أخبار عاجلة

خديجة يكن: المرأة الأمازيغية كما حافظت على الهوية عبر الأجيال ستلعب نفس الدور أدبيا (2/2)

خديجة يكن: الأمازيغية نبض حياة ووسيلة لإبراز قيم الإنسانية والجمال والكتابة بها فعل مقاومةنلتقي في هذا الجزء الثاني من الحوار مع الكاتبة الأمازيغية خديجة يكن التي جعلت من الأدب الأمازيغي جسرا بين الماضي والحاضر، وبين الذات والكون، لنغوص أعمق في عوالمها الإبداعية، حيث تؤكد على ان التأليف بالأمازيغية هو دعم للحوار والتعارف بين الثقافات، إذ عبر نبض اللغة الأمازيغية، تنسج الكاتبة قصائدها وسردياتها، فتجعل من كل نص شهادة حيّة على ثقافة نابضة بالحياة والتنوع.

في حديثها، تكشف لنا عن عدم إيمانها بالوصاية في الشعر، وأن إيقاعها الخاص هو قاعدتها الوحيدة، كما تشير إلى أن الأدب الأمازيغي يعرف إقبالا متزايدا من الأقلام النسائية، وأن حضور المرأة في هذا الأدب سيكون ملفتا وقويا مستقبلا.

المرأة الأمازيغية كما حافظت على الهوية عبر الأجيال ستلعب نفس الدور أدبيا

كيف ترين دور الأدب في الحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية؟ وكيف تعبر اللغة الأمازيغية عن هويتك الأدبية والشخصية؟

أي أدب في هذا العالم هو أدب مرتبط بهوية صاحبه. حين نقرأ لغارسيا ماركيز فنحن نقرأ هوية لاتينية، إن أروع الأدبيات العالمية هي أدبيات مرتبطة بهويات محلية لشعوب الأرض. ويليام فوكنر كتب عن ضفاف المسيسيبي، وتعرفنا معه على مزارع وفلاحين وعمال وغيرهم. لقد نقل إلينا أمريكا الجنوبية العميقة، مثلما نقل إلينا غارسيا ماركيز كولومبيا العميقة. رغم الاختلاف وبعد المسافة إلا أن كتابتهما دفعت إلى التعاطف أكثر والتعايش أكثر. والفكرة الهامة جدا هنا، أن ويليام فوكنر وغارسيا ماركيز كتبا بلغتهما المحلية. لقد وصلت إلينا ثقافتهما على جناح الأدب باللغة الأم أولا، ثم تكلفت الترجمة كجسر بين الثقافات بإيصالها للعالم. نفسه الطريق الذي يمشي فيه الأدب الأمازيغي. لقد عبر أبوليوس باللاتينية ولو لم يفصح عن هويته الأمازيغية في كتاباته لأضاع الأمازيغ سبقهم الروائي العالمي. لا يكفي إذن المحتوى الأمازيغي، لابد من اللغة الأمازيغية أن تعبر عن نفسها وعن ذواتنا الحية والفعالة. هذه الفكرة كمثال عبرت عنها في ديواني «توجوت تاقبورت»، يعني الرائحة العريقة، رائحة التراب والزهور البرية للمغرب، ديوان بوحدة موضوعية وهي ثقافة الأرض أو الجغرافيا الأمازيغية.

