لطالما تبادر إلى ذهني أن للأغنية الأمازيغية في الأطلس المتوسط سحر ما ! عصي عن الفهم ولد بأشجان بالغة البهاء، وإحساس ما تعبر عنه الجدات والأمهات في كثير من الحالات، وإحساس آخر يتجلى في النّدب في المآتم بلهجة الحزن اليائسة، وكأن تلك الرسائل تتخذ لنفسها مسلكًا ما تَعْبُرُ بهن إلى عوالم أخرى. والنقر على البندير في أحيدوس وما يحمله من مقومات رائعة، رتابة جميلة جدًا بينها فواصل تضمدها أحيانا حركات المايسترو، وانتظام الراقصين على وَقعٍ واحد، والنساء يؤتثن الفضاء برونق لا يكتمل بهاء الأحيدوس إلا به أو سمّهِ : ” ملح على الطعام” كما قال أحد الشعراء الأمازيغ، ثم المايث : سحر الجبل؛ لغة الجبل؛ بهجة الجبل؛ أو شيء ما عصي عن الفهم، حين يجول الصوت وصداه الوديان، والأنهار رغبة في عبور ما؛ إلى استقرار وسكون في وجد ما على نحو فريد.
بالعودة للعنوان نلفيه يتحدث عن إبداع ما بطريقة مغايرة تستمد أسسها من جوف أو كيان الأغنية الأطلسية لصاحبه نبيل باجا الذي لن نطيل في من يكون فأغانيه كفيلة بأن تعطي لنا لمحة عنه، فهو إذن : ابن الأطلس العميق وبالضبط من تونفيت، الوسط الذي يئن تحت وطأة التهميش. والذي يضج بقيم بالغة النقاء؛ حيث الإنسان محتفظ بروحه القديمة.
ثمة عنصر ما ينقص موسيقانا طبعًا.. أو ملمح ما فُقد في أحجية، حيث لا ينقصها غير صوت بهي يحس أولا وقبل كل شيء بأن للأغنية الأمازيغية في الأطلس سحر ما، ينبغي أن تقدمه للعالم. بالنظر مثلا إلى القبايل، وموسيقى الطوارق، نجد أن الموسيقى ههناك حققت وثبة جد متميزة جميلة من حيث لحنها، ومن حيث روحها التي تركض على نحو ما ليستميل ذوق العالم. فما الذي ينقنصنا نحن في الأطلس ؟
ببساطة نموذج يعيد ابتكار مسالك أخرى للأغنية الأطلسية بلون آخر، فقد كان البدء مع كل من أغاني : حادة وعكي وحمو وليازيد ومحمد رويشة، ما يوضح رغبته ــ نبيل ــ في نحت موسيقى أخرى بملمح من ذات التربة، أي تلك جعلت الأسماء التي سبق ذكرها تُعلن نفسها في المرحلة التي بزغت فيها. حيث كانت تحمل نغما شبابيًا آنذاك ولعل نموذج محمد مغني والأسماء التي سبق ذكرها، خير عنوان طبع جيل الكاسيط. ” ولم ينصف بصيغة من الصيغ، في الآمس واليوم، على نحو يميط ذكراهم ” ومن هنا وبالذات أشيد بدوره وبجدوى بعث هذه الذاكرة بشكل من الأشكال ولعل البدء كما أشرت؛ كان جميلاً جدًا استمال عددا كثيرًا من الناس عبر إعادة ترسيخ ملمح إبداعي في أعمال رواد الموسيقى الأمازيغية في الأطلس :
Mouhmed Rouicha : Inass Inass | Tbarram Saat.
Hammou Oulyazid : Teddid Ayma tsaferd | Awid Amman
Hadda Ouaki & Bennaser Okhouya : A3awm Ay Guigh. | Imatawen.
ثمة هناك محاولات أخرى لشباب بغية تضميد جراح الأغنية الأمازيغية في الأطلس، إلا أن هناك من يشين بها بسلوكات أقل ما يمكن القول عنها أنها كسولة جدًا، تنطوي على نفسها ولا تقدم شيئًا غير إعادة تكرار الخطأ. خالية من مقومات الإبداع وصيغ المقاومة. وتسيد ثقافة ــ النشاط ــ بمعناه الماجن والسوقي، والمفتقر إلى الموجه الذي حرك فطاحل الأغنية الأمازيغية، وإن كان هذا الكلام جارحًا إلا أنه واقع يفرض نفسه.
بشكل عام، وإن كان انطباعًا خاصًا قد يتشارك معي فيه الكثير : موسيقى نبيل باجا نبض آخر، وبشكل آخر لم نعهد له وجود، يضمد الجراح، ويعيد بناء أفق منيرة للغة تقاوم. فهو إذن صوت جميل حد التمازج بجمال اللغة والموروث الأمازيغي، فهو يحتاج لمن يؤازر ويساند روحًا جديدة تكافح الصنم، والمحاولات الكسولة التي يهم بها البعض.
عبدالرحيم العمراني