لكسبريس تكشف المسكوت عنه
ما أن اضطلعت على مضمون الست صفحات، المنشورة في مجلة “ليكسبريس” في عددها 2922 الصادر ما بين 5 و 11 يوليوز 2007، والتي كشف من خلالها الصحافي والمؤرخ للسياسة التشيكوسلوفاكية في القارة الإفريقية ما بين 1948 و1968، “بيتر زيديك”، أن المهدي بنبركة، كان يعمل جاسوسا لصالح الإستخبارات التشيكية.
ما أن اضطلعت على ذلك، حتى توجهت بسرعة إلى حيث أضع أرشيفي الخاص، المتعلق بموضوع تورط المهدي بنبركة في حدث اغتيال زعيم جيش التحرير المغربي، عباس لمساعدي، لأعيد قراءة ما قد سبق وأن كتبته في الموضوع ذاته، وبقدر ما استحضرت اللحظة، التي انهالت علي أيادي عقليات متحجرة، بالضرب، أثناء الندوة المنظمة من قبل كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى الحقيقة والإنصاف، مساء يوم 22 دجنبر 2001 بمدينة خنيفرة، وأنا أتذكر أيضا المشادات الكلامية التي صاحبت هذا الحدث، حينئذ، أشرت إلى كون من يهتفون باسمه، شهيدا، لا يعدو أن يكون سوى قاتلا ومجرما وعميلا للمعسكر الشرقي، وهي لحظة تشنج أعصاب، كادت أن تفضي إلى جريمة قتل. وهي المسألة التي جعلت الجرائد والمجلات تعيد النقاش، بجدية، في موضوع اغتيال عباس لمساعدي، ونتجت عنها ردود ما زالت تداعياتها مستمرة إلى وقتنا الراهن. وكنت بدوري ساهمت، في مختلف النقاشات الردود التي تناولت الموضوع ذاته. قلت، لما بحثت في أرشيفي الخاص، عثرت على مقالات، سبق وأن نشرتها في عدة جرائد ومجلات، ولئن قرأنا، مقالتي المنشورة بجريدة الأيام، عدد 71، الصادر ما بين 30 يناير و 5 فبراير 2003- ينظر صورة للمقال المذكور-، لاستوقفتنا، المعلومة ذاتها، والتي سنبرزها بالخط العريض، فلنقرأ إذن: “… أما فيما يخص اعتقال المهدي بنبركة بداية الخمسينيات، فإن الإقامة العامة الفرنسية اعتقلته، ليس لكونه كان يدافع عن حوزة الوطن، بل لأنه كان عميلا للمعسكر الشرقي...”، ولنا عودة لتفاصيل وأصول جاسوسية/عمالة المهدي بنبركة، ومدلول “الخائن” الذي كان ينعته به الشهيد عباس لمساعدي.
المحجوبي أحرضان وعبد الرحيم الورديغي يشوهان الحقيقة
أثارت جريدة الأيام، في حوار مع السيد المحجوبي أحرضان (عدد 67) ورد السيد عبد الورديغي (عدد 68)، قضية تاريخية جد مهمة في بناء صرح مستقبل المغرب. ونظرا لأن كلا الشهادتين تمت مصارعتهما بطريقة مرغوب فيها، وتم حذف مجموعة من النقط الجوهرية منها، رغبة من الطرفين في تحويل النقاش وإخماد شرارة مثل هذه الملفات الشائكة، التي تثقل كاهل النظام والمؤسسات السياسية.
إن الحوار والرد، هما بمثابة صراع بين مصلحتين، تتغذيان على أنقاض مثل هذه الملفات التاريخية، وتسعى كل واحدة منهما إلى التهرب من جرائمها ضد الإنسانية. فلن ابالغ في القول إن الصراع ذاته يندرج في في غطار التسابق نحو المصالح والإمتيازات الجديدة/القديمة.
