وعي الشعب التركي يفشل انقلاب الجيش التركي في ليلة الكرامة

بقلم: أنغير بوبكر
بقلم: أنغير بوبكر

عاش الشعب التركي ليلة استثنائية يوم  الجمعة 15 يوليوز 2016، حيث نجح الشعب التركي في صور ملحمية بطولية، إفشال انقلاب عسكري استهدف تقويض النظام الديموقراطي التركي الذي ضحى من أجل الوصول إليه الشعب التركي عقودا من الزمن المضني والشاق. شعوب العالم الحر في رد فعل تلقائي على الانقلاب أعلنت عبر  وسائل التواصل الاجتماعي عن رفضها الانقلاب على السلطة الديمقراطية وتمسكها بالشرعية الشعبية، لاحظنا باعتزاز شديد كيف عبر الشعب المغربي عن رفضه القاطع للانقلاب بعفوية وتلقائية، هذا يبين أن الشعوب بدأت تتشبع بالقيم الديمقراطية التي تسمح بالتداول السلمي للسلطة وباتت شعوبا العالم تتلقح تدريجيا ضد فيروس الانقلابات العسكرية المدمرة للأوطان، المفتتة للبلدان. الشعب التركي استطاع أن يحمي الديمقراطية الوليدة لديه وأن يستفيد من أخطاء ونكسات الاستبداد الشرقي حيث الدمار والدماء هي سيدة الموقف في الانقلابات العسكرية الانقلابات البعثية في سوريا والعراق شاهدة على الانحطاط الحضاري الذي وصل إليه العراق والشام. المثال المصري شاهد على أن الانقلاب على الديمقراطية الشعبية لا يزيد البلاد إلا تقسيما وارتباكا ويرفع منسوب الفتن والضغائن بين مكونات الشعب الواحد، نظام السيسي بمصر صادر الإرادة الشعبية ورهن المصير المصري لعقود أخرى وسيفشل حتما في اكتساب شرعية  ولو استقوى بالسلاح داخليا وبالدعم الخارجي، نفس الشيء يقال عن نظام الطاغية بشار الأسد الذي هجر وقتل الشعب السوري وعاث في الأرض فسادا وبات بدون شرعية لا شعبية داخليا ولا دولية. الشعب التركي الذي أعطى العالم صورة الشعب الواعي المؤمن بالقيم الديمقراطية ووقف أمام زحف الدبابات والآليات الثقيلة، يعلم علم اليقين أن أي انقلاب على الديمقراطية في تركيا سيعني بكل تأكيد الرجوع إلى دائرة الاستبداد الشرقي وتراجع تركيا عن موقعها الاقتصادي والسياسي الهامين بالعالم، حيث أن تركيا من بين أقوى 20 اقتصادا في العالم اليوم، وتسجل أعلى مستويات النمو الاقتصادي عالميا ولها موقع سياسي كبير خصوصا تأثيرها المتزايد في العلاقات الدولية وعلاقاتها المتشعبة والممتدة يمينا ويسارا، فتركيا رممت علاقتها بروسيا وإسرائيل مؤخرا وتقيم علاقات إستراتيجية مع أمريكا وحلفائها الخليجيين في نفس الوقت، لها علاقات مستقرة ومتوازنة مع إيران، فقليل هي دول العالم التي تجمع العلاقات الدولية المتناقضة كما استطاع أردوغان ذلك، تركيا أصبحت لاعبا رئيسيا في القضية السورية ودعمت بقوة المعارضة السورية واحتضنت معارضة اسطنبول، وأدت الثمن غاليا في استهدافها بعمليات إرهابية، بتخطيط مباشر من الجماعات الإرهابية التابعة لبشار الأسد، واستقبلت تركيا ملايين المهجرين قسرا من أراضيهم في سوريا وجنست العديد منهم، تركيا كذلك كانت ولا تزال ضد الانقلاب العسكري السيساوي بمصر واعتبرت أن الانقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي لا يخدم الديمقراطية الشرق أوسطية ويهدد السلم الإقليمي، هذه المواقف الرصينة للنظام التركي جعلت منه النموذج السياسي المحتذى به في المنطقة الإسلامية التي تعج بالاستبداد والإرهاب وخلط الدين بالسياسة وتبرير القتل باسم الطائفة أو العرق أو الدين وهذا لا يعني أن النظام التركي الحالي نجح في كل شيء، بل هناك قضايا ما تزال عالقة وتنظر حلا ديمقراطيا مثل القضية الكردية وقضية الاعتراف بالمجازر التركية ضد الأرمن.

