يوميات زمن كورونا -2-
البيت بوصفه فضاءا أنثروبولوجيا في الجزء الثاني من هذه المحاولة سأتحدث عن العناصر المكونة للمسكن أو البيت الامازيغي.
مكونات البيت الامازيغي.
في ماست التي تعتبر من حواضر المغرب القديمة، قدم الاستقرار السكاني فيها كانت المساكن التقليدية تتكون من عدة دور متلاحمة ومتلاصقة، يحتوي كل منها على فناء خاص، تحيط به أروقة وغرف بالإضافة إلى المخزن والاسطبل، وهي العناصر ذاتها التي نجدها في كل بيوتات سوس والجنوب المغربي عموما خاصة بيوتات أكلو وأزغار وتيزنيت. ومن تمت لا نلاحظ تمايزا كبيرا بين العناصر المكونة للمسكن في كل هذه الربوع.
- المدخل: Imi n tgmmi
لقد حافظت العمارة السكنية الامازيغية على نموذج تصميمها الأصلي الذي لم تدخل عليه تغييرات كبيرة، وذلك من خلال وجود مدخل واحد رئيس يسمي “امي ن تكمي”، ويعتبر من حكم الناذر وجود مدخل ثانوي للمسكن على غرار بعض المناطق في سوس والذي يقع غالبا في مؤخرة المنزل أو بأحد اطرافه لدواعي امنية ويستعمل في الغالب في حالة الطوارئ وخاصة الحرائق التي نشوب في بعض مناطق في جبال باني كتامنارت وامي ؤكادير وغيرها من تخوم هذه الجبال الشرقية.
على العموم يخصص المدخل الرئيسي للمنزل لدخول قاطنيه من الإباء والابناء والجدات، والاجداد، الاعمام والعمات والاحفاد وغيرهم من دوي القربي، والذين لا يدخلون في محارم العائلة (هذه العادة ظهرة في الفترة الإسلامية، بينما لم تكن موجودة قبلها)، هذا المدخل يؤدي إلى الصحن الداخلي بواسطة رواق قد يكون طويلا او قصيرا حسب بعد او قرب موضع البيت بالنسبة للطريق او الجنان المجاورة الملحقة بالبيت. ومن الناذر جدا كذلك ان نجد الصحن مفتوح مباشرة على باب المسكن، فالمدخل يكون دائما بعيدا عنه وقد يتخذ شكل منعرج على اليمين او اليسار والسبب وراءهو الرغبة في حجب من في الدار عن انظار المارة، هذه المداخل تشكل السمة البارزة لمورفولوجية الاحياء السكنية الامازيغية في كل ربوع سوس وتامازغا، والتي نجد فيها غالبا بهوا صغيرا يفصل بين بين الباب الرئيسي للمسكن والصحن الداخلي، هذا البهو يمكن اعتباره بمثابة قاعة انتظار داخلية خاصة بالضيوف والزوار ومختلف الوافدين وتوجد فيه مصطبتين متوازيتين وتكون ملتصقتين بأطراف جدرانه في الزاوية الميته منه والتي تحول دون رؤية من بداخل المسكن، ويجلس عليها الضيف، كما ان وضعها ذلك يحجب رؤية ما يدور في صحن المنزل من طرفه في انتظار ولوجهم إلى جوف ملحقة الضيوف التي تسمى في سوس “بتادوايريت ن إنبكَيون” (Tadwayrit N Inbgiwn) وهي عبارة عن حجرة كبيرة ذات سقيفة جميلة مزينة بكل كل الوان الطيف كما يتم طلاء جدرانها بالوان زاهية تتمحور بين الأخضر الغامق الامازيغي والأبيض اللبني إضافة إلى الأصفر الباهت بينما تصبغ جدران بهوها الصغير باللون الأزرق الذي يساعد على طرد الحشرات. كمياء الألوان هذه لها جدور تاريخية عميقة وقديمة قدم التاريخ الامازيغي ولا يجب ان ننسى هنا ان إيمازيغن هم مكتشفوا اللون الارجواني واخده عنهم الاغريق والرومان ومن قبلهم تاجروا فيه مع الفنيقيين وبحكم قوة هذه تجارة الصباغة الارجوانية تلك اطلق الامازيغي على الفنيقيين اسم الارجوانيون ومنه اخد اسمهم الأول ذلك. واستعملوه الامازيغ اللون الارجواني في صباغة أتواب ملابسهم الراقية وفي طلاء جدران مساكنهم الخارجية، بعدما نجحوا في استخراج هذه الصباغة ذات اللون الزاهي من بعض الصدفيات البحرية ومنها البزاقة باللغة العربية و “تاركنوزت”) ( Tarknuzt باللغة بالأمازيغية. وتضم “تادوايريت” بالإضافة إلى تامسريت الجميلة ومرافق صحية ملحقة بها يستعملها الضيوف في قضاء حاجتهم وفي تنظيف ابدانهم وغسل أيديهم. ويمكن ان تبنى في بعض الأحيان خارج أسوار البيت بالشكل الذي يجعلها منعزلة عن مرافق المسكن الرئيسي.
يتضح من الهندسة التي أبدعها ايمازيغن إتجاههم الى الفصل بين فضاء الحياة الحميمة والشخصية في منازلهم انطلاقا من وضع كل هذه الحواجز والفواصل، مما يحيل إلى تشبث الامازيغ بقيم أخلاقية تحرص على صيانة بيوتاتهم من عيون المتطفلين والمارة النقابون.
- الصحن Asarag
يعتير الصحن المفتوح عنصرا رئيسيا وتابتا في العمارة السكنية الامازيغية فبالإضافة إلى ادواره البيئية في المسكن من تامين للتهوية والإضاءة بعيدا عن الاشراف المباشر على الشارع، بالتالي يمثل متنفسا حقيقيا للمسكن كما ذهب إلى ذلك جورج مارسي في دراسته. كما يشكل نواة المسكن التي تتوزع حوله الحجرات، كما يعتبر المكان المفضل لذى قاطني البيت لقضاء معظم اوقاتهم، ففي الصحن يلعب الأطفال وتقوم النساء ببعض الاعمال المرتبطة بالغسيل وتنقية الزرع قبل الذهاب به إلى طاحونة الدوار، وفيه تمخض النساء اللبن ويغسلن فيه الصوف ان كان قليلا وان كثر فيذهب به إلى الساقية لتوفر المياه بكثرة عكس المنزل الذي يلزمهن رفعه من الابار وهي عملية تتطلب مجهودا مضاعفا عكس الساقية توفر المياه اللازمة لغسله بدون اللجوء إلى استعمال مجهود عضلي كبير.
وحسب تجربتنا فدخول الحجرات يكون في أوقات محددة كوقت القيلولة، او عند اشتداد الحر وارتفاع درجات الحرارة، بينما يلتجئ إلى السطوح في بعض المناطق في الليالي الحارة، ولهذه الأسباب يبقى الصحن القلب النابض للبيوت الامازيغية خلال جل فصول السنة، باستثناء فصل الشتاء الذي يعرف نزول درجات الحرارة التي تفرض عليهم دخول حجراتهم.
وبالنسبة لشكل الصحن فيتوزع بين المربع والمستطيل، وان كان الشكل المربع هو المهيمن، وهذا ما يشكل وحدة في التصاميم الخاصة بالمسكن الامازيغي دو الصحن المفتوح كما أشرنا إلى ذلك سابقا وفي الغالب لا نجد أروقة تربط الصحن بخلايا داخلية كما هو معروف في بعض مناطق شمال افريقيا التي يهيمن عليها الشكل المستطيل كمساكن جنوب تونس ومساكن منطقة القبايل بالجزائر.
يبقى الصحن المفتوح مرفقا رئيسيا في البيت الامازيغي وله العديد من الأدوار كما اشرنا الى ذلك سابقا، ويلعب العديد من الأدوار الاستراتيجية داخله ومنها أدوار بيئية كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ومنها ما ومرتبط بنوع المناخ السائد في كل منطقة على حدا، فالصحن المفتوح يلعب دورب كبيرا في توازن درجات حرارة البيت، حيث يجتمع فيه الهواء البارد اثناء الليل ويحتفظ بالتالي على درجات منخفضة من الحرارة في فصل الصيف الذي يعرف ارتفاعا نسبيا في درجات الحرارة وفي هذه الفترة من السنة يساعد الصحن المفتوح على تلطيف درجات الحرارة خصوصا في الصباح الباكر.
(يتبع)….