيتزر، والذي بالمناسبة التقيناه أنا والفنان الصديق يوسف أيت الحاج حين كنت في زيارة له، هذا الشاعر العصامي الذي أبدع في كتابة كلماتها ليتم تلحينها حينها، هي من ألحاني والفنان يوسف ايت الحاج، أغنية تم طرحها سابقا، بنسخة تم الاعتماد فيها أساسا على الكمنجة، مع الفنان محسن بوغطاس، وهو نفس الشخص الذي عزف لي معظم الأغاني ومنها أغنية «حاولات غيفي»، لأقرر إعادة نسخة جديدة بآلة الوتر من عزف يوسف أيت الحاج، وتم تسجيلها رفقة الفنانة ديهيا وطرحها على قناتي باليوتيوب، لتلقى أصداء رائعة من الجمهور المتعطش للكلمة الراقية واللحن المتميز.

ما هو العمل الذي تعتبرونه الأكثر نجاحا في مسيرتكم الموسيقية؟ وما القصة وراء هذه الأغنية؟

العمل الأكثر نجاحا رغم مسيرتي الموسيقية المتواضعة، هي إعادة توزيع وغناء مقطوعة «حاولات غيفي» للفنانة المقتدرة حادة أوعكي والفنان بناصر خويا، هي أغنية اقترحها علي صديق، وأنها تناسب خامة صوتي، وبمجرد استماعي لها، أعجبت بها أيما إعجاب، وبعد أن كنت سجلتها منفردا بعد ثلاثة أشهر، حاولنا بلغة الموسيقى أنا والفنانة التشكيلية الأستاذة زكية خبو ابنة منطقة تونفيت أيضا، إضافة الصوت النسوي وتكملة المقام الموسيقي ألا وهو المقام البياتي، وكانت أول تجربة موسيقية لها أيضا، ونجحت الأغنية ولاقت صدى جميل سواء داخل الوطن أو خارجه.

عصرنا عصر صورة بامتياز، ومع ذلك نلاحظ غياب أغاني أمازيغية بصيغة الـ”فيديو كليب”، إلى ما يرجع هذا الغياب في نظركم؟

صحيح أن «الفيديو كليب» يلعب دورا مهما في إيصال الأغنية وبث رسالتها عبر الصورة، وأحيانا يكون أكثر من الأغنية ذاتها، لكن بحكم تجربتي المتواضعة، أعتقد أنه خصوصا في الأطلس المتوسط كل ما يتعلق بالصورة، السبب يعزو إلى المشكل المادي مائة بالمائة، لأن إخراج «فيديو كليب» بمستوى عالي يحتاج ميزانية أو داعمين، وبافتقار المنطقة إلى دور الإنتاج لاحتضان الفنانين، والغياب التام لأي تشجيع مؤسساتي للفن الأمازيغي الأطلسي، تبقى الأغنية الأمازيغية حاليا رهينة الصوت وفقط.

وبالمناسبة هذه دعوة للفاعلين الثقافيين والمؤسساتيين بالمنطقة، دعم الأغنية الأمازيغية، ومد اليد للفنانين الأمازيغيين لإخراج إبداعاتهم الموسيقية بأبهى صوت وصورة.

ما رأيكم في مستوى الفن المحلي الحالي، مقارنة مع جيل الرواد من رويشة، حمو بليزيد وآخرين؟

صراحة لا أستطيع المقارنة بين الأغنية الكلاسيكية والعصرية، لكن تقنيا هناك أمور كثيرة تغيرت، إذ سابقا كانت الأغنية الأمازيغية تعتمد على الشعر بالدرجة الأول، أما الآن تحاول الأغنية العصرية مسايرة الشعر الكلاسيكي بطريقة فيها تجديد وموسيقى حديثة.

في كل الأحوال للأغنية العصرية عشاقها، وللأغنية الكلاسيكية كذلك، ويبقى جيل الرواد هو المنبع ومنهم ننطلق لإعادة الإنتاج والأداء، وكذلك استثمار موسيقاهم للمضي قدما بإبداعاتنا الفنية.

هل يمكن اعتبار تجربتكم الفنية بمثابة بحث عن استمرارية الأغنية الأمازيغية والحفاظ على أصالتها بقالب جديد؟

بالنسبة لتجربتي الشخصية، فالأغنية الأمازيغية هي رسالة قبل كل شيء، ونوعا نضاليا للحفاظ على الموروث الموسيقي والشعري الأمازيغي من الاندثار، واستمراره للأجيال القادمة، كي يضل الإنسان المغربي دائما مفتخرا بأمازيغيته، وهذا ما أحاول قدر الإمكان العمل عليه، استمرارية الأغنية الأمازيغية مع الحفاظ على أصالتها بأسلوب يواكب روح العصر، وأتمنى أن أتوفق في ذلك.

ما ردكم على القول بأن الأغنية الأمازيغية انسلخت عن أصالتها للتحول إلى أغنية تجارية فاقدة للمعنى والمضمون؟

بعيدا عما هو مادي، أي أغنية خارجة من القلب، مآلها القلب طبعا، وتلقى تجاوب فريد من الجمهور، أما انسلاخ الأغنية الأمازيغية عن أصالتها، فهذا غير صحيح، إذ يمكن المزاوجة بين الأصيل مع العصرنة، وبهذا نحافظ على ثقافتنا وموروثنا الموسيقي الأمازيغي من الاندثار، وهذا حال الأغنية الريفية، السوسية والجنوب شرقية.

وهنا نلاحظ أن الشباب يستمعون ويستحسنون كل ما فيه تجديد، وهذه المزاوجة أعتبرها خدمة للأغنية الأمازيغية، لمواكبة التطور الحاصل في الموسيقى بصفة عامة، وشخصيا الأغاني التي أقدمها دائما ما أعتمد فيها على الوتر والكمنجة، وهاتين الآلتين كانتا في الأغنية الكلاسيكية وما زالتا في الأغنية العصرية، ولست ضد آلات أخرى كالقيثارة والبيانو لإضافة جمالية أكثر، بالعكس الأغنية الأمازيغية لم تنسلخ عن أصالتها، لأنها أساس أي فنان ليشق طريقه الفني ويحمل المشعل.

هل لديكم تجارب إذاعية وتلفزية أو مشاركات سابقة في التظاهرات الثقافية؟

بكل صراحة، بعد النجاح الباهر الذي حققته أغنية «حولات غيفي» وأغاني أخرى، تلقيت الكثير من العروض من إذاعات وقنوات مغربية، ولم أكن مقتنع بالفكرة حينها، لأني كنت في خطواتي الأولى في المجال الموسيقي، ولم أقرر بعد الاستمرار في المجال أو الاكتفاء به كهواية، وهو ما جعلني أؤجل هذه المسألة وليس رفضها، إذ أني في بداياتي، ويجب أن أتسلح بزاد موسيقي ومعرفي، وهذا هو السبب الرئيسي لعزوفي عن الإعلام مؤقتا.

أما بخصوص تجارب مشاركات في تظاهرات ثقافية، ليست كثيرة إلا أنني حظيت فعلا بشرف المشاركة بعدد لا بأس به من الأمسيات الفنية المنظمة من طرف جمعيات المجتمع المدني، والتي أشكرها بالمناسبة.

ما هي الألوان والأنماط الغنائية التي يجد فيها نبيل باجا ذاته؟ ولماذا؟

كما أسلفت الذكر، سبق لي أن خضت تجارب غنائية لأنماط موسيقية عديدة، حتى أن لدي تجربة في فن الراب، لكن منذ اقترفت (يضحك) شفتاي الغناء بالأمازيغية، شدني اللحن وعذوبة الكلمات، وصرت متيم لها، وروحانيا أجد ذاتي في الأغنية الأمازيغية الأطلسية، وهذا يجعلني مرتاحا بشكل كبير حين أغني بالأمازيغية. وأصدقكم القول بأن الإنسان مهما تغرب فنيا أو هوياتيا لا بد له الرجوع إلى الأصل والحنين إليه، ولأن الأمازيغية لغتي وموطني زادني هذا يقينا كي أبدع ما استطعت مستنطقا الشعر الأمازيغي الحامل للدلالات والرموز التعبيرية التي يخونني لساني النطق بها بلغات أخرى.

ما هي مشاريعكم المستقبلية في هذا المجال؟ وهل تفكرون في إصدار ألبوم غنائي؟

بعد هذه التجربة الصغيرة من إعادة توزيع وأداء أغاني الرواد في الموسيقى الأمازيغية الأطلسية، وبعد إصدار بعض الأغاني من توقيعي، حاليا أنا بصدد التحضير لألبوم غنائي خاص بي، وسيطرح في هذه السنة انشاء الله، مع التركيز قليلا على الفيديو كليب، بإمكانياتنا المتواضعة طبعا، وأتمنى صادقا أن يلقى إعجاب واهتمام الجمهور الأمازيغي خاصة والجمهور المغربي عامة.

كلمة حرة..

أشكركم على هذه الالتفاتة الرائعة وعلى هذا الحوار الشيق، وأشكر طاقم جريدة “العالم الأمازيغي” على ما يبذلونه في سبيل التعريف بهويتنا الضاربة في عمق التاريخ وموروثنا الموسيقي الغني، كما أشكر كل متتبعي نبيل باجا وتشجيعهم الراقي، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنهم، وأعد جمهوري العريض أني ما زلت في البدايات، وأني لن أبخل عليهم بما تجود به ملكتي الموسيقية المتواضعة.

حاوره: خيرالدين الجامعي

اقرأ أيضا

يوبانا: موسيقانا تستمد روحها من تراث «اسمكان» وإيقاعات «تاسكيوين» و«أحواش»

رمز من رموز الأصوات الموسيقية المغربية الشابة التي تسعى لنقل الثقافة المغربية الغنية خارج الحدود. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *