بعزيمة وإصرار كبيرين يمضي الفنان الأمازيغي ابن منطقة الريف نوح ثاومات في تحقيق أحلامه، يداعب أوتار القيثارة بأنامله المبدعة فينتج أنغاما بعبق الأرض والتاريخ، ويتحف جمهوره الأمازيغي العريض،
في هذا الحوار يتحدث نوح ثاومات عن عشقه للقيثارة وعالم الموسيقى، ويتقاسم معنا بعضا من طموحاته وأحلامه، وكذا بعض الصعوبات التي واجهته منذ بداية مسيرته الفنية..، ويؤكد على أن الأغنية الأمازيغية يجب أن تجدد نفسها من خلال الإنفتاح على إيقاعات جديدة ومقامات متنوعة تساهم في إيصالها للعالمية، مشيرا إلى أن غياب ثقافة موسيقية لدى الكثيرين يجعل الموسيقى الأمازيغية صعبة الوصول والإنتشار الواسع بين الجماهير.
وأكد نوح على أن “الفنون الموسيقية الأمازيغية تعيش صعوبات على مستوى الإنتاج والترويج، ما يجعلها لا تصل إلى الجمهور الواسع، بسبب غياب الدعم من أجل إنتاج وإصدار ألبومات جديدة وتسويقها، سواء دعم الدولة أو دعم القطاع الخاص، وغياب فضاءات التأطير والتكوين الفني الخاص بالأغنية الأمازيغية”.
الموسيقى الأمازيغية تعيش صعوبات على مستوى الإنتاج والترويج.
الأغنية الأمازيغية يجب أن تجدد نفسها من خلال الإنفتاح على إيقاعات جديدة ومقامات متنوعة.
نرحب بكم على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي”، كيف تريد أن تقدم نفسك لقراء الجريدة؟
أنا جد سعيد بأن أكون ضيفكم الفني لهذا العدد من جريدة العالم الأمازيغي، ويشرفني أن أتواصل مع الجمهور والقارئ من هذا المنبر الإعلامي الحر والمناضل في سبيل الحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، نوح عثماني الملقب فنيا بنوح ثاومات، ملحن ومغني وكاتب كلمات وعازف على آلات متعددة، منذ الصغر وأنا مولع بالإستماع إلى الأغنية الأمازيغية التراثية، وجد شغوف بالبحث عن معاني الأشعار الأمازيغية المغناة، هذا ما ساعدني على الإرتباط بهويتي الأمازيغية والتطوير من إمكانياتي وقدراتي في مجال الكتابة والتلحين والغناء، نوح ثاومات من مدينة زايو بإقليم الناظور أو كما أحب أن أقولها مدينة ثايوث بمعني مدينة الضباب، المدينة التي ترعرعت فيها وبدأت فيها مشواري الدراسي الذي واصلته بجامعة محمد الأول بوجدة.
كيف بدأتم رحلتكم في غمار الموسيقى الأمازيغية؟
كما قلت سابقا، أنا أعيش في أسرة أمازيغية من طرف الأب والأم، وأعيش في مدينة تقع ضمن خارطة الريف الأمازيغي، وأعيش في وسط إجتماعي يهتم بالثقافة الأمازيغية وتراثها الفني ويعشق التشبث بالتراث في أعياده وأفراحه ومناسباته السنوية، وكان هذا بداية لزرع الفضول عندي لأكتشف الأغنية الأمازيغية وروادها القدامى والحديثين من مغنيين وشعراء وعازفين وملحنين من شمال إفريقيا والبحث في ثقافاتهم وفنونهم التراثية الأمازيغية، وقد عززت هذه البداية بدراسة الموسيقى بمعهد لالة مريم ومعهد صولو وأخذت أفكار وتجارب على يد مجموعة من الفنانين والأساتذة المعروفين في الساحة الفنية، حيث تعرفت على القواعد الموسيقية الأساسية وتاريخها وأنواعها وتطورها، وكان هذا هو المدخل الحقيقي لولوج عالم الفن والغناء وإصدار ألبوم غنائي حصري بعنوان «تاحنجيرت»، يحمل 6 أغاني متنوعة من حيث المواضيع والألحان، أتمنى أن تروق للمستمعين الكرام من أمازيغ شمال إفريقيا وجميع الشغوفين بالفن والثقافة الأمازيغية.
