الجيش بشكله الحالي والمليشيات: من مخلفات السّودان القديم…
مواصلةً في طريق كتابتنا وتوضيحنا عن الملامح التي وسّمت السّودان القديم والذي ندعوا ونعمل علي تغييره لصالح مشرّوع السّودان الجديد خُلاصة التضحيات الا وهي:
1- مؤسسة الجيش بشكلها الحالي
والتي تعاقب عليها كثيرون، إستولت علي السُلطة في السُودان عن طريق الإنقلابات العسكرية، بمشاركة وتخطيط بعض الأحزاب والقوي السياسية، والتي كانت شريكة في هذا في الإستيلاء علي السُلطة بواسطة إستخدام المؤسسة العسكرية والجيش ، وكانت كذلك تقوم بإنشاء فروع لتنظيماتها داخل الجيش وتزرع كوادرها ومنسوبيها فيه، مما أخرج الجيش عن مهنيته وقوميته وشرّعن لتدخله في السياسة والسُلطة في السُودان لمُعظم سنوات الحُكم فيه، وكان آخرها عند ركوب الإسلاميين علي ظهره بإحداث إنقلاب 30 يونيو 1989، والذي يُعتبر الأسؤا ولكنه حتماً ليس الوحيد الذي إستغلت فيه الأحزاب والقوي السياسية المدنية لمؤوسسة الجيش للوصول للسُلطة عن طريقه، سواء بمُبررات تصحيح سوء الأوضاع أو التغيير ، إضافة لإنقلابات أخري كثيرة أُجهضت وفشلت في الإستيلاء علي السُلطة طوال تاريخنا السياسِي للسُودان القديم، وتواصل وجود العسكريون حتي قيام ثورة ديسمبر التي أنهت حُكم السفاح عمر البشير ، ولكنها لم تنجح في إخراج العسكر تماماً ومؤوسسة الجيش من السُلطة ، إذ تشاركوا مع المدنيين وقوي الثورة الأخري فيها ، قبل أن ينقلب عليها المجرمين “البرهان وحميدتي” بمعيّة بقية جنرالات الدم من اللجنة الأمنية والمجلس العسكري في 25 أكتوبر 2021، والذي حاول قطع الطريق علي الأنتقال الديمُقراطي وإجهاض وقتل الثورة بمساعدة ومباركة ودعم قوي الثورة المُضادة وتنظيم الحركة الإسلامية وبقايا نظام “الكيزان” تخطيطا ومُشاركة ودعمّاً، وتواصل الدور السالب للجيش والمليشيات داخله للإسلاميين ومعه من كتائبهم مع مليشيا الدعم السريع الجنجويدية في تدميرهم للبلاد ومحاولة القضاء عليها في صراعهم حول السُلطة ونزولاً لأجندة خارجية يتم تنفيذها عن طريقهم ومن خلال تحويل الصراع بينهم لحرب ضروس لاتزال مُشتعلة منذ ١٥ أبريل الماضي ، عاني من ويلاتها كُل السُودانيين….
إذاً فالجيش السُوداني وبتركيبته الحالية و تعاقب أجياله العسكرية وخاصة في فترات حُكمه البغيضة والدكتاتورية علي إمتداد تاريخ البلاد مُنذ الإستقلال ظلّ باطشاً بالشعب قاتلاً له، مُشاركاً في صناعة الحروب وقتل السُودانيين ببشاعة مُطلقة، ومُنذ حرب الجنوب الأولي ثم الثانية والتي لم تتوقف إلا ما بعد التمهيّد لإنفصاله والذي حدث فعلاً بعد أتفاقية نيفاشا وما آلت إليه، عُرفت تلك الحرب بأنها الأطول في قارة أفريقيا والأعنف وراح ضحيتها الملايين من السودانيين في الجنوب والشمال وخاصة من الجنوب ، غير الذين جُرحوا فيها وتشردوا ونزحوا لأجيال مّتتالية ، وإذا قُدر في ذاك الزمان أن يكون هنالك توثيقاً كما يحدث الآن بفعل التطور التكنولوجي والتصوير لتلك الجرائم التي إرتكبها الجيش السُوداني في حق الجنوبيون وخاصة من المدنيين العُزّل لشاهدنا ما تشيب له الولدان من فظائع وجرائم إبادة وضد الإنسانية، كان للعقلية العُنصرية أيضاً فيها أدوار كبيرة، تم حرق العديد من القري وأهلها أحياء من النساء والأطفال، بُقرت بطون الأمهات الحوامل، إغتصابات وعُنف مُتناهي، عبر عنه أحد الضباط النظاميين في الجيش في ذلك الوقت بأن هذا العُنف الذي راه كان سبباً في تركه للعسكرية والجيش، والذي وصفه بأنه كان عنيفاً جداً ولايمُت للإنسانية باي صلة، إستمر ذات العنف كسمة مُلازمة للجيش في بقية الحروبات التي تمت، خاصة ما بعد إستلام الإسلاميين والكيزان للحُكم، في حروب دارفور والنيل الأزرق وجنوب كُردفان وجبال النوبة، وهي حروب للإبادة دون أدني شك، أُستخدمت فيها البراميل الحارقة والطائرات وقاذفات اللهب ومُورست خلالها كُل أنواع الأسلحة المحظورة وغيرها، ولم تغب كذلك العقلية العُنصرية والتي سبق أن أشرت لها في الجزء الأول من العقليّات التي ميّزت السُودان القديم، وأُضيفت للجيش أداة المليشيات والتي برّع في صناعتها وتوظيفها نظام “الكيزان والإسلاميين” وتسليح المجموعات والقبائل العربية من الجنوجيد والدعم السريع للفتك بالسُودانين وإبادتهم ، في تلك المناطق التي نشأت فيها حركات الكفاح المُسلح من أجل رد الظُلم وصناعة التغيير والسُودان الجديد، في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وجبال النوبة والشرق…
لن ينصلح حال السُودان وينتقل من قُمقم وكهوف السُودان القديم إلي السُودان الجديد خُلاصة التضحيات إلا بإعادة هيكلة هذا الجيش وإصلاحه من جذوره ، وإبتعاده عن السياسة والسُلطة وشؤون الحُكم في السُودان وأداءه لدوره المهني فقط الذي يحدده الدستور في الدفاع عن الدولة السُودانية وحماية الدستور والنظام المدني الديمُقراطي في البلاد ، وأن تعود له قوميته وحياده ويُعبر عن جميع السُودانيين ويُمثلهم دون تفرقة أو تمييز في ذلك أو مُحاباة ذات طابع إثني عرقي وقبلي أو ديني ، فالجيش وبشكله الحالي أحد أسؤا ملامح السُودان القديم ، والذي بدلاً عن حماية السُودانين وإرساء السلام والآمان ، تحول لآلة وأداة لقتلهم وإبادتهم في طوال مسيرته مُنذ الإستقلال وحتي اللحظة في هذه الحرب الحالية التي لاتزال مُشتعلة…
في الجزء القادم من ملامِح السُودان القدّيم سأتناول المليشيّات ودورها الذي لا يقل سوءاً وفظاعةً وهمجيّةً عن الجيش ، وعلي رأسها مليّشيا الجنجويد والدّعم السرّيع المُجرّمة…..