قالت “هيومن رايتس ووتش” إن على السلطات الجزائرية الإفراج فورا عن المدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدني، ورموز المعارضة، والصحفيين، وجميع المسجونين تعسفا بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في التعبير والتجمع.
وأوضحت أنه بعد ثلاث سنوات من بدء “الحراك” مسيراته الأسبوعية السلمية الضخمة للمطالبة بالإصلاح السياسي، تحتجز السلطات 280 ناشطا على الأقل، يرتبط الكثير منهم بالحراك، متهمون أو مدانون على أساس اتهامات غامضة. يواجه البعض تهما بالإرهاب بناء على تعريف فضفاض لدرجة التعسف. ارتفع هذا العدد خلال العام الماضي، في حين تحركت السلطات أيضا ضد الجمعيات والأحزاب السياسية التي تُعتبر موالية للحراك.
وقال إريك غولدستين، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “على السلطات الجزائرية الإفراج عن مئات المسجونين بسبب خطابهم السلمي أو نشاطهم المؤيد للحراك. كيْل تهم “الإرهاب” المريبة والاتهامات الغامضة، مثل “المس بالوحدة الوطنية”، لن يخفي حقيقة أن الأمر يتعلق بسحق الأصوات الناقدة في حركة إصلاحية سلمية”.
وقال إن ” القمع اشتدت بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا في ديسمبر 2019، رغم توقف المسيرات في مارس/2020 بسبب تفشي فيروس “كورونا”. عشية الذكرى الثانية للحراك، في فبراير 2021، استؤنفت الاحتجاجات، لكنها فقدت زخمها بعد ثلاثة أشهر بسبب القمع وضمور الحركة.”
وفقا لـ “اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين”، التي أنشأها نشطاء ومحامون في أغسطس/آب 2019 لمراقبة الاعتقالات والمحاكمات، يوجد حاليا 280 سجينا على الأقل بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم، يرتبط معظمهم بالحراك. قدّرت “الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان” أن عدد المحتجزين كان 330 حتى 5 فبراير 2022.
وقالت “هيئة الدفاع عن سجناء الرأي” (الهيئة)، وهي مجموعة محامين، إنه قبل ذكرى الحراك، بدأ 40 محتجزا على الأقل في سجن “الحراش” بالجزائر العاصمة إضرابا عن الطعام في 28 يناير، احتجاجا على ما اعتبروه احتجازا تعسفيا. معظم المضربين عن الطعام محبوسون احتياطيا وينتظرون المحاكمة منذ شهور.
وفقا للهيئة، نقلت السلطات أكثر من 20 مضربا عن الطعام من الحراش إلى سجن “سعيد عبيد” في البويرة شرق العاصمة، والبرواقية جنوب غرب العاصمة. قال المحامي وعضو الهيئة عبد الغني بادي لصحيفة “الوطن” اليومية: “نعتبر أن نقل هؤلاء السجناء إلى سجون أخرى يهدف من ناحية إلى معاقبتهم ومن ناحية أخرى إلى قمع هذه الحركة”.
قال محام لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد المضربين عن الطعام هو موكله حسن بوراس، وهو صحفي وعضو في رابطة حقوق الإنسان في مدينة البيض في غرب البلاد. قال المحامي إن موكله اعتُقل في 6 سبتمبر 2021، وإنه متهم بـ “المساس بالوحدة الوطنية”، و”إهانة هيئة نظامية”، و”نشر معلومات كاذبة”، بالإضاف إلى “الانتماء إلى منظمة إرهابية”، و”تمجيد الإرهاب”، و”التآمر ضد أمن الدولة”، من بين تهم أخرى متعلقة بمنشوراته على “فيسبوك”. يواجه بوراس، الذي سُجن سابقا لانتقاده الحكومة الجزائرية، قضايا عدة أمام المحاكم.
في يونيو 2021، عدّل الرئيس تبون “قانون العقوبات” بمرسوم رئاسي، موسِّعا التعريف الجزائري الفضفاض أصلا لـ “الإرهاب” في المادة 87 ليشمل “الوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بغير الطرق الدستورية… عن طريق أي عمل غرضه السعي بأي وسيلة، أو التحريض على ذلك، والمساس بأي وسيلة بالسلامة الترابية أو التحريض على ذلك”.
استخدمت السلطات هذه المادة لملاحقة عدد متزايد من النشطاء، والصحفيين، والحقوقيين
قال عبد المؤمن زغيلش لـ هيومن رايتس ووتش إن شقيقه، عبد الكريم زغيلش، وهو ناشط يدير “راديو سارباكان” في قسنطينة، اعتُقل مؤخرا، في 24 يناير، ووُجهت إليه تهمة “تمجيد الإرهاب”، و”استخدام تقنيات المعلومات لنشر أفكار إرهابية”، و”نشر معلومات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية”، بسبب منشوراته على فيسبوك وخطابه في وسائل الإعلام. سُجن عبد الكريم زغيلش سابقا بسبب آرائه أثناء الحراك.
كما تستهدف السلطات الأحزاب السياسية المعارضة المؤيدة للحراك. في 20 يناير/كانون الثاني، أمر “مجلس الدولة”، أعلى محكمة إدارية في الجزائر، بتعليق أنشطة “حزب العمال الاشتراكي” مؤقتا وإغلاق مقره في العاصمة. جاء هذا القرار عقب شكوى ضد الحزب قدمتها وزارة الداخلية في 26 أبريل2021، بزعم عدم عقد مؤتمره السنوي كما هو مطلوب في لائحته الداخلية والقانون رقم 12-04 الخاص بالأحزاب السياسية.
وقال الحزب “يتعلق [التجميد] بجعل حزبنا يدفع ثمن مواقفه السياسية وانخراطه في الحراك الشعبي، ونضاله ضد القمع إلى جانب الكفاحات الاجتماعية”. اعتُرف بالحزب قانونيا في 1989، عندما سمحت السلطات لأول مرة بنظام متعدد الأحزاب، لكنه كان موجودا قبل ذلك بشكل غير رسمي.
قال المسؤول في الحزب سمير العربي لـ هيومن رايتس ووتش إن أمر التعليق جاء رغم أن الحزب عقد مؤتمره في 24 أبريل/نيسان 2021، وسلّم المستندات المطلوبة إلى وزارة الداخلية.
في 20 يناير، رفض مجلس الدولة طلبا مماثلا من وزارة الداخلية بتعليق حزب معارض آخر، “الاتحاد من أجل التغيير والرقي”، بقيادة المحامية زبيدة عسول. مع ذلك، ما يزال الحزب ينتظر أن تحكم المحكمة في الالتماس الذي قدمته وزارة الداخلية لحله.
كما يخضع الحزبان العلمانيان المعارضان، “الحركة الديمقراطية الاجتماعية” و”التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، لمراقبة السلطات. قالت مسعودة شبالة لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 9 يناير 2021، حُكم على زوجها فتحي غراس (48 عاما)، منسق الحركة، بالسجن عامين وغرامة مالية قدرها 200 ألف دينار جزائري (1,420 دولار أمريكي)، بتهمة “إهانة هيئة نظامية”، و”تحريض على التجمهر”، و”عرض على الأنظار منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية”، بسبب تصريحاته السياسية على الإنترنت.
في 6 يناير، تلقى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية إشعارا من وزارة الداخلية يتهمه فيه بعدم الامتثال للقانون رقم 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية، وذلك بتنظيم “نشاطات خارجة عن الأهداف المسطرة له في قانونه الأساسي”. جاء الإشعار بعد اجتماع في 24 ديسمبر2021 في مقر الحزب بالعاصمة حضره نشطاء عدة للدعوة إلى تشكيل جبهة ضد القمع ولدعم الحريات.
أما بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني، فقد حلّت محكمة جمعية “تجمع – عمل – شبيبة” (راج) الموالية للحراك في 13 أكتوبر، عقب شكوى وزارة الداخلية بأن أنشطتها تتعارض مع الأهداف المنصوص عليها في القانون رقم 12-06 المتعلق بالجمعيات ولوائح الجمعية. راج منظمة بارزة تأسست عام 1992 لتعزيز الأنشطة الثقافية، وحقوق الإنسان، وقيم المواطنة.
بالإضافة إلى ذلك، أوقفت الجمعية الثقافية “إس أو إس باب الواد” في الجزائر العاصمة أنشطتها وأُغلقت مبانيها بعدما فتشت “المديرية العامة للأمن الوطني” مكتبها في أبريل/نيسان 2021 وصادرت موادها. حُكم على رئيس هذه الجمعية المحلية المعروفة، ناصر مغنين، في نوفمبر بالسَّجن عاما بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية” و”المساس بالمصلحة الوطنية” من بين تهم أخرى تتعلق بأنشطة الجمعية.
جميع هذه الأحزاب والمنظمات شاركت بفاعلية في الحراك. هي عضوة في تحالف PAD لقوى المعارضة، الذي نشأ في يونيو 2019 أثناء حركة الاحتجاجات.