ظلت منطقة البوشيرات Alpujarras شرق غرناطة، نظراً لصعوبة تضاريسها وطقسها البارد جداً، ولعقود كثيرة، منطقة فقيرة ومنسية من قِبل الحكومات المركزية بمدريد. وفي القرون الوسطى المتأخرة، بعد سقوط غرناطة في يد الملوك الكاثوليكيين، كانت ملاذاً للمتمردين المسلمين الذين رفضوا الحكم الجديد، حكم الكاثوليك، وبقوا هناك منعزلين.
ونتيجة لعزلتها، احتفظت منطقة البوشيرات بأسلوب حياتها الخاص المتأثر بالثقافة العربية-الأمازيغية إبان حكم المسلمين (اللغة المحلية، اللباس، العادات، تشييد المنازل القروية، الفلاحة، إلخ).
ولأنها كانت تمثل واقعاً “غريبا” داخل الفضاء الأروبي وفي نفس الوقت ذلك “البعيد” الذي أصبح قريباً بالنسبة للباحثين الأروبيين، انهمرت عليها أعداد كثيرة من الأنتروبولوجيين، خصوصاً الأنجلوساكسونيين منهم. وكان تواجد عدد من الباحثين الأنتروپولوجيين في المنطقة مورداً إضافياً ساهم إنعاش الاقتصاد المحلي.
ومع بداية ستينات القرن الماضي، بدأ سكان هذه المنطقة يتأثرون بالتحولات التي بدأت تعيشها إسبانيا، فأخذوا يعوضون بعض الأدوات المنزلية التقليدية بأدوات عصرية مثل موقد الغاز والتلفاز والغراموفون والراديو والساعة الناطقة والدراجة الهوائية إلخ.
ذات يوم تراءى من بعيد لفلاح من المنطقة رجلان بسحنة إنجليزية، فسارع إلى بيته وهو ينادي زوجته: ماريا، ماريا، خبّئي كل الأشياء العصرية الجديدة وضعي محلها الأدوات التقليدية، إن الأنتروپولوجيين قادمون!
قيس مرزوق الورياشي