تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية، أية حصيلة؟

ذ. مصطفى مروان  

  مَــــــدخــــــل:

إن تبني رؤية كونية وغير اختزالية لمفهوم حقوق الإنسان في مسألة تدريس اللغة الأمازيغية، يقتضي من مجموع مكونات الفعل السياسي والثقافي والمدني وعموم الموطنين والموطنات المغاربة، احترام مبادئ اتفاقية اليونسكو باعتبارها تقدم إطارا عاما توافقيا ينهي الصراع القائم ويقدم أرضية جيدة للتعايش الثقافي من خلال ترسانة من المبادئ الموجهة أهمها: تساوي جميع الثقافات في الكرامة وفي الجدارة بالاحترام، واحترام التنوع الثقافي بصفته ثروة نفيسة للأفراد والجماعات، والانتفاع العادل من الثقافة، والانفتاح على الثقافات الأخرى، إضافة إلى مبدأ التوازن بين مختلف الثقافات”، كما أن إعلان برشلونة العالمي للحقوق اللغوية لسنة 1996 يمكن أن يكون كإطار مرجعي يقدم إضافة نوعية لفهم أمثل للحقوق اللغوية من خلال حثه على: “إبادة الإقصاء المتبادل وحق كل شخص في التحدث بلغته الأم، وفي التمتع بثقافته وتلقينها لذويه في المدرسة وفي المجتمع، وكذا بحقه في الولوج إلى الخدمات العمومية بواسطتها.. دون تدخلات قصدية أو قسرية”.

وفي هذا الإطار أقدم المغرب على تجربة تقتضي بإدماج تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية منذ الموسم الدراسي 2003/2004 بتنسيق مشترك بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بغاية التعميم بجميع مدارس السلك الابتدائي في أفق 2010، فتمت الدعوة من خلال المذكرة الوزارية 108 الصادرة في شتنبر 2003 إلى إدماج اللغة الأمازيغية في القسم الأول من التعليم الابتدائي، تلتها مذكرات أخرى أهمها المذكرة الوزارية 82 الصادرة في يونيو 2004 والتي دعت إلى تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأساتذة في بيداغوجية و ديداكتيك اللغة الأمازيغية بمعدل 3 دورات تكوينية في السنة فيما مجموعه 15 يوما تكوينيا/سنة، إضافة إلى المذكرة الوزارية 90 والتي صدرت في شتنبر 2006 ومن بين أهم ما دعت إليه هو الحث على دفع التكوينات إلى الأمام مع إضافة اللغة الأمازيغية إلى منهاج التكوين الأساسي لأساتذة التعليم الابتدائي، كما أن دستور فاتح يوليو 2011 في الفصل 5 أعطى للغة الأمازيغية صفة اللغة الرسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية مع الإشارة إلى أن تفعيل هذا الطابع الرسمي سيتم وفق قانون تنظيمي يحدد مراحل و كيفيات إدماج اللغة الأمازيغية في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها.

وانطلاقا مما سبق ومن أجل تحليل موضوعي يثمن الإيجابيات ويضع الأصبع على مكامن الخلل بغية معرفة واقع حال لغة أمازيغية تحتضر على أبواب المدرسة المغربية بعد 11 عاما من التجربة ومن الأخذ والرد، سأحاول في هذه المقالة المتواضعة أن أشير في المحور الأول إلى مجموعة من الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة التربية الوطنية من حيث عدد المؤسسات التي تدرس فيها اللغة الأمازيغية وعدد المستفيدين من هذه العملية، بالإضافة إلى عدد الأساتذة المتخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية مع إعطاء رقم تقريبي للخصاص على المستوى الوطني، كما ستكون لنا إطلالة سريعة لفحوى المنهاج و محتوى الكتاب المدرسي، وفي المحور الثاني سأعرض أهم ما توصلت إليه بعض الأبحاث الميدانية التي أنجزت في الموضوع، وفي الأخير سأحاول تقديم مجموعة من التوصيات.

I- الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية الوطنية

أولا: عدد المؤسسات التي تدرس فيها اللغة الأمازيغية

 جاء في إحصائيات وزارة التربية الوطنية أن الانطلاقة الفعلية لتدريس اللغة الأمازيغية بالسلك الابتدائي كانت ب 317 مؤسسة تعليمية خلال الموسم الدراسي 2003/2004، ووصلت إلى 4.000 مؤسسة خلال الموسم الدراسي 2011/2012، أي خلال 8 مواسم دراسية تلت الانطلاقة تم إدراج اللغة الأمازيغية في 3683 مؤسسة جديدة بمعدل سنوي متوسط يقارب 460 مؤسسة/سنة، علما أن عدد مؤسسات التعليم الابتدائي بلغ 9915 مؤسسة بما فيها 2374 مؤسسة خصوصية خلال الموسم الدراسي 2013/2014.

ثـانـيـا: عدد التلاميذ المستفيدون من عملية إدماج اللغة الأمازيغية بالسلك الابتدائي

أشارت إحصائيات وزارة التربية الوطنية للموسم الدراسي 2011/2012، أن عدد التلاميذ اللذين درسوا اللغة الأمازيغية بلغ 545.000 تلميذ(ة)، أي بنسبة تقارب 15% من مجموع التلاميذ البالغ عددهم 4.016.934 تلميذ(ة) خلال نفس الموسم الدراسي،على أن يصل العدد إلى مليون تلميذ في الموسم الدراسي 2012/2013، ونشير أن العدد الإجمالي للتلاميذ بالسلك الابتدائي وصل حاليا إلى 4.030.142 تلميذ(ة) على مستوى التراب الوطني حسب موجز إحصائيات التربية 2013/2014.

ثـالـثـا: منهاج اللغة الأمازيغية والكتاب المدرسي

لقد تم إعداد منهاج اللغة الأمازيغية والذي يتضمن المرتكزات والمبادئ والأهداف والاختيارات الأساسية المتعلقة بتدريس هذه المادة منذ سنة 2002 بتنسيق بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومن  بين ما نص عليه “أن اللغة الأمازيغية لغة وطنية تدرس لجميع المغاربة على مستوى التراب الوطني وتعمم على كافة أسلاك التعليم مع مراعاة خصوصيات المتعلمين”، كما أن الهدف من تدريس اللغة الأمازيغية حسب منطوق المنهاج هو “تنمية الكفايات التواصلية عند المتعلم، بالإضافة إلى الكفايات الإستراتيجية والثقافية والمنهجية وفق ما يسمح به نمو المتعلم”، وهي توجيهات وطنية رسمية وحاسمة لا تقبل التأويل ولا المماطلة كما هو عليه الحال من قبل المتدخلين المباشرين والغير المباشرين في الحقل التربوي والتعليمي ببلادنا، ومن هنا وجب الضغط والعمل على تحقيق المبادئ الأربعة المتمثلة في مبدأ التوحيد والإجبارية ثم التعميم والشمولية وهي المبادئ التي رفعتها الحركة الأمازيغية في تعاطيها مع موضوع اللغة الأمازيغية وكيفيات إدماجها في التعليم المغربي.

وفي ما يخص الكتاب المدرسي الأمازيغي يشير منهاج اللغة الأمازيغية إلى ضرورة وضع كتب مدرسية موحدة مع تكييف معجمها مع الخصوصية الجهوية للغة كلما كان ذلك ضروريا مع العمل بالتدريج على بناء لغة معيارية موحدة استنادا على البنيات اللغوية المشتركة بين فروع اللغة الأمازيغية مع إعطائها الأولوية في وضع الكتب المدرسية، وقد قامت وزارة التربية الوطنية بتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بإصدار الكتاب المدرسي للسنة الأولى من التعليم الابتدائي ” Tifawin a tamazight” تلاه إصدار الكتب المدرسية لجميع مستويات السلك الابتدائي مع دليل الأستاذ، واعتمد في صياغة هذه الكتب على بيداغوجية الكفايات المعتمدة في برامج التعليم بالمغرب، وحسب دراسة لفاطمة أكناو حول الكتاب المدرسي للسنة الأولى ورد فيها أن هذا الكتاب “يستجيب لمنهاج اللجنة الوزارية المكلفة بإعداد برامج تعليم اللغة الأمازيغية، بحيث نجده يتكون من اثني عشر وحدة تربوية موزعة زمنيا على أسبوعين لكل  وحدة تربوية، وقد خصصت أربع أسابيع كاملة للدعم والحصيلة، كل وحدة تربوية تبدأ بمدخل استعراضي متبوع بحملة من الأنشطة حول التواصل والقراءة والكتابة ثم التوظيف أو الاستعمال اللغوي الذي تمرر أثناءه بكيفية ضمنية مجموعة من القواعد النحوية والصرفية. كماأن هناك مجالا لمختلف الألعاب التربوية والنصوص الثقافية”.

 إلا أن هذه الكتب المدرسية لا تخلو من نواقص من جوانب عدة لعل أهمها: الاستمرار في اعتماد كلمات مستوردةمن اللغة العربية رغم وجود المصطلح الأمازيغي الأصلي الموافق كاستعمال “ism in tariq” بدلا من “assav inu tariq” على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى تجاهل محتوى بعض النصوص للتاريخ و الموروث الثقافي والحضاري الأمازيغي والاقتصار على إنجاز ترجمة لنصوص عربية، كما أن منهجية تدريس الأمازيغية داخل الفصل الدراسي بالاعتماد على المراحل والتقسيم الديداكتكي للوحدات المدرج في الكتب المدرسية يفتقر للبعد الاستراتيجي وللهندسة الديداكتيكية للتعلمات المراد إرساؤها أفقيا وعموديا على طول السنة الدراسية ولا يعدو أن يكون نسخة مبتذلة لمنهجية تدريس اللغة العربية بالرغم من اختلاف مُدخلات ومُخرجات اللغتين منهجيا و تركيبيا.  

رابـعــا:عدد مدرسي اللغة الأمازيغية

عملت وزارة التربية الوطنية حسب المعطيات المصرح بها، على تنظيم دورات تكوينية في بيداغوجية و ديداكتيك اللغة الأمازيغية لفائدة أكثر من 12.000 أستاذ(ة)، و 300 مفتش(ة) و 75 أستاذ(ة) كمكونين في مراكز أساتذة التعليم الابتدائي (المراكز الجهوية للتربية و التكوين حاليا). وتجدر الإشارة أن هذه الدورات التكوينية توقفت منذ سنة 2008 رغم صدور المذكرة الوزارية 130 التي تحث على تنظيمها بصفة دورية، و عملت الوزارة حسب تصريحات لوزير التربية الوطنية السابق محمد الوفا على إسناد تدريس اللغة الأمازيغية للمستفيدين و المستفيدات من التكوين الأساس و المستمر في الأمازيغية، إضافة إلى العمل بصيغة الأستاذ المتخصص و ذلك من خلال التفرغ التام للأساتذة المعنيين و تخصيص غلافهم الزمني كاملا لتدريس الأمازيغية، على أن يستفيد كل فصل دراسي من 3 ساعات من اللغة الأمازيغية أسبوعيا.

و تجدر الإشارة أن عددا من النيابات التعليمية عملت على إلغاء تكليفات عدد كبير من الأساتذة المكلفين بتدريس اللغة الأمازيغية على أساس تغطية الخصاص الحاصل في تدريس اللغة العربية أو اللغة الفرنسية، و بالموازاة عملت الوزارة خلال الموسم الدراسي 2013/2014 على تعيين الفوج الأول من الأساتذة المتخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية البالغ عددهم 80 أستاذ(ة)، و الذين استفادوا من سنة تكوينية بالمركز الجهوي للتربية و التكوين بأكادير أو مكناس، وتم انتقاء 80 أستاذ في مباراة ولوج أساتذة التعليم الابتدائي تخصص أمازيغية خلال نفس الموسم الدراسي وتم تعيينهم خلال الموسم الحالي 2014/2015  وهي العملية التي أثارت حفيظة الأساتذة المتخرجين بسبب اتسامها بالعشوائية و عدم اعتماد الوزارة على خريطة مدرسية خاصة بالأمازيغية وعدم احترام المذكرة الإطار و التي تنص على تعيين الأساتذة المتخصصين في الأمازيغية خريجي المراكز بالمدارس التطبيقية و حسب الأولوية، كما تم انتقاء 120 أستاذ(ة) في مباراة ولوج أساتذة التعليم الابتدائي تخصص أمازيغية على أن يستفيدوا خلال الموسم الحالي من سنة تكوينية ليتم تعيينهم خلال الموسم الدراسي المقبل 2015/2016.

اعتمادا على المعطيات السابقة و لتحديد الخصاص بشكل تقريبي في عدد الأساتذة المتخصصين في تدريس الأمازيغية، و إذا اعتمدنا معدل 28 تلميذ للمدرس الواحد و للقسم الواحد، على اعتبار أن مؤشر الاستعمال حسب موجز إحصائيات التربية 2013/2014 بلغ 28،5 تلميذ/للقسم الواحد و 27،5 تلميذ/للمدرس الواحد، و إذا أخدنا 18 ساعة/الأسبوع كحيز زمني مخصص لكل أستاذ بمعدل 3 ساعات لكل فصل دراسي، فإن كل أستاذ متخصص في الأمازيغية سيتكلف بتدريس 6 فصول دراسية بمعدل متوسط سيبلغ حوالي 168 تلميذ/للمدرس الواحد،  و إذا علمنا أن عدد التلاميذ بالسلك الابتدائي بلغ خلال الموسم الماضي 4.030.142 تلميذ(ة)، و إذا اعتبرنا هذا العدد ثابت على أساس أن منحنى تغير تسجيلات التلاميذ الجدد عن كل سنة شبه ثابت، وأخذنا بعين الاعتبار أن جميع التكليفات الحالية بتدريس الأمازيغية هي مجرد تكليفات مؤقتة قابلة للإلغاء في أية لحظة كما وقع في الموسم الماضي في عدد من النيابات، و بالتالي فإن العدد اللازم من الأساتذة المتخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية لتغطية جميع مؤسسات السلك الابتدائي على مستوى مجموع التراب الوطني هو حوالي 23.989 أستاذ(ة)، و إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد الأساتذة المتخصصين الذين تم تعيينهم و البالغ عددهم 160 أستاذ(ة) فإن الخصاص الفعلي من حيث الموارد البشرية اللازمة هو 23.829 أستاذ(ة)  خلال السنة الجارية،  في مقابل 23.709 أستاذ(ة) خلال الموسم القادم.  

II- دراسات وأبحاث ميدانية

لقد أنجزت مجموعة من الأبحاث والدراسات الميدانية حول موضوع تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية، ويمكن إيجاز أهمها فيما يلي:

أولا: تم إنجاز دراسة حول درجة التحصيل لدى المتعلمين والمتعلمات في القراءة والتعبير الكتابي والشفوي بالمستويين الرابع والسادس في اللغة الأمازيغية في إطار برنامج عمل مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لسنة 2012 بشراكة مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة درعة، وأهم ما خلصت إليه هذه الدراسة هو ضرورة تحقيق الجودة في التعلمات وفي أساليب تدريس مختلف مكونات اللغة الأمازيغية بإعداد البرامج والحوامل الديداكتيكية المناسبة والعمل على تنويع مصادر المعلومات وطبيعتها على المستوى الكمي والكيفي، علاوة على توفير تكوين أساسي ومستمر يؤهل المدرسين للقيام بمهامهم في أحسن الظروف مع السعي نحو توسيع نطاق التقويم التشخيصي ليشمل كافة أكاديميات التربية والتكوين.

ثـــانـيــا: قام الباحث التربوي امحمد عليلوش بإنجاز بحث ميداني شمل 9 نيابات تعليمية بمختلف الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين بالمغرب، و قد توصل إلى وجود هوة عميقة جدا بين القول و الفعل، كما أن هناك خلل و ارتجالية في الممارسات الصفية، كما خلص الباحث إلى وجود نواقص تواجه إنجاح تجربة تدريس الأمازيغية أهمها: إصدار قرار تدريس اللغة الأمازيغية دون العمل على تهيئة الشروط و تخصيص الإعتمادات و الوسائل المطلوبة لتحقيق هذا المشروع، عدم قيام الوزارة الوصية بمساءلة الأكاديميات و النيابات التي تمتنع عن تنفيذ مضامين المذكرات الوزارية المتعلقة بتدريس الأمازيغية، و عدم تفعيل جهاز مركزي يراقب و يتابع تدريس الأمازيغية، إضافة تسجيل تراجعات فيما يخص تدريس الأمازيغية في عدد كبير من المدارس و التي كانت تدرس فيها من قبل، علاوة على استمرار تعامل المسؤولين التربويين مع مادة الأمازيغية كما لو أنها ذات وضعية “غير واضحة” في التعليم و بالتالي تخصيص حصصها في أغلب المدارس للتقوية و الدعم لمواد أخرى بالرغم من صدور مذكرات واضحة.  

ثـــالــثــا: في ملف تحت عنوان “حصيلة عشر سنوات من تدريس اللغة الأمازيغية..واقع هش و أفاق غامضة”، حاول الأستاذ لحسن بازغ تقديم تقييم موضوعي لعشر سنوات من التجربة ليخلص إلى مجموعة من الأسباب التي تكمن حسب رأيه وراء تعثر تدريس الأمازيغية بالمدرسة المغربية و يمكن إجمالها فيما يلي: ضعف التكوين وعدم نجاعته، صدور مجموعة من المذكرات الوزارية لكن الأكاديميات و النيابات لم تعمل على أجرأتها، إضافة إلى قلة الموارد البشرية و الكتب المدرسية و ما يطرحه هذا المشكل من إشكاليات فيما يخص المواضيع المدرجة و أساليب التلقين، كما لم يتم فتح مجال التأليف المدرسي للغة الأمازيغية أمام الكفاءات التي لها تجربة و خبرة ميدانية في التأطير و التدريس، علاوة على إشكالية تعويم ملف تدريس الأمازيغية بانعدام المُخاطب على المستوى المركزي و عدم رغبة أي طرف في تحمل المسؤولية و هو ما يمكن تفسيره بغياب سياسة لغوية من شأنها تحديد مهمة الأمازيغية في التدريس، كما أن عملية إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية تم بدون توفير الأرضية اللازمة حيث لم تسبق أو تواكب العملية حملات تحسيسية و إعلامية و لم يتم تعبئة كافة المتدخلين بشكل إيجابي و هو ما يُفسر بغياب الدعم و التتبع من طرف الإدارة المركزية بالرغم من كون العملية ذات صبغة وطنية.    

III- توصيات

إن الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة التربية الوطنية مقارنة مع واقع الحال و الدراسات و الأبحاث المنجزة في الموضوع، جاءت كاريثية و صادمة و مخيبة لآمال فئة عريضة من الأمهات و الآباء و كذا للفعاليات الأمازيغية، واللذين كانوا جميعا يمنون النفس بضمان الأمن الثقافي و اللغوي لفلذات أكبادهم من خلال التعميم الأفقي و العمودي للغة الأمازيغية في المنظومة التربوية، و هو واقع يضع عملية تدريس الأمازيغية في نفق اللغات المهددة بالانقراض على مستوى الفصول الدراسية، إذا لم يتم التدخل و بشكل سريع لتحصين المكتسبات و الدفع قدما و بحزم نحو تحقيق مبدأ الإلزامية و التعميم و الشمولية على اعتبار أن مبدأ التوحيد و من خلال ما أُنجز إلى حد الآن أعطى إشارات مظمئة، و على ضوء المستجدات و ما سبق، هذه مجموعة من التوصيات و التي يمكن اعتبارها كنقط مفاتيح لرسم معالم مستقبل تدريس اللغة الأمازيغية بالسلك الابتدائي في أفق التعميم على مستوى السلك الإعدادي و الثانوي:

أولا: يجب الضغط على وزارة التربية الوطنية و الحكومة المغربية كي تحترم الدستور المغربي باعتباره القانون الأسمى للبلاد، و تعمل على تنفيذ التوجيهات الرسمية في ما يخص ملف تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية من خلال وفاء الوزارة الوصية بالتزاماتها كاملة غير منقوصة في ما يخص تنفيذ مضامين منهاج اللغة الأمازيغية، من خلال تدعيم البنية التحتية بالعدة الديداكتيكية المساعدة و توفير الموارد البشرية المؤهلة الكافية مع تخصيص إعتمادات مالية مهمة تسمح بتمييز إيجابي للغة الأمازيغية داخل الحقل التربوي مع اقتران كل ذلك بعملية التتبع و التقويم على المدى القصير و المتوسط و الطويل، كما يجب على الوزارة العمل على مساءلة الأكاديميات الجهوية و النيابات الإقليمية كلما تبين أن هناك تقاعس في تنفيذ مضامين المذكرات الوزارية من أي جهة كانت، عبر تفعيل عمل الخلية المكلفة بتدبير و تتبع عملية تدريس الأمازيغية على المستوى المركزي و الجهوي و على مستوى النيابات الإقليمية.

ثانيا: يجب على وزارة التربية الوطنيةتوفير الموارد البشرية اللازمة، حيث أن الوثيرة الحالية أي تعيين 120 أستاذ في بداية كل موسم دراسي جديد لن تمكن من تعميم تدريس اللغة الأمازيغية على مستوى السلك الابتدائي باعتماد صيغة الأستاذ المتخصص إلا بعد مرور حوالي 198 سنة أي مع بداية الموسم الدراسي 2212/2213 علما أن الخصاص الحالي في عدد الأساتذة يقارب 23.829 أستاذ(ة)، وفي حالة عملت الوزارة على إدماج الأساتذة الذين استفادوا من دورات تكوينية والمقدر عددهم ما بين 1200 و 1400 أستاذ(ة)، فإن عملية التعميم ستستلزم ما بين 76 سنة إلى 98 سنة، ومنه فعلى الفعاليات والمنظمات الأمازيغية والديمقراطية التكتل والضغط على الدولة المغربية ووزارة التربية الوطنية المشرفة على القطاع من أجل أن تعمل على جعل تدريس مادة اللغة الأمازيغية إجباريا لكل الأساتذة الذين استفادوا سواء من التكوين الأساس على مستوى المراكز الجهوية للتربية والتكوين أو الذين استفادوا من دورات تكوينية على مستوى النيابات الإقليمية أو الأكاديميات الجهوية، مع العمل على تنظيم دورات تكوينية جديدة في ديداكتيك وبيداغوجية تدريس الأمازيغية لتشمل باقي الأساتذة مع إدراج مجزوءة التنشيط التربوي وكل ما من شأنه أن يساهم في تجويد العملية التعليمية التعلمية.

ثـالــثـا: إن صياغة مضامين الكتب المدرسية يجب أن يتم وفق مقاربة تشاركية يشارك فيها جميع المتدخلين في المجال التربوي من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي نص عليها منهاج اللغة الأمازيغية، مع العمل على استحضار الموروث الثقافي والحضاري المحلي والوطني لأمازيغ المغرب وشمال إفريقيا في محتوى النصوص المقترحة على المتعلمين، مع الاستعانة بالوسائل التعليمية الحديثة وطرائق التدريس الجديدة ذات المردودية والجودة العالية، بالإضافة إلى أهمية الانفتاح على البعد الإفريقي والحضارة العالمية بدمج القيم الكونية ومنظومة حقوق الإنسان في الموارد المراد إرساؤها حسب ما يسمح به نمو الطفل مع مراعاة حاجياته واستعداداته النفسية الحركية والعقلية.

رابــعــا: إن عملية تدريس اللغة الأمازيغية هي مسؤولية وطنية على الجميع أن ينخرط ويعمل على إنجاحها، وذلك لن يتم إلا إذا توفرت الإرادة السياسية من خلال إخراج القانون التنظيمي للأمازيغية بجعله ضمن أولويات الأجندة التشريعية للحكومة، مع تبني إستراتيجية تنمية اللغات بالمغرب على قاعدة الديمقراطية الثقافية واللغوية، والعمل على ضمان الحماية القانونية للأمازيغية والتي كرستها دستور يوليو 2011 من خلال التنصيص على اللغة الأمازيغية لغة رسمية لجميع المغاربة، كذلك يجب العمل على خلق مناخ ثقافي مساعد من خلال فتح حوار وطني يجوب جميع مناطق المغرب تواكبه حملات تحسيسية وإعلامية لتبيان أهمية الأمازيغية كإرث حضاري وكوني وكرصيد لا غنى عنه للمخيال الجمعي للمغاربة أجمع، وبالتالي العمل على تغيير الذهنية السائدة لدى العديد من الموطنين والموطنات والمتسمة بالنفور الغير المبرر والمبني على أحكام قيمة أو المتسم بنزعة قومية ثقافية أو إيديولوجية أو سياسية معادية.

mustapha.merouan@gmail.com

المراجع:

– مسار اللغة الأمازيغية الرهانات والإستراتيجيات. احمد بوكوس

–  موجز إحصائيات التربية 2012/2013، وزارة التربية الوطنية.

– موجز إحصائيات التربية 2013/2014، وزارة التربية الوطنية.

–  وثيقة منهاج اللغة الأمازيغية، وزارة التربية الوطنية.

– منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

– فاطمة أكناو، الكتاب المدرسي الجديد “Tifawin a tamazight” مجلة “inghmisen n usinag” العدد 2، ماي 2004.

– حصيلة تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية بعد ثمان سنوات من التجربة، امحمد عليلوش.

-حصيلة عشر سنوات من تدريس اللغة الأمازيغية.. واقع هش وأفاق غامضة، لحسن بازغ.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *