سعيد بنيس: العلاقة بين المنظومة القيمية والتنمية تشكل القضايا الجوهرية التي تطرح إشكالات مستوى عيش المواطن

سعيد بنيس

يرى الأستاذ سعيد بنيس أن العلاقة بين المنظومة القيمية والتنمية تشكل إحدى القضايا الجوهرية التي تطرح إشكالات عميقة تتعلق بتحسين مستوى عيش المواطن، وتنظيم العلاقات الاجتماعية، وبناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات. فالتنمية لا يمكن اختزالها في مؤشرات اقتصادية بحتة، بل ترتبط بشكل وثيق بالقيم التي تحكم المجتمع، وتمثل الأساس الذي تبنى عليه السياسات العمومية وآليات التدبير.

من هذا المنطلق، يؤكد أن أي تحول في الاستراتيجيات التنموية يستدعي إعادة النظر في الأهداف، لأن هذه الأخيرة تنبع من “مصفوفة القيم” التي تؤطر كل نموذج تنموي. فالقيم ليست مجرد موجهات أخلاقية، بل هي المحدد الأساسي للآليات التدبيرية والمخرجات التنموية. غير أن التحولات المجتمعية التي شهدها المغرب أظهرت تراجعًا لبعض القيم الرمزية، مثل التسامح والتماسك الاجتماعي، لصالح مطالب مادية أكثر إلحاحًا، كالشغل، والصحة، والتعليم، والعيش الكريم. كما أن بعض المقولات القيمية المؤطرة للمشروع المجتمعي، كالتضامن والتعاون والتكافل، باتت عرضة للتآكل أمام استفحال مظاهر الرشوة، والريع، والمحسوبية، والإقصاء، مما يطرح تحديات كبرى أمام أي نموذج تنموي يروم تحقيق العدالة الاجتماعية.

يشير الأستاذ سعيد بنيس إلى أن الواقع التنموي يكشف عن مجموعة من الإشكالات التي تؤثر سلبًا على منظومة القيم، ومن بينها تفشي البطالة واتساع الفوارق المجالية، وتفاقم العنف وظهور أنماط جديدة من الجريمة، وانتشار ثقافة الكراهية وانحسار الثقة في المؤسسات، وتصاعد الممارسات الارتشائية واستفحال الفساد الإداري، إضافة إلى بروز الاحتجاجات الترابية والمواطنة الافتراضية كآليات ضغط جديدة. كل هذه الإشكالات تعكس وجود أزمة في العلاقة بين الدولة والمجتمع، حيث تتراجع ثقة الأفراد في المؤسسات، خاصة لدى الشباب والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، مما يتطلب إعادة بناء التعاقد المجتمعي وفق أسس جديدة تستجيب لتطلعات المواطنين.

في هذا السياق، يرى الأستاذ بنيس أن التعاقد المجتمعي يرتكز على الدور الذي يلعبه الفاعلون بمختلف مشاربهم، من دولة، وأحزاب، ومجتمع مدني، وقطاع خاص، في التأثير في بيئتهم، وفقًا للمبادئ التي أقرها دستور 2011، والتي تشمل دولة الحق والقانون، الديمقراطية، التعددية، الحكامة الجيدة، العدالة الاجتماعية، والحرية وتكافؤ الفرص. غير أن الواقع يُظهر أن بعض الفئات لا تزال تعاني من الإقصاء والتمييز السلبي، مما يجعل من الضروري التفكير في “بدائل نسقية” تعيد الاعتبار لمنظومة القيم داخل النموذج التنموي، عبر مخرجات عملية تعزز العدالة الاجتماعية والمجالية.

يرى الأستاذ بنيس أن تجاوز الإشكالات القائمة يتطلب إعادة التفكير في النموذج التنموي من خلال مجموعة من الآليات، أبرزها تحقيق العدالة المجالية عبر توزيع عادل للاستثمارات يضمن تنمية متوازنة بين الجهات، ويعزز اندماج الأقاليم المهمشة في الدورة الاقتصادية الوطنية. كما يتطلب الأمر إبداع حلول اقتصادية للمناطق التي استنفدت ديناميتها التنموية، مثل المناطق الشرقية ودرعة تافيلالت، من خلال اعتماد سياسات تشجع على ثقافة الاستحقاق والمبادرة بدل ثقافة الريع والمحسوبية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي إرساء سياسة هوياتية جديدة ترتكز على التنوع والتعدد، وتعزز الشعور بالانتماء، وتجنب خلق بؤر توتر تهدد السلم الاجتماعي.

كما يؤكد الأستاذ بنيس على أن إصلاح المدرسة عنصر محوري في أي نموذج تنموي مستدام، بحيث يجب أن تقوم على أسس تجمع بين القيم والتكوين المهني، لأن المدرسة ليست فقط فضاءً للتحصيل العلمي، بل هي مؤسسة تُرَسِّخ المواطنة، وتُكَوِّن أفرادًا قادرين على المساهمة في التنمية. كما أن تعزيز آليات الحوار والترافع المجتمعي يفرض تبني نموذج تنموي منفتح على الاقتراحات المحلية، بما يسمح للمواطنين بالمشاركة الفعلية في صياغة الحلول التنموية.

ويخلص الأستاذ سعيد بنيس إلى أن نجاح أي نموذج تنموي رهين بمدى قدرته على دمج البعد القيمي في استراتيجياته، بحيث لا تبقى التنمية مجرد أرقام ونسب نمو، بل عملية شاملة تُعيد بناء الثقة، وتعزز الشعور بالمواطنة، وتحقق التوازن بين المطالب المادية والقيم المجتمعية. وفي هذا الإطار، تظل الحاجة ماسة إلى رؤية جديدة تستوعب تحولات الواقع، وتضمن انخراط الجميع في مسار تنموي قائم على مبادئ العدالة، والتكافؤ، والاستحقاق، بما يحقق تنمية عادلة ومستدامة.

اقرأ أيضا

عبد السلام أحيزون: مسيرة نجاح في قطاع الاتصالات والتسيير

يُعدّ عبد السلام أحيزون واحدًا من أبرز الشخصيات المغربية في عالم الاتصالات والتسيير، حيث ساهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *