نص سردي من زمن الطفولة(4)

الحسين بوالزيت صحفي وباحث في التاريخ

كان القرصان سيبستيان- قرصان متقاعد الأن- رجلًا قويًا وقرصاناً ذو سمعة كبيرة في البحر، وكان معروفًا بذكائه في قيادة السفن، وشجاعته في المعارك. واثقان وأعمال اللصوصية في المحيطات وبحار الشمال الباردة قبل ان يقرر الانتقال الى المحيط الدافئ جنوب أعمدة هرقل. في يوم من الأيام، وصل إلى مرسى واد ماست، ماسة، بالصدفة بعد ان جرته أمواج المحيط بقوة، وحين ارتطم بدن سفينته بحجر النبي يونس، نزل من سفينته، وزحف على رمال المحيط، كان مذعورا في البداية، ولكن سرعان ما استجمع قواه ونهض، وبدأ يسترجع شريط أحداث رحلته الطويلة من البرتغال، ليجد نفسه في موقف غير عادي. كانت، مدينة فارغة، رغم كونها نقطة استراتيجية تجارية هامة، ولكن مزقتها الصراعات الداخلية وضربات الاعراب. فغرقت في وحل الفوضى، صراعات لا تنتهي الا لتبدأ من جديد. ضربات وهجمات مستمرة من وفود الأعراب التي لا تكف عن مهاجمة قرى المدينة وكانت تهاجم المدينة بين ليل نهار. الأوضاع في ماسة كانت متأزمة، الساكنة المحلية ضاقت من الفتن والأهوال الكل كان يعاني من الخوف المستمر ومن هجمات متكررة ولا تنتهي.

في ذلك الوقت، كانت وجهاء ماسة يدرسون خيارًا أخيرًا لضمان سلامتهم، وهو اللجوء إلى البرتغاليين للحصول على حماية. علم سيبستيان بهذه المفاوضات، عن طريق مراسل له في مرسى أسفى، وعلم أن أوتعفوفت قد دخل في حماية البرتغاليين، ذكاء القرصان لا يمكن ان يفات هذه الفرصة، وقام بتنصيب نفسه ممثلا للملك البرتغالي ومبعوثا شخصيا اليه الى اهل ماسة، وتوجه إلى دوار آيت سوق، حيث كان سكان ماسة يلتقون مع ممثلي الدول الأوروبية من قناصل وتجار كبار. كان سيبستيان يشتهر بقدرته على المفاوضات والتكتيك، فقرر أن يكون جزءًا من هذه الاتفاقات.

دخل سيبستيان إلى مجلس الوجهاء، إيمغارن ن تقبيلت، وهو يحمل هالة من الهيبة والغموض. شعر الجميع بشره المستتير، إذ كان بطلًا في عيون البعض، وقوة غاشمة في عيون البعض الآخر. كان الملك البرتغالي قد أرسل وفدا للتفاوض مع وجهاء ماسة، ولكن القرصان سبستيان أرسل إليهم من يفتك بهم في سيف البحر قبل ان يلجوا مدخل وادي ماسة في سيدي رباط. وأعلن نفسه حامي مصالح العرش البرتغالي وحافظ مصالحه في ماسة، ومنفذ مشروع التوسع البرتغالي في دار الحرب في الجنوب المغربي.

أثناء الاجتماع، كان سيبستيان يراقب وجهاء ماسة بعناية، فهؤلاء الرجال كانوا يبحثون عن حليف قوي لحمايتهم من الأعراب، بينما كان هو يسعى لتوسيع وجود البرتغاليين في المنطقة. بدأ سيبستيان حديثه بحديث عن القوة البرتغالية في البحر وكيف أن البرتغاليين كانوا قادرين على تأمين سواحل المغرب في وجه أي تهديد. إرتاب وجهاء/ ايمغارن ن ماست من تصرفات القرصان البرتغالي، وتوجسوا من طموحه الجامح، خصوصا وأنهم أهل خبرة وكياسة، وذكاء ثاقب.

تم توقيع معاهدة بين وجهاء ماسة وممثل الملك البرتغالي المزعوم، نصت على توفير الحماية العسكرية للسكان المحليين من الهجمات الخارجية، مقابل تسهيلات تجارية للبرتغاليين. كانت المعاهدة بمثابة خطوة استراتيجية من قبل البرتغاليين لتعزيز سيطرتهم على السواحل الجنوبية للمغرب. لكن سيبستيان، الذي كان يراقب بذكاء، أدرك أن هذه الحماية ستكون لها ثمن باهظ،وهو ما كان سيترتب عليه استغلال اقتصادي للسكان المحليين.

بعد توقيع المعاهدة، أصبح سيبستيان هو الحاكم الفعلي للبرج البرتغالي في ماسة. كانت مهمته ليست فقط حماية المدينة من الأعراب، بل أيضًا مراقبة العلاقات التجارية بين البرتغاليين وسكان ماسة. كان سيبستيان يشعر أن هذا الدور سيكون أكثر تعقيدًا مما توقع، خاصة مع تزايد الخلافات بين البرتغاليين والسكان المحليين حول توزيع الموارد.

على الرغم من الحماية العسكرية التي قدمها البرتغاليون، بدأت ماسة تعيش تحت ضغط اقتصادي متزايد. كان أهل ماسة مضطرين لتقديم جزء كبير من محاصيلهم وتجارة مواردهم للبرتغاليين، مما أثار استياء البعض منهم. وبينما كانوا يعيشون في أمان من الهجمات، كانوا يشعرون أنهم أصبحوا أسرى للتبعية الاقتصادية.

مع مرور الوقت، بدأت التوترات تنمو بين سيبستيان وأهل ماسة. كان بعضهم ينظرون إلى البرتغاليين كمحتلين أكثر من كونهم حماة، وكانوا يخططون في الخفاء للثورة ضدهم. في أحد الأيام، اكتشف سيبستيان أن أحد كبار وجهاء ماسة كان ينسق مع الأعراب لشن هجوم على البرج البرتغالي.

وبعد معركة قصيرة، اكتشف سيبستيان أن الخيانة كانت جزءًا من خطة واسعة النطاق للانتفاض ضد الهيمنة البرتغالية. استخدم سيبستيان قوته العسكرية لسحق الخيانة، لكنه أدرك أن الضغوط على السكان المحليين ستظل تهدد استقرار وجودهم في المنطقة.

أصبح القرصان سيبستيان يدرك أنه رغم القوة التي يمتلكها، فإن السيطرة البرتغالية على ماسة كانت مهددة دومًا. كانت الرياح قد بدأت تتغير، ومعها بدأت تظهر مقاومة شعبية أقوى ضد الاستعمار البرتغالي. وفي وقت لاحق، بدأت المقاومة تتسارع في السواحل المغربية، مما ساعد على تراجع النفوذ البرتغالي في المنطقة في القرون التالية.

إلا أن سيبستيان، رغم صعوبة المهمة، أصبح جزءًا من يناور. وبدأ في استعمال سياسة الكيل بمكيالين مع أهل ماسة وزعماء الحرب الذين يمثلون الوفود الاعرابية التي تتحرك في كل ربوع سوس وتنشر الفوضى، وتقوم بأعمال النهب والسلب والسرقة، فرغم أن الطرفان تربطهم معاهدة حماية، ولكن سبستيان لا يتردد في السماح للأعراب بمهاجمة قوافل أهل ماسة في البر، كما لا يتوان عن نقض اتفاقاته مع التجار المحليين في عرض البحر. ولكن رغم ذلك يفرض نفس باعتباره رمزا للهيمنة والقوة البرتغالية في جنوب المغرب. لكن قصته، لن تختلف عن بقية قصص اللصوص، التي كانت تتخللها خيوط من الشر، المناورة والتحدي، والبحث المستمر عن الأرباح والمغامرات.
(يتبع)
تنويه: هذا النص مزيج من الخيال والوقائع التاريخية.
الصورة من شبكة الانثرنيت، لقصر اللبرج البرتغالي الذي بني في نفس الفترة التي بني فيها البرج ن أورومي في دتر أيت السوق بماسة. ونظرا للخراب التام الذي اصاب البرج الماسي، يمكن تكوين فكرة عامة حوله بإستعمال هذه صورة نظيره في مدينة أسفى فعناصر التشابه بين البرجين لا محالة انها موجودة.

اقرأ أيضا

سعيد بنيس: هناك علاقة وثيقة بين العمل الصحفي والعلوم الاجتماعية

يرى الأستاذ سعيد بنيس أن هناك علاقة وثيقة بين العمل الصحفي والعلوم الاجتماعية بشكل عام، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *