مواصلة للعقليات التي ميزّت السُودان القديم، والتي أورثتنا كُل هذا الخراب والإنقسام والصراعات والحروب، وكنت قد إستعرضت منها عقليات 1/عقلية الأنا 2/ عقلية القطيع 2/العقلية العُنصرية..
وفي هذا الجزء نواصل ماتبقي منها:
4/العقلية الإقصائية
وهي العقلية التي لاتري إلا ذاتها، وتعمل علي إبعاد كُل من يُشكل لها مصدر للمُنافسة، وتجدها تميل للإنفراد بالرأي وبالتالي الإنفراد بالسُلطة أو التحكُم بها، وتحصر تعاملاتها مع أقلية تُحقق لها طموحاتها وتشبهها في السلوك أو نمط التفكير، لا تثق في الآخر المُختلق عنها وتعمل علي إبعاده وإقصاؤه للإنفراد بالسُلطة ومراكز القرار.
5/العقلية الهدّامة
وهي عقلية توجد بكثرة في تركيبة السُودان القديم، تعمل علي تكسير كُل ما عداها، لا تحتمل أن تأتي أفكار جيّدة أو أعمال مُفيدة أو قرارات صائبة من غيرها، تتميّز بالسلبية وتُعادي كُل ما هو إيجابي، غير مُتعاونة وتميّل للخبث ووضع العراقيل والتعطيّل وتُدمن “تكسيّر المقاديف”.
6/العقلية المُهيّمنة
وهي عقلية تعمل علي التحكُم والإمتلاك، وبالتالي فهي تُميز عقليات الدكتاتورين والمُستبديّن، وهي عقلية غير مُنفتحة علي الديمُقراطية ولا للتنازل عن رأيها للآخرين، تعمل أيضاً علي الإنفرار بالسُلطة وبالقرار.
7/العقلية المُنكفئة
وهي عقلية “مُنغلقة” وغير “مُنفتحة”، لا تتعاطي مع الآخرين خارج حدودها وهذه الحدود يمكن أن تكون في طريقة التفكير أو في المنطقة التي أتت منها أو القبيلة أو الإثنية التي خرجت منها أو الديانة واللغة التي تتحدثها، هي عقلية موجودة بكثرة في تركيبة السُودان القديم، وهي أيضاً قد تكون إقصائية وعُنصرية، ويتميز بها أصحاب الأيدولوجيا العمياء والمُتشددين والإنفصاليون.
8/ العقلية التقليّدية
وهي العقليّة التي ترفض أي جديد وحديث، وغير المُواكبة، وغير المُبدعة والخلاقة، ولا تؤمن بالإنتقال للحداثة والتقدم في كُل شئ، ولا تثق في الأجيّال الجديدة وقدرتها علي القيادة وبالتالي فهي معوقة للتغيير ومُثبطة له.
جميع هذه العقليّات التي تطرقت لها وإذا ما بحثنا عنها في كُل تاريخنا السياسِي ونُظم الحُكم المختلفة والمُتعاقبة ومُنذ إستقلال السُودان وحتي هذه اللحظة سنجدها قد تواجدت بكثرة وكانت لها السيادة المُطلقة، وقد تضررت منها بلادنا كثيراً وأخرته، لم تقود بلادنا إلا لهذا الواقع الحالي بكل بؤسه، فكل الحكومات والأنظمة العسكرية تميّزت بها، وحتي الأنظمة الديمُقراطية علي قلة مراحل حكمها وجدت بها، توجد داخل القوي السياسية والأحزاب والحركات وحتي الشخصيّات المُستقلة، فهي نمط من أنماط التفكير والسلوك السياسِي مع سمات للشخصيّات التي تحملها..
لن ينصلح حال بلادنا بغير مُحاربة تلك العقليّات وإبعادها عن التخطيّط، وعن التحكم في القرار السيّاسي وأجهزة السُلطة
ففي السُودان الجديد الذي نعمل له وندعوا له، من الضروري أن تتغير فيه هذه العقليات والتي ستقود بلادنا، نحتاج لعقليّات جديدة، مُنفتحة غير مُنغلقة، إيجابية ومتعاونة وغير عنصرية وغير مُستبدة ولا مُنكفئة وذات إستقلالية، تنظر للبعيد وتُحيط بكل ما يُمكن أن يُقدم بلادنا، عقليات تؤمن بالديمُقراطية وتُمارسها وبالحداثة وتمكينها، وتقبل بالآخر المُختلف وتتحاور معه، وهي بالتالي عقليات غير جامدة، وغير مُنحازة إلا لمصالح بلادنا العُليا ومصالح جميع شعوبنا، تؤمن بالمساواة والعدالة والحريات، وضد الظلم والفساد والإستبداد والمحسوبية، تؤمن بالأجيال الجديدة وقدرتها علي تولي المسؤلية وبالثقة فيها، تعمل علي إنصاف الشعوب المقهورة والتي عانت من الظُلم والبطش والتخلف وعدم المُساواة، تؤمن بوحدة بلادنا وتقدمها..
نواصل..