(تونس، 22 يونيو/حزيران 2017) – قالت “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” اليوم إن الشرطة اعتقلت وضربت بقسوة أبرز قائد للاحتجاجات الاجتماعية في منطقة الريف بالمغرب، وفق ما صرح لمحاميه. تُحقق السلطات مع ناصر الزفزافي، زعيم الاحتجاجات، بشأن تهم خطيرة من بينها تهمة يعاقَب عليها بالإعدام، وأخرى تبدو ذات طبيعة سياسية.
الزفزافي (38 عاما) هو الأبرز ضمن مجموعة تتكون من 127 متظاهرا وناشطا اعتُقلوا خلال الحملة الأمنية التي استهدفت احتجاجات في معظمها سلمية وانطلقت أواخر مايو/أيار 2017 في شمال المغرب. طالب الزفزافي بفحص طبي لتوثيق الاعتداءات عندما مثل أمام النيابة العامة في 5 يونيو/حزيران. لكن عبد العزيز النويضي، أحد محاميه، قال إن طلبه لم يتحقق بعد، ما يثير مخاوف من عدم التزام المحكمة بواجب التحقيق في مزاعم اعتداءات الشرطة.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “على السلطات المغربية التحقيق في المزاعم ذات المصداقية التي تفيد بارتكاب الشرطة لأعمال عنف ضد الزفزافي، والامتناع عن توجيه أي تهم مرتبطة بحرية التعبير أو التظاهر السلمي. يبدو أن القضية، في هذه المرحلة، تسعى إلى إنزال أقصى عقوبة ممكنة بقائد الاحتجاجات، وليس إلى معاقبة سلوك جنائي”.
اعتقلت الشرطة الزفزافي يوم 29 مايو/أيار في قرية دوار لحرش على بعد حوالي 50 كم من الحسيمة، أكبر مدينة في منطقة الريف. جاء اعتقاله بعد 3 أيام من مقاطعته لخطبة صلاة الجمعة في مسجد بالحسيمة، دفاعا عن الحركة الاحتجاجية التي انتقدها الخطيب، وهو موظف لدى الدولة.
حوالي الساعة 6:30 صباحا يوم 29 مايو/أيار، حطم حوالي 12 عنصرا من “الفرقة الوطنية للشرطة القضائية” باب منزل كان يمكث فيه الزفزافي وناشطان آخران، فهيم غطاس ومحمد حاكي، بحسب ما روى الزفزافي للنويضي في سجن عكاشة بالدار البيضاء يوم 12 يونيو/حزيران. كما قال الزفزافي إن الشرطة كسرت الأثاث والنوافذ، وهاجمت الرجال الثلاثة رغم أنهم لم يُبدوا أي مقاومة. أضاف أن الضرب المبرح أنتج جُرحا طوله 1.5 سنتمتر على قائمة رأسه، وآخر تحت عينه اليسرى، وكدمات في ظهره.
سبّ رجال الشرطة النشطاء الثلاثة بألفاظ مبتذلة، وألحوا على أن يرددوا “عاش الملك!”، ناعتين إياهم بـ “الانفصاليين”، بحسب أقوال الزفزافي. نقلتهم الشرطة إلى الحسيمة قبل أن تنقلهم جوّا، معصوبي الأعين ومقيدين، إلى الدار البيضاء. وهناك، قدمت الشرطة للزفزافي الرعاية الطبية، بما في ذلك غرزا على قائمة رأسه، وقدمت له ملابس نظيفة بدل ملابسه الملطخة بالدماء.
قال النويضي لـ هيومن رايتس ووتش إنه أجرى مقابلة منفصلة في 12 يونيو/حزيران مع غطاس الذي أدلى بأقوال مطابقة لرواية الزفزافي.
بقي الزفزافي رهن الاعتقال الاحتياطي من 29 مايو/أيار إلى 5 يونيو/حزيران، حيث مثل مع رفاقه أمام وكيل الملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء. يسمح “قانون المسطرة الجنائية” المغربي بتمديد الاعتقال الاحتياطي إلى مدة أقصاها 8 أيام في القضايا التي تخص أمن الدولة. قال النويضي الذي كان من بين المحامين الذين نابوا عن الماثلين خلال الجلسة إن الزفزافي روى للوكيل تفاصيل تصرفات رجال الشرطة خلال اعتقاله وطالب بفحص طبي.
يُجبر قانون المسطرة الجنائية المغربي النيابة العامة وقاضي التحقيق، إلا في حالات نادرة، على الأمر بفحص طبي لفائدة كل متهم طالب به، أو إذا لاحظ المدعي أو القاضي آثار عنف على الماثل.
مساء الجلسة، أحال وكيل الملك المتهمين إلى قاضي التحقيق. وحسب تقرير النيابة العامة المؤرخ في 14 يونيو/حزيران والمنشور على الموقع الإخباري “بديل”، فإن التهم التي طلب المدعي العام من قاضي التحقيق النظر فيها تشمل واحدة يعاقب عليها بالإعدام: “المشاركة في ارتكاب جناية المس بسلامة الدولة الداخلية بارتكاب اعتداء الغرض منه إحداث التخريب والتقتيل والنهب في أكثر من منطقة”.
كما أوصى وكيل الملك بتوجيه تهم “المشاركة في ارتكاب العنف في حق رجال القوة العامة نتج إراقة دم”؛ “المس بالسلامة الداخلية للدولة عن طريق تسلم مبالغ مالية… مخصصة لتمويل نشاط ودعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربية وسيادتها وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي”؛ “تنظيم مظاهرة غير مصرح بها … والمشاركة في تجمهر مسلح”؛ “إهانة هيئات منظمة وإهانة رجال القوة العامة”؛ و”التحريض علنا ضد الوحدة الترابية للمملكة”.
التهم المتعلقة بأعمال العنف تبدو جنائية بطبيعتها، لكن الكثير من التهم الأخرى تنتهك الحقوق الأساسية (مثل “إهانة هيئات منظمة”) أو هي فضفاضة وغامضة لدرجة تسهّل استخدامها من قبل السلطات لمعاقبة المعارضين بسبب التعبير أو الاحتجاج السلمي. يضمن “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادق عليه المغرب سنة 1979، ودستور المغرب لعام 2011 الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي.
أحال قاضي التحقيق الزفزافي إلى الاعتقال الاحتياطي. لم تتوفر لحد الأن الأدلة المستخدمة ضده، كما لم تجب الحكومة على طلبات هيومن رايتس ووتش لمعلومات حول الملف.
تهز الاحتجاجات منطقة الريف منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016 بعدما سحقت شاحنة نفايات بائع السمك محسن فكري الذي صعد إليها لاسترجاع شحنة من سمك أبو سيف حجزتها منه السلطات بدعوى أنها اصطيدت بشكل غير قانوني. الزفزافي، ابن الحسيمة العاطل عن العمل، اشتهر اسمه في أرجاء الريف نتيجة خطاباته النارية حول العدالة الاجتماعية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع مرور الأسابيع، أصبح القائد الأبرز للتظاهرات الشعبية للتنديد بما يُعتبر تهميشا لمنطقة الريف، وللمطالبة بمزيد من فرص العمل وخدمات اجتماعية أفضل في المنطقة.
رغم أن المظاهرات كانت في معظمها سلمية، إلا أنها شهدت أحداثا أقدم فيها أشخاص – قالت الشرطة إنهم متظاهرون – على رجم وإحراق سيارات ومساكن للشرطة. بدأت الشرطة في اعتقال الناشطين يوم 26 مايو/أيار. ومنذ ذلك الحين، حصلت ملاحقات قضائية ضدّ 83 منهم على الأقل في الحسيمة، حُكم على 32 منهم بالسجن من شهرين إلى 18 شهرا. ونُقلت مجموعة أخرى من 45 شخصا على الأقل، من بينهم الزفزافي، إلى الدار البيضاء حيث ينتظرون المحاكمة، بحسب قول إدريس وعلي، وهو أيضا من محاميي المجموعة. أُطلق سراح بعضهم في انتظار محاكمتهم بينما يبقى الآخرون رهن الاعتقال.
قال محامو الدفاع إن الزفزافي سيمثل أمام قاضي التحقيق يوم 10 يوليوز.
محامي الدفاع النويضي هو أيضا عضو في المجلس الاستشاري لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.
قالت هبة مرايف، مديرة الأبحاث بقسم شمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إضافة إلى الزفزافي وغطاس، اشتكى عدد من متظاهري وناشطي الريف من اعتداءات قوات الشرطة بعد الاعتقال. لمحاربة الإفلات من العقاب وضمان محاكمة عادلة، على المحاكم في الدار البيضاء والحسيمة العمل على إخضاع المتهمين لفحوص طبية سريعة والمحافظة على كل الأدلة الملموسة ذات الصلة”.