تنغير : تراجيديا التنقلات من أجل الاستشفاء في مدن بعيدة

حمزة الشافعي

لكل عائلة تنغيرية قصة ذات فصول طويلة من المأساة/ التراجيديا كلما تعلق الأمر بالمستشفى والتطبيب. فإقليم تنغير رغم ثرواته الطبيعية والبشرية وشساعته الجغرافية يفتقر لمستشفى يلبي ولو جزء يسير من حاجيات مواطنيه التواقين لرؤية مدينتهم تحظى بالحد الأدنى من البنيات التحتية والمؤسسات الحيوية في حياة المواطن/الإنسان وخاصة ما يتعلق بالجانب الصحي (مستشفى، مصحات، مراكز إيواء، وسائل اسعاف الخ(.

غيرة مجموعة من شباب المنطقة وقفوا على الواقع الصحي المزري لإقليم تنغير نتيجة التهميش المستمر دفعهم لإطلاق حملة يطالبون فيها المسؤولين بالتسريع في بناء مستشفى إقليمي يَقِي المواطن التنغيري من مَشَاق وصدمات وويلات رحلات الاستشفاء الكثيرة والطويلة نحو مدن بعيدة ومتعددة كفاس ومكناس ومراكش واكادير والرباط وورزازات والرشيدية.

في ظل غياب مستشفي إقليمي بتنغير، يُحْكَمُ على المواطنين بسطاء وميسورين بقطع مئات الكيلومترات صوب مستشفيات أقاليم أخرى غالبيتها جد بعيدة وما يتطلب ذلك من مصاريف مادية باهظة وأتعاب معنوية مضاعفة على المريض وعلى أهله تنضاف إلى المرض والألم

حالات نادرة هي تلك التي حُكم عليها بالتنقل نحو مدن بعيدة طلبا للاستشفاء والتطبيب والتي نجت من أطوار صدمة أو أشواط درامية مؤثرة. كثيرة هي الحالات التي عاين أهلها أحداثا جد مأساوية وهم يُودعون/يُرسلون مريضهم بعيدا طلبا للشفاء: هذه أم  مسافرة نحو مدينة بعيدة تفقد طفلها المريض جدا وهو بين أحضانها قبل وصولها لوجهتها وهذه أخرى يموت جنينها في بطنها وقد بلغها للتو خبر صديقتها وجارتها التي فارقت الحياة هي وجنينها معًا قبل الوصول إلى “هناك البعيد جدا” .

لوعة وجزع شديدين عاشتهما عائلات تنغيرية كثيرة أرسلت مريضا لها إلى “هناك  القصي جدا” وهو لازال يدب فِيهِ دَبِيبُ الحَيَاةِ ولم تكن تدرك أن الوداع الأخير قد حل حتى يعود إليها في كَفنٍ وما يصاحب ذلك من صدمة وحُرقة وندم وبكاء وأسى! في ظل غياب مستشفى إقليمي محلي، ليس مستبعدا أن يكون هناك من المرضى من يسافر بعيدا لإجراء عملية جراحية لِرِجْلٍ واحدة وإذا به يعود بدون رِجْلِه الثانية التي كانت سليمة وليس مستبعدا أن يكون هناك أيضا من يتنقل للقيام بعملية جراحية في الرأس ولا يعود أبدا والسبب هو حوادث السير نظرا لطول الطريق ومشقة السفر وبُعْدُ المستشفى بمئات الكيلومترات وطول مدة الانتظار أمام أبواب المَصحات والمستشفيات

كثيرة هي العائلات التنغيرية التي فقدت احد أفرادها بعد وقوفها عاجزة مشلولة تتفرج على مريض لها وهو يتألم، يشقى ويموت ببطء لغياب مستشفى بالمدينة ولعجزها عن توفير مبلغ الاستشفاء والتنقل نحو “هناك البعيد جدا” لفقرها وقصر ذات يدها. يا لصدمة عائلات فقيرة أخرى وهي تعود حزينة وخالية الوفاض بعدما باعت كل ما تملك كي تنقد حياة أحد أبناءها وبعدما تحملت عناء التنقل إلى مدينة بعيدة لتكتشف واقعا مريرا يَنْضَافُ إلى مرارة تشربتها جراء مرض ابنها. واقع يقف معه الإنسان مذهولا مصدوما خائبا: رشوة، زبونية، محسوبية، طول انتظار ولامبالاة.

أمام الوضع الصحي المتردي بإقليم تنغير ونظرا لغياب مستشفى إقليمي بالمدينة يُعْفِي المواطنين من ضرائب نفسية حادة ومادية بالغة جراء التنقل المستمر صوب مدن بعيدة لإجراء أبسط العمليات وأعقدها ونظرا للفقر الذي تئن تحت وطأته معظم الأسر بسبب البطالة وارتفاع أسعار جميع المواد مع هَزَالة القدرة الشرائية للمواطن فقد أصبح من اللازم التعجيل ببناء مستشفى إقليمي تماشيا مع متطلبات الواقع التي لا تقبل أي تأجيل لهذا الورش الأساسي والمُلِح وانسجاما مع مقتضيات نص الوثيقة الدستورية التي تُصرح وفق “الفصل 31”  كما يلي:

 “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة …”

 

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *