نظمت الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية يوم الخميس 25 أبريل 2019، لقاءا دراسيا حول موضوع”إكودار، المغرب:الوظائف الاجتماعية والتحولات” بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بحضور باحثين ومختصين في التاريخ والتراث والجغرافيا، وكان اللقاء مناسبة تطرقوا فيها الى العمق الحضاري لمؤسسة المخازن الجماعية وأدوارها الاجتماعية والاقتصادية عبر تاريخ وحضارة المغرب.
وافتتح هذا اليوم الدراسي بكلمة رئيس الجلسة ذ.حكيم عمار أستاذ التراث والأركيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط،الذي تطرق الى السياق العام لهذا اليوم الدراسي تزامنا مع مناسبة اليوم العالمي للمواقع الأثرية،وهي تظاهرة يحتفل بها عالميا للتحسيس بأهمية التراث المعماري والحفاظ عليه لأجيال المستقبل، وأعطى بعد ذلك الكلمة للمتدخلين، حيث استعرضت ذة. نعيمة كدان باحثة في التراث -المكتبة الوطنية أهم مراحل تجربتها الميدانية بالأطلس الصغير، وربطت نشأة المخازن الجماعية بحاجات القبائل للتخزين في ظل تقلبات الظروف المناخية، وأعطت نماذج من هذه المخازن بكل من كونفدرالية ايلالن واداوسكا أوفلا وتسكدلت،وأيت علي، وأشارت الى أن اختيار موقع بناء هذه المنشأة يتماشى مع المعطى الطبيعي، وفصلت في ذلك بعرض أشكال البناء(طولي ودائري…)،وغالبا ما يكون في مرتفعات جبلية، كما فصلت في معطيات تهم مرافق المخازن الجماعية.
وأما المداخلة الثانية، فتطرق فيها ذ.محمد أيت حمزة أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط الى تجربته الميدانية بمعية خبراء أجانب في إعداد أطلس خاص بإكودار الأطلس الصغير، مبرزا الأبعاد الاجتماعية والثقافية لهذه المخازن، واعتبرها تراثا معماريا وجب الاهتمام به في التنمية السياحية،وأكد أن ثقافة الاكودار منتشرة في العديد من مناطق العالم،واعتبرها تدخل ضمن تدبير المخاطر البشرية والطبيعية،كما استعرض خلاصات أبحاث ميدانية، كانت ثمرة تعاون مع منظمات ألمانية مهتمة بالموضوع، وتوجت بنشر موسوعات مفصلة عن مؤسسات ايكودار بالجنوب المغربي، وتتضمن خريطة كارطوغرافية للمعالم الأركيولوجية بالمنطقة،لكي تكون قاطرة للتنمية السياحية في أفق التثمين.(السياحة الثقافية والتضامنية…).
وتمحورت مداخلة ذة.سعاد بلحسين،(أستاذة باحثة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال) حول مخازن إغرم بجهة بني ملال، حيث أشارت الى المؤهلات الطبيعية والحضور التاريخي لجهة بني ملال،التي تزخر بمخازن جماعية تسمى إغرم، وأبرزت الخصوصيات الاجتماعية والأركيولوجية لهذا الصنف المعماري، كما استعرضت الدراسات التي أنجزت من طرف الباحثين والطلبة بجامعة مولاي سليمان،مبرزة عناصر التأثير والتأثر بين الجهة ودرعة، حيث استعرضت صورا لمخازن شبيهة بالقصبات.(مخازن أيت بوكماز – اغرم أيت وولي – مخزن أيت عباس…)،وأشادت الأستاذة بأهمية العمل الجمعوي ودور مختلف الفاعلين في الحفاظ على التراث المعماري لإغرم وتثمينه في أفق جعله قاطرة للتنمية السياحية بالجهة.
وفي سياق أخر، تطرقت ذة.خذيجة الراجي(أستاذة باحثة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير) الى أهم الدراسات العلمية المنجزة حول تراث إكودار، حيث تشرف على بحوث طلبة الكلية حول نفس الموضوع، وأبرزت دلالة مصطلح إكودار في سياقه المحلي بسوس خصوصا بقبائل جزولة،حيث تحظى هذه المؤسسات بقدسية خاصة، وتؤطرها ألواح عرفية بمثابة عقد توافقي بين القبائل لتدبير هذه المؤسسات،كما استعرضت الأستاذة رحلة دراسية لطلبة التراث معنونة ب”يوم من حياة أكادير امشكيكيلن”،حيث شخص الطلبة أدوارا لحياة الساكنة منذ القدم وعلاقتهم الوطيدة بمخازن إكودار،واعتبرت هذه المبادرات جد مهمة لتحسيس الأجيال الصاعدة بأهمية التراث المعماري والحفاظ عليه.
واختتم اللقاء بمداخلة كل من الباحثين بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الأستاذين مبارك أيت عدي والمحفوظ أسمهري،وانصبت حول موضوع وظيفة أمين اكودار،حيث يخضع تنصيبه لمجموعة من الشروط الصارمة،وانطلق ذ.مبارك أيت عدي من نصوص عرفية لابراز وظيفة الأمين في الحفاظ على السير العادي لهذه المؤسسات (حراسة الأمتعة ومعاقبة المخالفين…)،ليبرز انحراف أدواره، ليتحول أغلبهم الى مرشدين سياحيين.وأشار الباحث محفوظ أسمهري الى تعدد وظائف اكودار، وأعطى نماذج من قبائل الرحل، التي تتوفر على إكودار الصيف والشتاء بالجنوب المغربي،كما فسر لأدوار هذه المؤسسات في التجارة،واقترح تنظيم لقاء موسع لاستثمار التجارب الناجحة في الحفاظ على المخازن الجماعية خصوصا بسوس.
واختتم اليوم الدراسي بأسئلة الحضور والطلبة، وانصب جلها حول المداخلات القيمة للأساتذة، وأعطيت الكلمة ذ.عبد المجيد القدوري رئيس الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية، الذي اعتبر اللقاء فرصة لتبادل النقاش العلمي والأكاديمي حول إكودار وتعميمه على باقي الفضاءات الأخرى للتحسيس بأهمية هذا التراث المعماري،ودعى الى تظافر جهود الجميع لتنظيم أيام دراسية تحت إشراف الجمعية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والجمعية المغربية للبحث التاريخي وكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال ومركز معابر للدراسات في التاريخ والتراث،الذي تترأسه ذة.سعاد بلحسين، التي رحبت بفكرة عقد هذا اللقاء.
إعداد: ذ. محمد أبيهي