« La révolution silencieuse n’est pas une épiphanie, une rivière à franchir pour atteindre une rive enchantée, une vie parfaite. Elle est une lumière douce que l’on doit aller chercher régulièrement, que l’on devine là, à disposition, pas trop loin ». Axelle Tessandier.
كانت مدينة أكادير، يومي الجمعة والسبت الماضيين، على موعد مع جامعة شباب حزب التجمع الوطني للأحرار، تظاهرة لم تترك أحدا على الحياد، فخصوم الأحرار وقفوا موقف الهجوم والتبخيس، وأنصارالتجمع عبروا عن سعادتهم بالحدث، والإعلام تعاطى مع التظاهرة كحدث بارز سيؤثر في مجريات الدخول السياسي والاجتماعي بالمغرب، والمتتبعون لما يجري ويدور يحاولون فهم أسرار نجاح هذا الحزب في تنظيم جامعة شبابية، شارك فيها أزيد من 4000 شاب وشابة يتنمون إلى كل جهات المغرب، في زمن يسود فيه الحديث عن عزوف الشباب عن السياسة والعمل الحزبي، أما المهتمون بالشأن الحزبي فيسألون عن سر التحولات التي يشهدها هذا الحزب منذ ست شنوات.
فمن كان يظن ان التجمع الوطني للأحرار، الذي لا يَنْطِقُ الكثيرون اسمه إلا مقرونا بالحزب الإداري، سيستطيع بناء تنظيمات موازية في وقت قياسي، ويدبر شؤونه التنظيمية بمهنية واحترافية كما تُدَبَّرُ المقاولات الناجحة؟ ما هي التحولات الفكرية والتنظيمية التي ساهمت في الإنتقال بالحزب من حال إلى حال؟ من كان يعتقد قبل وصول رجل الأعمال عزيز اخنوش إلى قيادة التجمع، أن شبيبة الأحرار ستكون تنظيما شبابيا مؤثرا، وأن 3400 من أعضائها سَيُنْتَخَبُون وضمنهم 24 برلماني وبرلمانية؟ من كان يراهن على أن هذا الحزب سيسير على مسار ثورة هادئة تتجلى مظاهرها في كل التحولات التي يشهدها التجمع؟ هل ستصمد هذه التحولات بعد مغادرة الزعيم عزيز أخنوش لمنصبه كقائد لسفينة الحزب؟.
كل هذه الأسئلة وغيرها، تفرض نفسها على الباحثين والمهتمين بالشأن الوطني عموما والسياسي والحزبي خصوصا، فالأمر يتعلق بحزب أطاح بالإِسْلاَمِيِّين وكسرشوكتهم، حزب يقود الحكومة المغربية في ظل أزمة عالمية مُرَكَّبَة تهدد أمن واستقرار العالم، حزب صمد رَئِيسُه أمام حملتين افتراضيتين (الأولى استهدفت مصالحه الاقتصادية والثانية منصبه كرئيس للحكومة)، حزب يتجدد في وقت انْفَرَطَ فيه تقريبا عَقْدُ حزب الإسلاميين وبقيت فيه أحوال باقي الأحزاب المنافسة دون تجديد ولا تغيير.
في اعتقادي المتواضع، هناك أبواب كثيرة يمكن النفَاذُ منها إلى عالم حزب التجمع الوطني للأحرار لفهم ما جرى ويجري داخله منذ ست سنوات، أبواب سأحاول التطرق إلى بعضها حسب ما يسمح به المقال، على أن أعود لتناولها بالتحليل وبشكل مستفيظ في القادم من الأيام. هذه الأبواب هي على التوالي : باب الوسطية الحزبية (le centrisme)، باب المقاولة الحزبية واستلهام تجارب الجيل الجديد من الأحزاب، وأخيرا باب كريزما الزعيم.
الوسطية الحزبية
أكد حزب التجمع الوطني للأحرار في مَنْشُورله يحمل عنوان “مَسَارُ الثِّقَّة”، أن مفهومي اليسار واليمين لم يعودا يمثلان مفتاحين ملائمين للقراءة السياسية، لذلك اختار الحزب الوسطية الحزبية حيث يستمد من الليبرالية أجود ما فيها، بما في ذلك المبادرة الفردية واحترام الحقوق والواجبات والتنافسية والتعددية، كما يستمد أفضل ما في النموذج الاشتراكي، من خلال مظاهر التناسق الاجتماعي والتكافؤ والإنسانية؛ فالحزب، على ما يبدو، يريد ان يأخذ من عقيدة اليمين أجود ما فيها ومن الخط اليساري أحسن ما فيه.
إن اختيار الأحرار للوسطية الحزبية، بعد أن كان محسوبا على اليمين، ساهم في خلق التوازن الداخلي الذي يحتاجه كل حزب يتعايش داخله رجال الأعمال والأعيان والأطر والشباب الطامح إلى الإصلاح والتغيير، كما ساهم هذا الاختيار في تعزيز هوية الحزب وتوضيح اتجاه بوصلته السياسية. فالتجمع وإن كان يرفض كبح الطاقات الفردية، فهو كما جاء في “مسار الثقة” لا يتبنى النزعة الفردانية لليمين التي تفرض على المجتمع قَدَرَ وجود خاسرين ما دام هناك رابحون.
استلهام تجربة الجيل الجديد من الأحزاب
لفهم ظاهرة الجيل الجديد من الأحزاب، لابد من الرجوع إلى الأسباب التي ساهمت في ظهورها بأوروبا وأمريكا الشمالية، والتي من بينها على الخصوص تراجع زخم وقوة الأحزاب التقليدية وعجزها عن أداء المهام التي ينتظرها المنخرطون والناخبون. ففشل الأحزاب التقليدية هو الذي عجل بظهور قيادات جديدة، سواء على يمين المشهد السياسي أو على يساره، أسست جيلا جديدا من الأحزاب سواء تعلق الأمر بالمقاولة الحزبية (parti-entreprise) أو نموذج الحزب المنصة (parti – plate – forme) أو حزب الحركة (parti-mouvement) كما هو الشأن مع حزب بوديموس بإسبانيا، أو حزب الشخص (parti-personnel) نموذج حزب “الجمهورية إلى الأمام / النهضة” لمؤسسه إيمانويل مَاكْرُونْ.
يتمثل القاسم المشترك بين هذه الأحزاب في الاعتماد على أساليب تدبيرية شبيهة بما هو معمول به في المقاولات، من خلال عقلنة التسيير على المستوى المركزي والجهوي والمحلي، وتوظيف الكفاءات والخبرات، لتتولى شؤون التنظيم والتواصل والتسويق، لتحقيق المهنية والاحترافية اللازمة بغية دعم العمل الميداني الذي تتولاه القيادات والمناضلون. فتجمع اللأحرار، ورغم أنه من الأحزاب التقليدية بالمغرب (أسس سنة 1978) إلا أنه استلهم نموذج المقاولة الحزبية، لإنجاح تغيير الأحرارفي ظل استمرارية التجمع.
كاريزما الزعيم
كان ترشح عزيز أخنوش لرئاسة التجمع الوطني للأحرار مؤشرا قويا على تغيير كبير سيشهده الحزب، فالرجل من أنجح رجال الأعمال بالمغرب، ولا مصلحة له في دخول تجربة قيادة حزب إن لم يكن حاملا لمشروع سياسي على المدى الطويل، مشروع محاط بكل ضمانات النجاح. ومند توليه رئاسة التجمع أَبَانَ عن قوة الحضور، حيث ساهم في قطع الطريق أمام ولاية ثانية لبنكيران ودَعَّمَ بقوة تعيين سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة سنة 2016، كما مكنته سلطة رئاسته لحزب التجمعيين في الشروع في تغيير الحزب من الداخل استعدادا للإستحقاقات الانتخابية ومعارك التدافع السياسي.
فالرجل، على مايبدو، استثمر كثيرا في التحولات التي يعرفها حزب الأحرار، ومن يعرف سيكولوجية رجال الأعمال من أبناء المنطقة التي ينحدر منها أخنوش (يراجع في هذا الشأن كتاب واتربوري “الهجرة إلى الشمال : سيرة تاجر أمازيغي) يدرك أن هؤلاء لا يرضون بأنصاف النجاح ما دامت لديهم الإمكانيات والوقت اللازمين للمضي قُدُما إلى الأمام. هذا النزوع نجده في تقديم منشور “مسار الثقة”، على لسان عزيز اخنوش، حيث جاء فيه : ” لقد خضت تجارب مهنية في سن مبكرة، وما من مدعاة للرضا والفخر، أكثر من نشوء فكرة ورؤيتها تكبر”.
على سبيل الختم
ارتبط تمثل الحزب السياسي في المنظور الاجتماعي المغربي بنموذج الحزب الجماهيري، وتراجع الناس عن هذه التمثلات بعد تجارب الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية على رأس ثلاث حكومات (1998، 2011 و2016)، وعلى ضوء هذا التراجع يمكن تفسير نتائج حزب الأحرار في الاستحقاقات الأخيرة؛ فالتَّجَمّع فهم مبكرا أن مستقبله يكمن في استلهام تجارب الجيل الجديد من الأحزاب، جيل عوض الإيديولوجيات بقيم النجاعة والفعالية، شغله الشاغل سؤالين: ماذا نريد؟ وما هو أنسب السبل للوصول إلى الهدف؟.