في هذه النافذة سنقدم مجموعة من اليوميات الحياتية لأرملة شابة وهي الشاعرة والفنانة زورا تانيرت زوجة المرحوم الفنان الكبير عموري مبارك، يوميات بيضاء مؤلمة تحكي فيها “زورا” عن حياتها وتتوسم من خلالها أن تكون نقطة في بحر من التغيير في مجتمع تعاني فيه كل امرأة ترملت، وسندرجها على شكل سلسة تحكي عن الأحداث الجارية والماضية.
زورا تانيرت
الحلقة السابعة
في مواجهتِكِ لبياضي..وعوض ان تكسري جدار الصمت كرَّست ولا زلت يا امرأة تتمادين في تكريسك لثقافة لا تنتمي لطبيعتك..!
الاصل في اللغة التذكير ..وسبب ذلك أن اللغة تركت المذكّر على حاله وأصله، ووضعت للمؤنث علامات يُعرف بها، انها علامات التأنيث .. هكذا انت يا أنثى .. تركت المذكر على حاله وألصقت بك كل الصفات دون أن تتمردي.. ففي طلاقك مطلقة.. وفي وفاة الزوج ارملة.. وفي حريتك وقوتك عاهرة.. وفي احترامك لذاتك متكبرة.. وفي انعزالك معقدة.. وفي حزنك ضعيفة..وفي عزوبتك عانس .. وفي جمالك عذاب.. وفي موتك راحة !
كل هذه الأوصاف وغيرها تُفرض عليك ولا زلت على جنسك تتحاملين .. تُعَبِّدين الطريق لجبروت الرجل حتى يشيِّئك كما يحب ويشتهي.. وفي نهاية المطاف تحملين شعاراتِ لا للعنف!
التغيير يبدأ منك لكنك لا تتغيرين!
لا شيئ يتحرك داخلي في كل مواجهة لتاء التأنيث ونون النسوة سوى استغرابي تلك الغطرسة اتجاه لوني الابيض..غطرسة تأرقني وتقض مضجعي..!
مرت ايام العزاء بمسقط رأس الغالي..وعدت الى المدينة.كانت كل الأيام متشابهة .. لا جديد.. الملل فعل فعلته بي.. أمي بجانبي.. وصديقاتي يملأن فراغاتي. فقد كان قاسمنا المشترك انا وصديقاتي ان لكل واحدة منا صفة.. الارملة.. المطلقة واللامتزوجة..صفات لم نخترها بل لُقبنا بها حين انجبتها الأقدار لنا بنكهة حزن وكأن لنا اليد في رسم اقدارنا!
إن الأقدار أم عازب والمجتمع مغتصبها!
صديقاتي نساء متحررات متمردات على كل التقاليد.. فالمطلقة طلقت برغبتها بل وتحتفل بعيد طلاقها كل سنة.. واللامتزوجة تمردت على شروط الرجل الذي يريد سجنها داخل قناع الدين و اتخادها جارية !
أكثر ما أحب في صديقاتي أنهن الوحيدات اللاتي لا يَرْين الابيض الذي ارتديه إلا وأنا احكي لهن عن خنقه لحريتي.. هن يرين داخلي.. يشعرن بحربي.. وقسوة نون النسوة .. كيف لا وقد تجرَّعن مرارتها في غير ما مرة.
اقترحنا أن نتسوق معا.. وبلباسي الأبيض خرجت ضاربة عرض الحائط كل المعتقدات التي تريد تقييدي.. وأنا ادري ان ما ينتظرني في الشارع يفوق التصور.
نظرات النساء لي كسيف على رقبتي .. يبحلقن.. يتغامزن.. يشفقن..و يشرن بأصابعهن .. تستغربن سبب بياضي!
احدى صديقاتي المتمردات لم تستسغ في غيرِ ما مرة نظراتهن لي.. فكانت تثور عليهن ..وأنا محافظة على هدوئي.. محاولة تجاهلهن.. لكن هيهات!
عند زواج اختي.. لازلت اتذكر وهي تسافر مع زوجها على متن حافلة للمسافرين وهيئة العروس بادية عليها.. اقترب سائق الحافلة من زوجها طالبا منه شراء بعض السكر والحليب..زوج اختي لم يفهم سبب الطلب وعندما استفسر عن ذلك أخبره الرجل أنه سيسكب الحليب على عجلات الحافلة اتِّقاءا لشر المصيبة او حادثة سير.. فحديثة الزواج من النساء تكون سببا في ذلك..!
تفشٍّي سرطان الفكر النتشوي بتعليق اسباب المصائب دائما على المرأة ..صار حقا مرضا لا يحتمل.. !
كنت في زيارتي لأحد الأقارب ببياضي.. اشتياقي لهم قادني لأن أعلِّق تلك المفاهيم المريضة بعدم الخروج من البيت، خارج دوامة تفكيري الذي انهكني.. وذهبت لأصِلَ رحمهم.
لاحظت أن المرأة منذ دخولي بيتها وهي تحاول أن تضع حذائي الأبيض في مكان بعيد عن الملمس..كما غطت كل المرايا المنتشرة في بيتها.. اعتقدتُ في البداية أنها تقوم بذلك احتراما لأغراضي فشكرتها..وأنها غطت المرايا لغرض خاص بها. لتفاجئني بما لم يخطر على بالي.. فتفكير تلك التاء هذه المرة كان تفكيرا عميقا.. بعيد المدى..تحتاط للغيب قبل وقوعه.. تعلم الغيب بكل تفاصيله.. تفكير يسرح بك ويجبرك على طرح سؤال ماوراء الطبيعة: لماذا؟
وببساطة.. حذائي الأبيض قد يسبب عنوسة ابنتها ان هي تخطته .. ورؤيتي في مراياها قد يصيبهم بلعنة او بموت الزوج والعياذ بالله !!!
نذير الشؤم أنا.. ببياضي اللعين هذا.. نذير شؤم حط على بيتِ من اشتاق قلبي لزيارتهم..نذير شؤم يؤكد لي أن الأنثى جاءت الى الحياة عن طريق الخطأ.. !
ومرة اخرى ابتسمت.. ابتسمت لقدري.. قدر حلَّق وحط بي أخيرا في ظل مجتمع لا تجمعني به أية صلة..
ابتسمت لروح انضَّام ابتسامة عتاب هذه المرة.. واستعطفته أن يُسمعني صوته ورجعت قافلة الى البيت…!
يتبع…