حين نشتغل أدبيا على اللغة فنحن نحافظ على جزء أساسي من الهوية الثقافية الأمازيغية. من جهة أخرى استثمار الحكايات والأساطير، قيم ورؤى فكرية وحضارية أمازيغية في قوالب أدبية، ينتج أدبا جميلا ببصمة أمازيغية. أما هويتي الشخصية فمتعددة، منها ما هو مرتبط بالوجدان، بالذاكرة، بالروح، بالفكر، بالانتماء الكوني، بالانتماء الجغرافي والحضاري الأمازيغي، بالمجال السوسي، بالمجال البورغواطي، الامتداد الافريقي. لدي رؤيتي المشكلة لهويتي الأدبية، أختار بعناية المعجم اللغوي الذي أوظفه في كتاباتي شعرية كانت أم سردية. قناعاتي الخاصة توجه كتاباتي، وبالتالي أسلوبي الخاص ولغتي الخاصة. مثلا لا أحب تحديد الشعر الأمازيغي في نمط معين فهو سحب للهواء وخنق للشعر الأمازيغي، لا أؤمن بمن يقول هكذا يجب أن يكون الشعر، إيقاعي الخاص هو قاعدتي الوحيدة. قبل أي مشروع أطرح أسئلة تعينني على تحديد شكل عملي أو كيف ستعبر لغتي عن هويتي الأدبية.

برأيك، كيف يمكن للأدب الأمازيغي أن يسهم في تعزيز التفاهم الثقافي والحوار بين الشعوب؟

عالمنا اليوم ينحو أكثر إلى تثمين التعددية. فكرة العولمة الجارفة للهويات الثقافية لم تكن مقنعة. وشخصيا لم أرها حقيقة واقعية إلا لدى من يفتقرون لهوية حضارية فيبخسون من شأن الهويات الأخرى. مجرد تأليف عمل بلغة أمازيغية هو دعم للحوار والتعارف بين الثقافات. فالعالم الطبيعي يريد رؤية جميع لغاته حية ومتفاعلة. الأدب الأمازيغي هو إحدى الوسائل التعبيرية للثقافة الأمازيغية، يمنحها وجودها بين الأمم. أدبنا الأمازيغي غني وأصيل ومتطور وينهل من قيم إنسانية، مما يؤهله لخلق ودعم حوار التعايش والتسامح وتقبل الآخر. في هذا الصدد أتذكر كلمة الشاعر والمسرحي الأمازيغي آفر ترينس القائل «أنا إنسان، لا شيء هو إنساني غريب عني». كلمة عليها أن تكون شعارا في أروقة المنظمات الثقافية والحقوقية العالمية. وبالتالي لدى الأدب الأمازيغي ما يقدمه للعالم، انطلاقا من ثقافة أمازيغية تجعل كرامة الإنسان في صلب أولوياتها الحضارية.

كيف ترين مستقبل الأدب الأمازيغي في ظل التحولات الرقمية والثقافية؟

الحقيقة لا يمكن الحكم على هذه المستجدات الرقمية بوجدان القرن الماضي، فالتطور التكنولوجي محتم وعلى الأدب الأمازيغي مسايرته. لكني حين أتفحص هذا العالم الرقمي أجد أن الأدب المطلوب بين رواد الرقميات من الأجيال الشابة هو أدب سريع كالصورة.

الأدب الذي يحفز التأمل والتوقف للتفكير واستقراء الذات، لا يبدو مغريا. العالم الرقمي خلق تحولات ثقافية، تدعم الجاهز الذي يشد الانتباه بسرعة ويطلقه بسرعة باتجاه منتوج آخر، مثل الوجبات السريعة. يفرض العالم الرقمي أذواقا على حساب أخرى ولا يترك فرص الاختيار. فالخوارزميات اختارت لك وقدمت لك أكثر منتوج استهلاكا. لقد نسينا ما قرأناه بالأمس، نتجاوز الصفحات كما نتجاوز الصور على المتصفحات الالكترونية. قد يخدم العالم الرقمي الكاتب، لكن فقط الكاتب الذي يعرف كيف يسوق نفسه رقميا سيحظى بقدر من القراءة لكتاباته. العالم الرقمي أثر على اللغة، بحيث أحدث لغة رقمية هي الأخرى، تماما كما حصل للغة الانجليزية في بعض الأدبيات التي اشتهرت رقميا قبل أن تتحول إلى كتاب ورقي، فالموضوع هو المهم وأن يقول الكاتب قصته فقط. ولم تعد قوة اللغة أو متانة الأسلوب أمرا يستهوي القارئ الرقمي، الشيء الذي تريد قوله قله بسرعة، فلا وقت لدي ولا طاقة لي في الغوص في المعاني أو التوقف عند أسلوب ما، أو الانبهار بجمال اللغة. ورغم ما يفرضه الرقمي على الأدب والثقافة، لكن ثمة ما يمكن أن يكون ايجابيا في العالم الرقمي، فلا شيء هو سلبي بالكامل.

هل تسعين من خلال أدبك إلى إيصال رسائل معينة أم أن الكتابة بالنسبة لك هي مجرد وسيلة للتعبير عن الذات؟

في بداية مشواري الأدبي، كانت تملؤني رغبة ملحة في إظهار جمال وغنى منتوج لغوي مغربي 100%، وهي اللغة الأمازيغية. ربما لأنها لم تكن مدسترة حينها مما أثر على نوعية الرسالة. فكان مجرد أن أذهب للمكتبة الوطنية للحصول على إيداع قانوني لإصدار ديوان بالأمازيغية هو رسالة. لكن الرسائل تتغير بتغير الظروف والمحيط بأبعاده الذاتية والموضوعية. اليوم بت أفكر في خوض الكتابة لذات الكتابة ولنفسي كذلك. لدي عوالم لم أجربها بعد، قصص لم أحكها بعد، صارت الكتابة لعبة تزخر بالألغاز، صارت تعبيرا عن الوجود، عن الخلق والابداع. أجرب فيها أساليب متجددة. مثلا تجربة شعر الهايكو الياباني باللغة الأمازيغية، خضت هذا الغمار لأني لا أحب تكرار نفسي أدبيا، ولأني أعشق التجريب، والتطلع للعوالم الفسيحة. في السرد ظهرت هذه القناعة في روايتي “Titrit n tiwudc” .

إنها صنف غرائبي، قدمت عالما روائيا بنفس فانتاستيكي، ينهل من الموروث المغربي والتصورات تجاه العوالم غير المرئية. أنظر إلى المجتمع وألتقط نقطه الراسخة في الوعي الجماعي، فأشتغل عليه لتقديمه في نص أدبي. أستقرئ تجاعيد مدينتي الدار البيضاء لأبعث النائم البورغواطي من تحت الإسمنت، كما فعلت في ديوان “Amgun n ddaw iɣrramn” أي النائم تحت المدن. كدنا ننسى هوية الدار البيضاء التي يراد لها أن تكون قطبا اقتصاديا فقط. لقد جعلت من الكتابة وسيلة للخلق، ونفخ الروح على المنسي، ذاك البورغواطي النائم تحت المدينة. أحب مدينتي الدار البيضاء، لقد أهديت لها هذا الكتاب، فهي مدينة فقدت ظلها. منحتها هذا الديوان حتى يصل صوتها الآتي من تحت الإسفلت.

هل هناك لحظة أو تجربة معينة غيرت نظرتك للكتابة أو أثرت في مسارك الأدبي؟

لحظاتي الفارقة كانت حين التقطت نبض الأدب، ورأيت ذاك الضوء ينبثق فجأة كقدر خاص. حصل ذلك، حين قرأت نصا للكاتب الألماني هاينريش بول وأنا في الثانوية، لقد خرست لحظات تملأني الحيرة، ما الذي أسرني في هذا النص. أعدت قراءته لمرات وفي كل مرة لازمتني نفس الدهشة. اقتنعت أخيرا أن البساطة المتينة هي سر تلك القصة. إنه أول من أثار انتباهي إلى سحر القصة. ثم الكاتب المغربي ادريس الشرايبي في روايته «La mère du printemps» وأنا أقراها، شعرت بقطار يجري في دمي، ما الذي يحصل؟؟ تساءلت دون جواب. أعدت قراءة الرواية التي كانت جريئة في طرح موضوع اللقاء الأول بين الغزو العربي والمغاربة. اندهشت للفكرة وللروح الأدبية. ثم التقيت بقصص ويليام فوكنر، هكذا ولدت الدهشة الأدبية، وتأكد لي أن الأدب كائن حي، وأن الكلمات خفقان ونبض. القدر خط لي خطة منذ الطفولة، شيئا فشيئا وبرفق حملني إلى عالم الأدب. كانت لحظات بلورت مفهوم الكتابة لدي، بت أرى الكتابة شيئا عظيما، وأنها ليست نزهة سريعة، بل هي عمل على جميع الجوانب، وأنها لهذه الدرجة تغير من مواقفنا وتخلق أقدارنا.

كيف ترين حضور المرأة في الأدب الأمازيغي اليوم؟ وما هي النصائح التي تقدمينها للكاتبات الشابات؟

الأدب الأمازيغي يعرف إقبالا متزايدا للأقلام النسائية، بل أرى أن حضور المرأة في هذا الأدب سيكون ملفتا وقويا مستقبلا. المرأة الأمازيغية كما لعبت دورا في حفظ ونقل الهوية الامازيغية عبر الأجيال، ستلعب نفس الدور أدبيا. الكلمة التي أحب قولها لهاته الشابات، وأنت تختارين عالم الكتابة فلا شك أنك روح مبدعة، ثقي بنورك وامنحيه للعالم.

إذا كان بإمكانك إعادة كتابة أحد أعمالك، فما هو العمل الذي ستعيدين النظر فيه؟

أرى جميع كتبي مثل أصابع يد واحدة، مختلفين، وجميعهم أضافوا شيئا لرحلتي الأدبية. فكل نصوصي هي تجربة لديها بصمتها بغض النظر عن طريقة تقييمها، وكل تجربة هي مرحلة في طريق نمو مساري الأدبي. بعد صدور الكتاب لا أعيد التفكير فيه، وطبعا تكون لدي بعض الملاحظات، فالكمال الأدبي هدف نسبي. تلك الملاحظات أشتغل عليها في نصوص جديدة. منحت لكل كتاب وقته ومجهوده الخاص. لا توجد نصوص كاملة، لكن يوجد اجتهاد واشتغال مستمر.

هل تعملين حاليا على مشروع أدبي جديد؟ وما هي المواضيع التي تنوين استكشافها مستقبلًا؟

أشتغل على عمل جديد. أما المواضيع التي تشغلني فهي العوالم النفسية للإنسان، تناقضاته العاطفية، الفكرية، الروحية. إني أبتعد لأراقب العالم، وألتقط نبضه العميق لأراه جيدا.

مساحة حرة للتعبير..

شكرا لك على هذا الحوار الشيق الذي أتاح لي فرصة الحديث عن أبعاد مختلفة من رحلتي الأدبية. وشكرا لجريدة العالم الأمازيغي على الاستضافة الطيبة.

خديجة يكن: الأمازيغية نبض حياة ووسيلة لإبراز قيم الإنسانية والجمال والكتابة بها فعل مقاومة (1/2)

حاورها: خيرالدين الجامعي

 المرأة الأمازيغية كما حافظت على الهوية عبر الأجيال ستلعب نفس الدور أدبيا

اقرأ أيضا

خديجة يكن: الأمازيغية نبض حياة ووسيلة لإبراز قيم الإنسانية والجمال والكتابة بها فعل مقاومة

خديجة يكن: الأمازيغية نبض حياة ووسيلة لإبراز قيم الإنسانية والجمال والكتابة بها فعل مقاومة (1/2)

باعتبار الكلمات بوابة عميقة نحو الأرواح والأفكار، وجسرا يتماهى عبره الإبداع مع الإنسانية. اليوم نلتقي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *