نشر منبر هيسپريس مقالا ينقل فيه تفسيرا ل”مصدر أمني” لتغييب الأمازيغية في مشروع البطاقة الوطنية (الذي حدده مشروع قانون 20.04) مفاده “أن تضمين هويات المغاربة بحرف تيفيناغ في البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية هي مسألة تقنية بالأساس، ولا علاقة لها بأية اعتبارات أو تفسيرات أخرى”.
و أضاف نفس “المصدر الأمني” استعمال الأمازيغية في البطاقة الوطنية يتطلب “أولا توفير الوثائق والسجلات المرجعية التي تحدد الهوية الشخصية باللغة الأمازيغية ليتسنى إدراجها في بطاقة التعريف الوطنية، إذ لا يمكن عمليا، في الوقت الراهن، إصدار البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية باللغة الأمازيغية؛ بيد أن الوثائق التي تستند عليها لا تتضمن المعطيات التعريفية بحرف تيفيناغ، لا سيما رسوم الولادة وسجل الحالة المدنية”.
يُفهم من تصريح هذا “المصدر الأمني” أن تغييب الأمازيغية من البطاقة الوطنية ليس تمييزا ضد الأمازيغية بل هو مجرد مسألة تقنية يحتاج حلها إلى توفر المعطيات الشخصية المضمنة في سجل الحالة المدنية ورسوم الولادة وشهادة الازدياد.
لي على هذا “التفسير” أربع ملاحظات وهي:
أولاـ لماذا خرج هذا التصريح من مصدر أمني مجهول بينما كل ردود المديرية العامة للأمن الوطني والداخلية كانت ولا تزال تصدر على شكل بلاغات رسمية تتحمل فيها الجهة المصرحة مسؤولية الرد وتفصل فيه التبرير القانوني لأدائها؟ ألا تستحق مسألة إدراج الأمازيغية إصدار بلاغ رسمي يطمئن المواطنين بأن الأمر يتعلق ببطاقات مؤقتة سيتم التعامل بها لمدة محدودة ريثما تتم عملية استجماع البيانات الشخصية بالأمازيغية؟ اللهم إذا كانت الأمازيغية مسألة هامشية وثانوية لا ترتبط بالاختيارات الاستراتيجية للدولة.
ثانياـ إذا لم يتم بعد توثيق البيانات الشخصية بالأمازيغية، فمتى سيتم ذلك تحديدا؟ فالقانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية يجعل من إدراج الأمازيغية في البطاقة الوطنية مظهرا من مظاهر الطابع الرسمي ذات الأولية، مما يعني أن أي تأخير أو مماطلة هو تعطيل للقانون وتسويف لتطبيق مقتضياته.
ثالثاـ وظيفة استعمال لغة في البطاقة الوطنية ليس بالضرورة هي عكس البيانات الشخصية في الوثائق المرجعية، لأن لهذه البطاقة وظيفة أخرى أهم وهي التعبير الرمزي عن المواطنة، وإلا لماذا تستعمل البطاقة رموزا ونقوشات تعبر عن الهوية الثقافية للبلد. فلو كانت البطاقة الوطنية مجرد حاملة معلومات، لكانت أشبه بأية وثيقة إدارية أخرى. لقد كان بالامكان إدراج الأمازيغية لاستيفاء الشق الاعتباري من وظيفة البطاقة الوطنية ريثما تتم ترجمة البيانات الشخصية إلى الأمازيغية التي هي “أيضا” لغة رسمية للدولة المغربية.
رابعاـ هناك دول كثيرة لا تعتبر فيه البطاقة الوطنية ضرورية أصلا. فهناك 9 دول في العالم لا وجود فيها أصلا لشيء اسمه “البطاقة الوطنية” من بينها أستراليا والدانمارك وإيرلاندا ونيوزيلاندا والنرويج وابريطانيا. كما أن هناك 15 دولة توجد فيها البطاقة الوطنية ولكنها غير إلزامية منها كندا، وفينلاندا وفرنسا وإيسلاندا واليابان. مما يعني أن الوظيفة الادارية للبطاقة الوطنية ليست بالأهمية التي نتخيلها، فلماذا نضيف إلى إلزامية البطاقة الوطنية في المغرب إلزامية كتابتها بلغة رسمية بالاضافة إلى لغة أجنبية هي الفرنسية؟ ألا يكفي أن تقوم العربية بالوظيفة الادارية، والأمازيغية بالوظيفة الرمزية ريثما تترجم البيانات الشخصية في سجل الحالة المدنية إلى الأمازيغية؟
نستنتج من كل هذا أن ادعاء “المصدر الأمني” بأن تغييب الأمازيغية من البطاقة الوطنية ليس إلا مسألة تقنية ادعاء باطل. وإذا مُرر مشروع القانون 20.04 وتم تطبيقه، فإن ذلك سيكون، وللأسف، دليلا واضحا على التمييز السلبي ضد الأمازيغية، والاستهانة بحمايتها، والرغبة في الدفع نحو الفِتنوية وتمكين جيوب المقاومة من تصريف مواقف عنصرية.