ما هي الصعوبات التي واجهتكم في بداياتكم الفنية، وكيف تغلبتم عليها؟
من طبيعة الحال الصعوبات موجودة دائما في العمل الفني، لكن عندما يرتبط الموضوع بالأغنية الأمازيغية فنجد هناك صعوبات كبيرة وكثيرة تبتدئ من غياب وسط يشجع ويدعم الفنان والمغني الأمازيغي لتصل إلى حدود غياب الفرص والإمكانيات المادية والمؤسساتية لتطوير الأغنية الأمازيغية ودعم الشباب الحاملين لمشعلها، وبالرغم من ذلك فنحن نقوم بمجهودات فردية لتجاوز هذه الصعوبات من إمكانياتنا المادية الشخصية، والتي برغم قلتها فإننا نحاول أن نوفر الشروط اللازمة للحضور في المهرجانات والملتقيات الفنية الوطنية رغم قلتها وصعوبة الولوج إليها، بالإضافة إلى إبداع أغاني جديدة تغني الريبرطوار الغنائي الأمازيغي وتتشبث بتراثه وتلهم المستمعين ليبقوا أوفياء لثراتهم وثقافتهم الأصلية.
ما هي التيمات والأنماط الغنائية التي تشتغلون عليها؟
صراحة أنا لا أتقيد بموضوعات معينة أو حتي بأسلوب غنائي أو موسيقي واحد، بل أحاول التنويع والخروج على النمطي والسائد، لأنني أحاول في أغاني أن أكون قريبا من الشباب واهتماماتهم الحاضرة بالإضافة إلى ربط جذور الماضي بالحاضر، لذلك تجدني أغني أغاني تراثية لكن بآلات وأداء عصري، أما المقامات فإنني أحاول التنويع فيها حسب طبيعة موضوع الأغنية وفكرتها والقضية التي تعالج، من طبيعة الحال فالأنماط الغنائية عند نوح ثاومات لا تخرج عن أربع أنماط وهي: الروك، فلامينغو، سيلتيك، ريغي، لكن بروح أمازيغية حرة.
ما هو تقييمكم لواقع الموسيقى الريفية والأمازيغية عموما؟
كجميع الفنون الموسيقية الأمازيغية فهي تعيش صعوبات على مستوى الإنتاج والترويج، ما يجعلها لا تصل إلى الجمهور الواسع، وذلك بسبب غياب الدعم من أجل إنتاج وإصدار ألبومات جديدة وتسويقها، سواء دعم الدولة أو دعم القطاع الخاص، بالإضافة إلى غياب فضاءات التأطير والتكوين الفني الخاص بالأغنية الأمازيغية، فرغم وجود المواهب الشابة الصاعدة إلا أنها تعيد إنتاج نفس الأغاني القديمة دون تطوير تجربتها بألبومات جديدة تساهم في إغناء الخزانة الفنية الأمازيغية بالجديد الفني، كما أن غياب فضاءات التلاقي والاحتكاك بين الفنانين الأمازيغ هي جد قليلة بسبب تراجع الفنانين القدامى عن الظهور في الساحة الثقافية والفنية، بالإضافة إلى هجرة الكثير منهم نحو الديار الأوروبية أو تراجعهم عن ممارستهم للموسيقى أو توقفهم النهائي، وكل هذه الإشكالات والصعوبات تختلف حدتها وأثرها من بلد لآخر ومن منطقة جغرافية لأخرى حسب طبيعة الحركة الثقافية والفنية وقوتها في ذلك البلد أو في تلك المنطقة.
ما هي الشروط والأسس التي يجب أن تتوفر عليها أي فرقة موسيقية حتى تنجح، تتألق وتحقق الشهرة والإنتشار حسب رأيك؟
من طبيعة الحال لا بد من وجود حد أدنى للدعم والمساندة المادية والمعنوية حتى تتمكن هذه المجموعات من المواصلة والإنتاج، لأن الدعم اللوجستيكي والمادي والمعنوي يلعب دورا مهما في صقل التجربة الفنية وتطويرها حتى تصل للجمهور بشكل فيه كثير من الإبداع والإبتكار الذي ينهل من حضن الثقافة الأمازيغية الأم ويساير التحولات الجديدة في المجال الموسيقي والفني، بالإضافة إلى انفتاح القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية والمواقع الإخبارية على التجارب الفنية الجديدة ودعم حضورها في الإعلام حتى يتم تقريبها من الجمهور الذي يتعطش إلى سماع أشياء جديدة وقريبة من ثقافته واهتماماته، كما يجب على المنتجين الثقة في الأغنية الأمازيغية والإستثمار فيها حتى تجد موقعا لها ضمن سوق الإنتاج الفني.