بالنسبة للسيد المحجوبي أحرضان، فإن تصريحاته ظلت تشوش وتفسد قضية اغتيال زعيم جيش التحرير، السيد عباس لمساعدي، وهي “الضراكة” التي يلتجئ إلى الإختباء وراءها، كلما أحس بحبل الشدة يتربصه، وهو نفس الاسلوب الذي الذي اعتمده منذ تأسيسه لحزب الحركة الشعبية. وبهذه الطريقة، يتهرب من من إثارة ملفاته الخاصة والغائرة في تاريخ المغرب بالجرائم والمؤامرات الرخيصة، في مقابل الحفاظ على مصالحه الشخصية، كما يلتجئ، في العديد من المرات، إلى ركوب حصانه الخشبي وخنجره الصدئ، محاولا إغراء الناس بأمازيغيته، علما أن أنانيته ومؤامراته قادتاه إلى تدمير أمازيغيي الريف سنتي 1958 و1959.
لقد اعتمد أحرضان أسلوبا رخيصا وصبيانيا وهو يدلي بشهادات ناقصة، حسب هواه وما يخدم مصلحته شخصيا، وليس رغبة في كشف الحقيقة، فيلتجئ، في بعض الأحيان، إلى تكذيب ما قاله، إذا اقتضى الحال ذلك، لكن الموضوعية التاريخية علمتنا أن نقف عند شهادة احرضان ونفك رموزها وندرك مضمون ما حذف وأضمر، فرواية تسمية عباس للمهدي بالخائن، وردت في شهادات العديد من المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أما أحرضان فقد حاول فقط، أن يضع عليها بعض التحسينات، لصالحه ويعرضها للتسويق.
في حين أن الطرح الذي اعتمده عبد الرحيم الورديغي يتجلى في تجميع خيوط تصب في نفس الإتجاه، قوامها، تمجيد “الحركة الوطنية” ومقت خصومها، لا ليوضح نوعية الصراع الدائر بين الأطراف المتصارعة، بل ليجني ثمار المقاومة المسلحة لصالح حلفائه “الحضريين”. وضمن هذا السياق، افتتح الرد بنزاع شخصي، ليس ليعرف بشخصية احرضان والمهدي فحسب، بل ليقود حربا من نوع آخر، ويصف جميع الأمازيغيين بالإقطاعيين.
والغريب في الأمر، انه عندما بحثنا عن إسم عبد الرحيم الورديغي بين صفوف أعضاء جيش التحرير، وسألنا عناصر صنعت مجد تحرير المغرب بالسلاح، لم نجد هذا الإسم، وربما تسلل إلى أوراق المندوبية السامية للمقاومة، كما تسلل إليها إسم المحجوبي أحرضان وعرشان…
أما فيما يخص اعتقال المهدي بنبركة بداية الخمسينيات، فإن الإقامة العامة الفرنسية اعتقلته، ليس لكونه كان يدافع عن حوزة الوطن، بل لأنه كان عميلا للمعسكر الشرقين ويجهل كثير ممن وقعوا في شباك القومية أن هذا الرجل المشهور ب”التقدمية”، كان يؤيد الأنظمة العروبية باسم القومية، بل وقد جعل من مصالح التحرر الثوري ومصالح القومية العروبية مترابطة وفي كفة واحدة، وأنه كان يؤيد مجموعة من الأنظمة الديكتاتورية باسم القومية، ولا أدل على ذلك، علاقته بالنظام السوري وباقي الأنظمة البعثية.
ففي معرض قول عبد الرحيم الورديغي “… إن المهدي بنبركة لم يكن خائنا لوطنه الذي استبدت به الإقطاعية القبلية والمخزنية، بل كان بطلا سياسيا لتحرير البلاد من الإستعمار الفرنسي والإستعمار الجديد الذي كان يحارب الإشتراكيين…”. من يقرأ ما كتبه الورديغي، يعتقد أن المهدي وأصدقاءه الإشتراكيين هم من يملكون الشرعية في بلاد المغرب، وأن الأمازيغ من استعمر بلادهم، أو أن الإشتراكيين هم من حملوا السلاح وماتوا في المعارك على وطنهم، أو من عاشوا البؤس والتشرد في أعالي البلاد صامدين ومتشبثين بمبدأ “الأرض أو الموت”، أو هم من صنع مجد معارك الأطلس والجنوب والريف.
ففي الوقت الذي كان فيه أبناء القبائل يستنكرون المخططات الإستعمارية ويعيشون الحصار الشديد، كان المهدي بنبركة وأمثاله يشاركون أبناء الفرنسيين حفلاتهم.
ألم يكن هذا الرجل من تربى داخل القصر، وعن طريقه حصل على امتيازات ثقافية ومادية تؤهله لمنافسة الملك في مهامه، الأمر الذي لن يتأتى له إلا إذا تحالف مع الأنظمة المعادية للنظام القائم بالمغرب؟.
أو لم يكن هذا الرجل الذي قادته نزعة الزعامة إلى مساندة نظام فرانكو والجزائر في حرب الرمال؟.
علاوة على أن الرجل، أي بنبركة، حضر معاهدة “إيكس ليبان”، التي اعتبرها عبد الرحيم الورديغي صنيعة الفعل، وما هي في نظر المؤرخين، إلا مسرحية لتحويل الشرعية لصالح “الحركة الوطنية”، ضدا على المقاومين وأعضاء جيش التحرير.
فعلى الورديغي أن يعرف أن تحرير البلاد حصل بعد أن شد أبناء القبائل (الذين جمعهم في الإقطاعية) الحبل على المستعمر وأوقفوه في هزائم يشهد لها التاريخ، وأن بنادقهم هي التي عجلت برحيل الإسبان والفرنسيين، ولم تساهم أوراق حلفاء المهدي إلا في إخماد ثورة تحريرية، كانت ستمتد إلى كل بلدان شمال أفريقيا.
أما فيما يخص حديثه عن فاجعة اغتيال عباس لمساعدي، فقد استعار السيد الورديغي شهادته من كتابات الإتحاديين، وربما تغدى أكثر على نفايات عبد اللطيف جبرو في اختراعه لأسطورة “الرصاصة الطائشة”، وهي أسطورة شبيهة بالتي ابتدعها هذا الأخير عن “عدي أوبيهي”، محاولة منه لتشويه الحقيقة بدل الكشف عنها، وهي بالنسبة للمؤرخ زكي مبارك خرافة وافتراء.
إن مثل هذه الرواية وردت مؤخرا في كتاب “السر” لرجل المخابرات، السيد أحمد البوخاري، رغبة من الكاتب خلط الأوراق والتستر على المجرمين الحقيقيين، وهي بالنسبة إلينا، تفتقد إلى المقاييس العلمية من صدق وأمانة ودقة ووضوح.
أما عن قضية مقتل المهدي بنبركة، فالكرة بين أيدي أصدقائه، ويعرفون جيدا، بالتوقيت والمكان، من قتله والدافع الحقيقي وراء ذلكن فعليهم أن يدلوا بالحقيقة في مثل هذا الملف، وأن استمرارهم في جر مجريات الحادثة واستعمالها كورقة لبناء الزعامات، سيؤدي بالمغرب إلى الهاوية.
ومن هذا المنبر، ندعو جميع الفاعلين الحقوقيين أن يتحلوا بالموضوعية والرزانة في معالجة هذه الملفات، وألا يتستروا، هم الآخرون، وراء مثل هذه الملفات الشائكة (وهذا فعل يعاقب عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان)، وألح، أكثر من أي وقت مضى، على ضرورة فتح تحقيقات عن سنوات الخمسينيات، حتى يتضح الخيط الأبيض من الأسود.
سعيد باجي/أسبوعية الأيام عدد 71 – 30 يناير – 5 فبراير 2003
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 1): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 2): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 3): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 4): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 5): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 6): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 7): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 8): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 9): من هنا