في هذه النافذة سنقدم مجموعة من اليوميات الحياتية لأرملة شابة وهي الشاعرة والفنانة زورا تانيرت زوجة المرحوم الفنان الكبير عموري مبارك، يوميات بيضاء مؤلمة تحكي فيها “زورا” عن حياتها وتتوسم من خلالها أن تكون نقطة في بحر من التغيير في مجتمع تعاني فيه كل امرأة ترملت، وسندرجها على شكل سلسة تحكي عن الأحداث الجارية والماضية.
زورا تانيرت
الحلقة السادسة
البياض منتشر في غرفتي..فهدايا النساء لي كانت كلها ملابس بيضاء.. عليهن واجب تذكيري انني الأرملة مادامت الذكرى ستنفعهن ..!
في منتصف نهار اليوم الثالث..كان الاستعداد لوليمة العزاء على قدم وساق.. بينما كنت جالسة بين افراد عائلتي نتبادل اطراف الحديث .. دخلت علينا امرأة.. وفي الحقيقة هي لم تكن امرأة.. لأن لقب المرأة هو تشريف لها مني.. وإن كان هناك لقب يناسبها قد يكون لقب الشيطان في ريعان شبابه وفي أوج عطاءاته..كان زوجها في الحديقة يلعب مع ابني .. مهتما بكل تفاصيل العزاء .. لا شيئ ينقصنا بوجوده.. في الحقيقة كان يحبنا انا وطفلي كثيرا.. وزاد من اهتمامه بعد رحيل نصفي الثاني.. وأنا كنت احترمه لدرجة منحه مكانة عظمى..وربما كنت سأناديه ابي لولا عشقي لروح والدي.. الرجل كان عطوفا يعرف جيدا قسوة الوضع الجديد.. لقد كان انسانا اتجاهنا..لكن انسانيته لم تستمر في ظل وجود الشيطان بيننا.
تلك التاء.. تاء التأنيث طبعا.. دخلت علينا بعد أن استعدَّت جيدا للعزاء.. كفَّيْها تلمعان بحناءٍ الواضحُ انها طلته احتفالا بألمي.. تجَمَّلت المرأة بشتى انواع الحلي ومواد التجميل.. رحبتُ بها ترحيبا أمازيغيا يليق بأصلي .. وتركت لها مكاني حتى ترتاح بيننا.. وحتى لا تحس بأي فرق بينها وبين اي فرد من افراد اسرتي.
للخالق في خلقه شؤون .. خلق لذلك الكائنِ ميِّتِ القلب لسانا ينتج جميع انواع السموم..عندما تلسع تترك أثرا.. لا أدري اي نوع من الغيرة تنتابها حين تراني.. عجبا،فهناك نوع من النساء تغار حتى من ألام غيرها.
استعدَّت جيدا لتطلق طلقتها في وجه الحاضرين.. كانت عمَّاتي تمدحنني ويقوين عزيمتي.. يدللنني بطيب الكلام .. فهن يعرفن كيف كنت الطفلة المدللة لأبي..يحاولن رسم ابتسامة على وجهي ونجحن بحكمتهن في رسمها..لم تستسغ تلك الكائنة بيننا ابتسامتي.. وارتأت بدورها أن تساهم في التخفيف عني..عل الابتسامة تهجرني في حضرتها..
بدأت المسكينة تعُدُّ مزايا زوجها علينا.. “زوجي يحبكم كثيرا.. مهووس بكم..انه يحس بمسؤوليات اتجاهكم..لسانه لا يتلفظ الا باسماءكم..زهرة زهرة زهرة حتى انني ثُرت في وجهه قائلة لا تزعجنا بكثرة المدح تزوجها ليطمإن بالك عليها!!!”
ما أشهى هذا الحزن الذي اعيشه وما أروعه إن كان نوع السم الذي سأصاب به كي ابتسم.. حقارة من امرأة تخاف على زوجها من امرأة اخرى.. امرأة -كأنا-تتكبد كل معاني الالم لفقذان إلاهها. وما اجمل حزني وكم تمنيت لحظتها أن يتشبَّت بقلبي، الحياة بطولها وعرضها، على أن أسمع حقارة كحقارتها..!
انه الاهي ذاك الذي مات ايتها المتعفنة في دورة مياه عقلها.. الاهي ذاك الذي رحل.. وموت الالاه قيامة!
فماذا تعرفين انت عن عشق الملاك لإلاهه!
قالت ما قالته وهي لا تدري ان بيني وبين عقائدها مسافات لا حدود لها.. فهي تاء تصلح وتقبل التعدد وأنا امرأة لا ترضى الا بواحد أحد.
حصَرتْ اهتمامها منذ تَرَمَّلتُ في منع زوجها الاقتراب منا.. خوفا منا .. وما الخوف الا منها! عالمة في فن التحريض والوسوسة ،وزرع الحقد والكراهية ،ونزع الانسانية والاحترام من قلب زوجها اتجاهنا.. ونجحت..نجحت بدرجة امتياز في تلويث دم القرابة بسمومها! فيا لها من تاء زعزعت سكون كل الأبجديات !
انتفضت اسرتي من مكانها.. وانتشروا بعد ان سمعوا ما يسمُّ البدن والروح دون اي رد فعل .. فالحكمة احيانا تقتضي الصمت في حضرة السفهاء..!
إن الشيطان يُضِل ويُفسد ويَغوي من يشاء ومتى شاء، وإنما يفعل ذلك بمن هو مهيأ نفسيا وعقائديا وسلوكيا.. وربما كانت ستؤذيني لو توفرت في منطق عقلي شروط زعزعة الشيطان للإنسان..أي نعم استمتعتْ بوجعي.. لكن لم تدرك أن الوجع انكسر وصار شظايا وهو يرتطم بقلبي.
اخذتُ هاتفي ووضعت سماعاتي..حررت اغنية “مامنك اور يالا” من قيدها.. مدركة ان الوحيد الذي سيُربِّت على روحي هو أنضَّام!
يتبع…