برأيك أيهما يعتبر أكثر تأثيرا على الجمهور، الكلمات أم اللحن؟
دائما ما يكون اللحن والإيقاع هو أقوى مصدر للتقرب من المستمعين خاصة بالنسبة للأغنية العصرية، وهذا لا يلغي من طبيعة الحال دور الكلمات وقوتها في تبليغ المعاني والصور الجمالية والشعرية ورسالة الفنان وما يريد إيصاله للجمهور، وهذا ما تحدثت عنه سابقا، كون الأغنية الأمازيغية يجب أن تجدد نفسها من خلال الانفتاح على إيقاعات جديدة ومقامات متنوعة تساهم في إيصالها للعالمية، كما أن غياب ثقافة موسيقية لدى الكثيرين يجعل الموسيقى الأمازيغية صعبة الوصول والإنتشار الواسع بين الجماهير.
وما هي مشاريعكم المستقبلية؟
من طبيعة الحال الإشتغال على الجديد الموسيقي لنوح ثاومات مع فرقة ثاومات فيزيون THAWMAT FUSION يتواصل دائما، فبعد انتهائنا من تسجيل ألبوم «تحنجيرت»، نعمل الآن على إيجاد فرصة حقيقية للترويج له وتسويقه، كما أننا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مجموعة من الأغاني الجديدة كتابة وتلحينا، في انتظار توفر الإمكانيات من أجل تسجيلها والعمل على ترويجها عبر الإمكانيات القليلة التي نتوفر عليها.
ثلاث أسماء فنية أثرت في مسيرتكم الموسيقية؟
سؤال صعب جدا، فلا يمكنني أن أحصر إعجابي وتأثري بثلاث أسماء فنية موسيقية فقط، لكن على العموم فبداياتي كانت مع خالد إزري، بحيث شكل إزري مرحلة مهمة من مساري الفني ومخيلتي الموسيقية، إذ أعتبره سفيرا للأغنية الأمازيغية في العالم، لأنه عمل على تطوير أغانيه من خلال الإنفتاح على ثقافات موسيقية جديدة، بالإضافة إلى الوليد ميمون الذي أعتبره مرحلة عميقة من تجربتي الموسيقية، لأن الوليد ميمون ليس مغنيا عاديا، بل هو أيقونة غنائية أمازيغية تميزت ببساطتها وعمقها الفني، سواء على مستوى اختيار الموضوعات وكلماتها أو على مستوى اللحن وإيقاعاته، وهذا ما يجعله يبصم بقوة في مساري الفني، ولا يفوتني أن أستحضر مجموعة إثران، المجموعة الغنائية القوية بمنطقة شمال إفريقيا، التي عرفت إنتشارا واسعا في شمال إفريقيا وأوروبا بحكم تواجد عدد كبير من الأمازيغ فيها، فرقة إثران هي محطة مهمة في مساري الفني وفي مسار الأغنية الأمازيغية على العموم.
كلمة حرة؟
كل ما يمكنني قوله هو أنني جد سعيد بأن أتواصل مع الجمهور الكريم عبر منصتكم الإعلامية، كما أقدم شكري وامتناني لجريدة «العالم الأمازيغي» على هذا اللقاء الفني الممتع، متمنيا لطاقمها الصحفي التوفيق والنجاح في إيصال الكلمة الحرة والرأي الرصين وصوت الحق لكل القراء والأحرار في هذا العالم، كما أوجه رسالة لكل الفنانين الأمازيغيين الشباب، حب الموسيقى الأمازيغية هو ما يجمعنا ويوحدنا من أجل الوصول بها إلى العالمية، وهذا لا يمكن أن يتم دون إحياء الثرات الأمازيغي العتيق، لأنه لا يمكن الوصول بالأغنية الأمازيغية للعالمية دون الغوص في مصادرها المحلية.
حاوره: خيرالدين الجامعي