محمد فارسي *
بعد الربيع الديمقراطي الذي هزت رياحه جل البلدان المغاربية و ما تمخض عنها من تغييرات لا بأس بها، البعض منها أدت لإقتلاع أنظمة البؤس و السيادة المطلقة و البعض الأخر أحدث بقوة الضغط و شروط تلك المرحلة تغييرا على مستوى الدساتير، نجد في نفس المخاض بروز قوى سياسية واجتماعية إلى الظاهر، منها من استغلت الفرصة لتطوير أليتها التنظيمية و خطابها و مرجعيتها، وهناك من بقيت عالقة في مكانها ولم تستطع أن تخطو خطوة نوعية إلى الأمام.
لا ننكر أن لكل بلد إلا و أنها تخضع لشروطها و خصوصياتها التي تؤثر فيها و ترسم معالم أفقها، لكن الإستسلام للشروط و الخنوع لها يعتبر انهزاما ما دامت الشروط يمكن أن تصنع بالممارسة الفعلية و استحضار موازين القوى. في المغرب نستحضر حركة عشرين فبراير التي جمعت جميع الأطياف السياسية والإجتماعية التي تميزت من نوعين، النوع الأول غير المنظم الذي ناضل باستماتة و قدم شهداء و معتقلين، و النوع الثاني، الذي كان منظما فقط ينتظر الركوب على الموجة و وصل إلى قيادة الحكومة و أوصل البلاد إلى الأزمة التي نعيشها.
كما قلنا سلفا، أن رياح الربيع الديمقراطي اختلف أثره و وقعه من بلد لبلد أخر، لكن، ما يلاحظ أن الخطاب الأمازيغي لقي قبولا كبيرا من لدن جميع الشرائح المغاربية و أصبح يهدد مصالح كل من يوهم نفسه و غيره بالعروبة و الدولة العربية و الوطن العربي، و الأكثر حكمة فيه، أنه خطاب لم يقع في فخ القومية ليصبح في المستقبل تغرة يتسلل منها الحاقدون، بل تحرر من هذا القيد و أخذ يبحث عن الإنسان والقيم الديمقراطية التي يجب أن تكون، معبرا عن إرادته القوية في بناء الدولة المدنية.
واليوم بعد أن وصلنا في المغرب إلى احتقان اجتماعي انفجر و سينفجر في المستقبل مضاعفا، واستمرار آلية الإعتقال السياسي التي تستهدف كل الذوات الحرة كما استهدفت الحراك الإجتماعي الذي يعتبر حراكا أمازيغيا محضا، باستناده على أسس أسس الخطاب الأمازيغي، المتمثلة في الإنطلاق من الذات و الإستناد على تاريخها غير المرغوب به من طرف الجهات الرسمية. بالإظافة للجزائر التي نهضت بدون سابق و لا إنذار رافضة للعهدة الخامسة، و عبرت عن حس احتجاجي مسؤول وواعي نظرا للذوات الأمازيغية والمناطق الأمازيغية التي قادت هذا العرس التحرري نظرا لتاريخها الدموي و الإستبدادي مع النظام الجزائري.
في ليبيا أيضا نجد المناطق الأمازيغية التي حملت السلاح في وجه القذافي، اليوم يعاد السيناريو مع القوات الإرهابية بقيادة حفتر الإرهابي الذي يعرقل بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي أخذ مشعلها كل أمازيغ ليبيا بالإلتفاف تحت حزب ليبيا الأمة/ليبو. في الأخير نجد تونس الدرس الأمازيغي المنتظر، الدرس التنظيمي الذي يفتقده كل أمازيغ شمال إفريقيا، اليوم، نجدها تلتحق بالموكب، معبرة و مستعدة لخوض المعركة، معركة الديمقراطية و العدالة الإجتماعية و الكرامة.
حزب أكال الذي يعد أول حزب سياسي أمازيغي في تونس تحت قيادة أمينه العام فادي المنصري، و الذي تنمنى له التوفيق و النصر، يشكل قفزة نوعية للبحث حول آليات تنظيمية تجعل الشعب التونسي الأمازيغي يدافع عن حقوقه المدنية و الديمقراطية، بالإظافة إلى أنها ستعطي درسا لأمازيغيي شمال إفريقيا في أهمية التنظيم الذي بدونه يصبح الشعب الأمازيغي مجرد دمية لتصفية الحسابات و المزايدات السياسية. و لهذا فهنيئا للشعب التونسي الأمازيغي.
* أستاذ اللغة الأمازيغية