استطاع النظام الاقتصادي التركي أن يحارب الفقر المدقع ولم يعد الشعب التركي يتسول رغيف الخبز كما الماضي، واستطاعت تركيا تجاوز الأوضاع الصعبة التي تعيشه شعوبنا بسبب السياسات والخطط الاقتصادية التي طبقت على مدار عقود من الزمن، وجسدتها سياسات الليبرالية المتوحشة التي تقدس اقتصاد السوق الحر المنفلت من أي ضوابط أخلاقية أو اجتماعية وتجعل ربح الأقلية مكسبا على حساب آلام الجماهير الواسعة الكادحة، وعمل النظام الاقتصادي التركي على معالجة الأسباب المتكررة للغضب الشعبي من فقر وبطالة وقمع وكبت وظلم وجعل النظام السياسي الديمقراطي التعددي متنفسا كبيرا، وهذا ما يبرر  استجابة الشعب التركي لنداء أردوغان للنزول للساحات وطرد الانقلابيين منها، هذا هو الدرس التركي التي استفدناه من هذا الانقلاب الفاشل، كلما تقوت الديمقراطية الداخلية، كلما تمسك الشعب بنظامه السياسي. الاختلاف مع سياسات الإخوان المسلمين في مصر وسياسات حزب العدالة والتنمية في تركيا وغير تركيا لا يبرر بتاتا الانقلاب على التجارب الديمقراطية المنتخبة، انتخابا ديمقراطيا، فالإيمان بالديمقراطية يجب أن يكون مبدأ يحترم ويرسخ في الأدبيات وفي الممارسات، فلا ينبغي التضحية بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة بمبرر فشل الممارسة الديمقراطية، بل الصحيح هو المزيد من الممارسة والتمرين الديمقراطي إلى حين أن تصبح الممارسة الديمقراطية  قناعة راسخة في العلاقات السياسية بين الفرقاء السياسيين. وأظن بان النظام الديمقراطي التركي استطاع أن يصبح قناعة شعبية راسخة تلهم جميع الشعوب الأخرى التي ما تزال تمني النفس باللحاق بالنموذج التركي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

إن شعوبنا المقهورة والمهضومة الحقوق ما تزال في مواجهة مستمرة  مع تركة ثقيلة من الاستحواذ على السلطة والثروة من خلال مندرجات القمع والإذلال والفساد، وتشير إليها معدلات الفقر والأمية المرتفعة، وتدني المستوى المعيشي للغالبية، وترهل وضع الطبقة المتوسطة  والفساد  الاقتصادي والإداري المستشري في مختلف  مفاصل الدولة، وتزوير الإرادة الشعبية بأساليب مختلفة  وسطوة الأجهزة الإستخباراتية الأمنية على الحياة العامة والخاصة وتهميش أصحاب الكفاءات والخبرات لصالح أسر الحكام والمقربين من أبناء الأنظمة وحوارييهم. لذلك فهذه الشعوب المقهورة تعتبر النموذج التركي نموذجها القريب والممكن التحقق، إذا ما استطاعت شعوبنا أن تستفيق من غفوتها المديدة. وهذا ما يفسر رفضها القاطع لأي مساس بالنموذج الديمقراطي العلماني التركي عبر الانقلاب العسكري.

باحث في العلاقات الدولية

المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *