سكان شمال إفريقيا أمازيغ وليسو عربا لمجرد أن بعضهم يتحدث العربية
أولى الدكتور الإسباني المتخصص في علم الوراثة البشرية، الدكتور أنطونيو أرنايث فيينا، أهمية بالغة للعلاقات الإيبيرية الأمازيغية، ونشر العديد من الكتب حول القرابة الوراثية والأنثروبولوجية واللغوية بين الأمازيغ والإيبيريين، بما في ذلك كتاب “المصريون، الأمازيغ،الكناريون والباسك”. وقد أشرف على تأطير 48 رسالة دكتوراه، العديد منها في نفس موضوع تخصصه، وقام بنشر أكثر من 352مقالا، منها16 في مجلات دولية حول العلاقة بين شبه الجزيرة الإيبيرية والأمازيغ.
جريدة “العالم الأمازيغي” تقربكم أكثر من الدكتور أنطونيو أرنايث فيينا، وتعرفكم على نظريته الجديدة بخصوص العلاقات الأمازيغية الإيبيرية.
بداية دكتور أنطونيو أرنايث، نود أن نعرفكم أكثر على قراء العالم الأمازيغي، ما هو بالضبط مجال تخصصكم ؟
أستاذ بجامعة كومبلوتنسي بمدريد، تخصص علم الوراثة السكانية، حصلت على الدكتوراه بنفس الجامعة، وتابعت دراستي بعد ما بعد الدكتوراه في المملكة المتحدة، وبعد عودتي إلى مدريد بعد حوالي تسع سنوات من التخصص في الدراسات الجينية، فتحت عددا من التخصصات في مجال التحليل الطبي، بجامعات مدريد ومستشفياتها، وقمت بإجراء دراسات كثيرة حول جينات الشعوب، خاصة الشعب الأمازيغي.
لماذا تم التركيز في دراستكم على الشعب الأمازيغي دون غيره؟
جاء اختياري للشعب الأمازيغي من أجل إجراء دراساتي الجينية، نظرا للتشابه الجيني الكبير بين شعوب شمال إفريقيا وشعوب شبه الجزيرة الإيبيرية، كما أن كثيرا من المهتمين بالعلاقات الإيبيرية الأمازيغية كانوا يعتقدون أن سكان شبه الجزيرة الإيبيرية جاؤوا إليها من شمال إفريقيا، ما دفعني إلى إجراء عدد من المقارنات الجينية بين الأمازيغ والكناريين، والإيبيريين والمصريين وغيرهم.
هل كانت هناك دراسات سابقة اعتمدت عليها خلال مقارنتك بين جينات الأمازيغ والإيبيريين، وما هي المعايير التي اعتمدتها في البحث؟
في البداية قبل اكتشاف الجينات، كانت هناك دراسات عامة، أجريت حول المجموعات الدموية، وأظهرت هذه الدراسات انتشار الريزوس السالب (Rh-) بكل من إسبانيا، البرتغال، والجزر البريطانية، وبدرجة أقل في جزر الكناري، وفي نفس الوقت لوحظ انتشار هذه الفصيلة الدموية عند الطوارق في الصحراء الكبرى.
وبعد تطور الطب وظهور ما يسمى بزراعة الأعضاء، كان لابد من مقارنة بروتينات المركب الرئيسي للتلاؤم النسيجي (hla) بين المانح للعضو البشري ومستقبله، وهذا المركب عبارة عن بروتينات تتحكم في تركيبها مورثات جينية، وخلال الفحوصات بدأ يظهر ذلك التقارب الجيني بين الأمازيغ والإيبيريين بما فيهم البرتغاليون، الباسك وبقية الشعوب الإسبانية، وكذا بعض الشعوب المتوسطية الأخرى.
وخلال تسعينيات القرن الماضي بدأت دراساتي الجينية حول الشعب الباسكي، ومقارنتها مع المركبات الجينية للشعب الأمازيغي، فأظهرت النتائج تقاربا كبيرا بين جينات الشعبين، كما أجريت مؤخرا عدد من الدراسات من طرف عدد من الباحثين بكل من سويسرا وبرشلونة وتونس، ووصلوا إلى نفس النتائج.
كيف تفسرون هذا التشابه الجيني بين الإيبيريين والأمازيغ؟ أيعني ذلك أن الأمازيغ هاجروا نحو إيبيريا أم العكس؟
من الصعب تحديد مسار الهجرة بين الضفتين، نظرا لضيق المسافة بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق، إلا أن الدراسات الأنتربولوجية تشير إلى أن ظاهرة التصحر التي عمت الأراضي الخصبة بالصحراء الكبرى منذ 10 آلاف سنة، دفع سكان شمال إفريقيا إلى الهجرة من الجنوب نحو الشمال.
أعتقد أن هذا هو التفسير الأكثر منطقية لحد الآن، إلا أن الهجرة عرفت مدا وجزرا على مر التاريخ بين الضفتين.
وقد عانى الشعب الباسكي حتى قبل مجيء الديكتاتور فرانكو من هيمنة اللغة القشتالية التي كان يفرضها الملوك عليهم، وهو نفس المشكل الذي عاناه الأمازيغ في شمال إفريقيا في ظل الأنظمة العروبية.
هناك من يقول بأن الأعراق في العالم اليوم اختلطت، ولم يعد بإمكاننا الحديث عن عرق خالص، كيف تردون على ذلك؟
إن الدراسات الجينية التي تقول باختلاط الأعراق غير موضوعية وليس لها مصداقية، لأنها لا تحترم معايير البحث في هذا المجال، فتقوم بانتقاء العينة موضوع البحث من العواصم الكبرى التي تتكون فعلا من خليط من الأعراق.
فمثلا إذا اخترت أحد أفراد العينة المدروسة من مدينة كمدريد، فمن المحتمل جدا أن تحمل جيناته خليطا من الأعراق الباسكية والكتلانية، أو حتى الهندوأمريكية، وبالتالي لن تسطيع تحديد أصوله، بخلاف إذا اخترت واحدا من منطقة معزولة في الجبال أو الصحراء سكانها لا يتزاوجون إلا فيما بينهم، فمن المؤكد أن تحدد بسهولة انتماءه العرقي.
نفس الشيء بالنسبة للعاصمة الرباط، يصعب فيها تحديد العينة المدروسة، إذ أنها تضم خليطا من الأجناس والأعراق.
كيف تلقى الشعب الإيبيري نتائج هذه الدراسات التي تفيد انتماءه لشمال إفريقيا؟ ألا تجد معارضين لهذه الفكرة؟
لا، ليس هناك من يعارض نتائج الأبحاث العلمية في إسبانيا، خاصة وقد سبق للباحث الباسكي سابيرو أرانا، مؤسس القومية الباسكية المعاصرة، أن أنجز دراسة منذ زمن بعيد، تفيد بأن اللغة الباسكية تتشابه كثيرا مع اللغة الأمازيغية على مجموعة من المستويات.
هكذا فقد مهدت دراسة سابيرو لفكرة التقارب الجيني بين الشعبين، وهذا على المستوى الأكاديمي لا يطرح أي إشكال.
بعد الصراع الطويل الذي عرفته ضفتي المتوسط على مر التاريخ، هل بإمكان هذه الاكتشافات الجديدة أن توحد بين شعوب الضفتين؟
في الحقيقة، ما يفرق بين الشعوب ويعزلها عن بعضها ليس الحدود الجغرافية من جبال وبحار كما هو شأن الحدود بين أوروبا وآسيا، أو شمال إفريقيا وأوروبا، وإنما ما يفرق الدول ويجعلها في صراع بينها هي الحدود السياسية الوهمية.
لذا فإن هذه النتائج التي توصلنا إليها من شأنها أن تعيد توحيد الشعوب التي شهدت كثيرا من الصراع بسبب معتقداتها العرقية والدينية.
في المغرب والجزائر وتونس وليبيا يعتقد معظم الناس أنهم عرب، وأنهم أتوا إلى شمال إفريقيا من اليمن عبر الحبشة، ما رأي العلم في هذا المعتقد؟
أبدا لا يمكن لأقلية صغيرة هاجرت إلى شمال إفريقيا أن تأثر جينيا في شعب بأكمله، وقد أثبتت الدراسات الجينية الحديثة أن الأغلبية الساحقة من سكان شمال إفريقيا أمازيغ، ونسبة العرب فيها تكاد تكون منعدمة.
لأنه على عكس ما روج له الأنتروجولوجي الإيطالي كافالي سفورذا، الذي ربط مباشرة بين الجينات واللغات بهدف أغراض سياسية، فإن الجينات لا تربطها أية علاقة مع اللغات المتداولة، إذ أن هذه الأخيرة يتم فرضها بالقوة حسب النظام السياسي القائم، بينما الجينات تبقى مستمرة، وبالتالي فسكان شمال إفريقيا أمازيغ تم فرض العربية عليهم بسبب تأثيرات سياسية ودينية.
إذا قارنا مثلا الشعبين الإغريقي والتركي، نجد أن الأتراك أقرب جينيا لشعوب البحرض الأبيض المتوسط من الإغريق الذين يعود أصلهم لإفريقيا جنوب الصحراء، إلا أن لغة الأتراك أبعد ما تكون من الحوض المتوسطي، وتعود إلى اللغات الشرق-آسيوية.
هذا الفصل بين الدلالات الجينية واللغات المتداولة في بعض الدول جر على الكثير من المشاكل، لرغبة بعض الدول في فرض الهيمنة اللغوية لصالح أقلية معينة، مثلما حدث في أمريكا الجنوبية، التي أطلق عليها اسم إسبانو-أمريكا، رغم كون أن أغلب سكانها من السكان الأصليين الهيندوأمريكيين، والأفارقة الذين كانوا يستعملون كعبيد، بالإضافة إلى الإسبان وبقية الأوروبيين، فلا يمكن بالتالي أن ندخل هذه الأعراق جميعا تحت مسمى الإسبان، بمجرد أنهم يتحدثون الإسبانية.
نفس الشيء بالنسبة لأمازيغ شمال إفريقيا، لا يمكن أن نسميهم عربا لمجرد أن بعضهم يتحدثون العربية.
كخلاصة هل يمكننا القول بأن الإيبيريين أصلهم أمازيغ من الصحراء الكبرى؟
عندما تعرضت الأراضي الخصبة بشمال إفريقيا للتصحر، وانخفضت درجات الحرارة بأوروبا الشمالية بسبب التغيرات المناخية، وجد الإنسان في الحوض المتوسطي فضاء مناسبا لبناء حضارة متطورة خاصة بعد اكتشاف الزراعة، التي ساعدت كثيرا على التأسيس لثقافة متوسطية مشتركة، وما كان لذلك من أثر في التفكير فيما بعد الموت والجنة وبناء الأهرامات، وملؤها بالذهب والخمور التي اخترعها سكان شمال إفريقيا بعد تحقق فائض في إنتاج الحبوب والكروم.
وبالتالي فإن الفضل في بناء الحضارة المتوسطية الكبيرة يعود لأمازيغ شمال إفريقيا.
إلا أن ظهور الحضارات الإغريقية والرومانية والعربية، قامت بطمس الحضارات الغرب متوسطية، الأمازيغية والإيبيرية. معنى هذا أنه إذا كان هناك من مسؤول عن طمس الحقائق التاريخية لحضارة الأمازيغ والإيبيريين، فهو هذه الحضارات التي تعاقبت على استعمار شمال إفريقيا وشبه الجزيرة الإبيرية.
حاورته: أمينة ابن الشيخ