يجمع جل خبراء القانون الدستوري بالجزائر على أن التعديلات المدرجة في مسودة الدستور المطروح للنقاش، ليست بالعمق الذي تحدث عنه الرئيس بوتفليقة في خطابه، ولا بالمواصفات التي ذكرها في كلمته بمناسبة أدائه اليمين الدستورية.
ولم تتطرق التعديلات المقترحة في المسودة التي سلمت للأحزاب تمهيدا للشروع في المشاورات، إلى طبيعة النظام السياسي، كما لم تضف صلاحيات مؤثرة للوزير الأول الذي بقي مجرد منسق بين الوزراء، ما كرّس النظام الرئاسي القائم، وحتى إن تمت الإشارة لعودة للعمل بنظام العهدتين الرئاسيتين مع إعطاء بعض الصلاحيات لغرفتي البرلمان، فإن ذلك لم يقنع الطبقة السياسية ولا حتى الأوساط الإعلامية، بـ”عمق” المراجعة الدستورية، حسب مواقفها الأولية.
ويطرح الاعتقاد بـ”سطحية” التعديلات جملة من التساؤلات حول الآلية التي سيتم الاحتكام إليها في إقرار الدستور الجديد. هل سيكتفي رئيس الجمهورية بعرضها على غرفتي البرلمان في ظل الاعتقاد بسطحيتها؟ أم أنه مقتنع بأن التعديلات “عميقة”، ومن ثم يتعين عرضها على الجزائريين للاستفتاء عليها؟
المتعارف عليه هو أن التعديلات العميقة هي التي تمس التوازنات بين مؤسسات الدولة، كأن يعاد النظر في صلاحيات الجهاز التنفيذي لصالح المؤسسة التشريعية في النظام الرئاسي كما هو الحال في الجزائر، أو بالأحرى تغيير طبيعة النظام السياسي، وهو الأمر الذي تم تجاهله تماما في المسودة، وهو مؤشر على افتقاد الوثيقة للتوافق المأمول من قبل السلطة، سيما إذا أضيف له التحفّظ القائم بشأن هوية الشخص المعيّن (أحمد أويحيى) من قبل رئيس الجمهورية لإدارة المشاورات.
ومعلوم أن أغلب المقترحات التي تقدمت بها أحزاب المعارضة لهيئة الحوار التي قادها رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، قبل نحو سنتين، انصبت كلها في مصلحة إقامة نظام برلماني، تماشيا مع الاعتقاد الذي تكرس لدى الأنظمة بشمال افريقيا والشرق الأوسط التي عصف بها الربيع الديمقراطي، بأن النظام الرئاسي لا يقود إلا إلى نظام ديكتاتوري، ومع ذلك لم تجد أثرا لهذا المقترح في مسودة عزوز كردون.
ومن هذا المنطلق، بات التساؤل أكثر من مشروع وهو: هل الرئيس حسم قراره بالاكتفاء بعرض التعديل الدستوري المرتقب على البرلمان دون المرور على الاستفتاء؟ وهنا يقودنا التساؤل إلى سؤال آخر وهو: أي برلمان سيحظى بالمصادقة على التعديل الدستوري؟ هل هو البرلمان الحالي، أم برلمان جديد يأتي على أنقاض البرلمان القائم بعد حله كما يشاع؟
كل التوقعات تشير إلى أن التعديل الدستوري المرتقب، يشكل أولوية في أجندة رئيس الجمهورية مقارنة باحتمال إجراء انتخابات تشريعية مسبقة، ومعنى هذا أن البرلمان الحالي هو ما سيقرر مصير الدستور المعدل، وهنا تبرز إلى الواجهة معضلة أخرى تضاف إلى الانتقادات الموجهة لمضمون “مسودة كردون”، وهي الطعون التي ترافق شرعية غرفتي البرلمان.
فالمجلس الشعبي الوطني كان محل انتقادات شديدة من قبل المعارضة، التي لايزال الكثير من أطيافها يقاطع جلساتها طعنا في مصداقية نواب الشعب، كما أن انتخابات التجديد النصفي للغرفة العليا التي تجرى كل سنتين، لم تسلم أيضا من انتقادات توظيف “الشكارة”، ومن ثم فأي مصداقية لدستور يمرر عبر برلمان مطعون في شرعيته؟
ولعل ما يعزز من غياب الثقة لدى المعارضة في ظل هذه المعطيات، هو تجربتها “المخيبة” مع حزمة قوانين الإصلاحات التي مُرّرت عبر البرلمان السابق، فقد تبين لها أن مقترحاتها التي قدمت لعبد القادر بن صالح، لم يؤخذ بها في الصيغة النهائية، لكونها أخرجت “ممسوخة ومشوهة”.
هذا وتجاهلت مسودة الدستور مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية التي كانت قاسما مشتركا بين جل التشكيلات السياسية على اختلاف مشاربها معارضة كانت أم موالاة، حيث لم تشر المسودة بتاتا إلى هذا المطلب وقضية جعل الأمازيغية لغة رسمية.
عن جريدة الشروق بتصرف من أمادال بريس