وادي ماست/ ماسة أو سر الحياة والمغامرة في أحد الأيام، كان سيباستيان القرصان المتقاعد يتأمل في المياه الهادئة لوادي ماسة، المكان الذي كان بالنسبة له أكثر من مجرد محطة في رحلة الحياة. كان يدرك تمامًا أن هذا الوادي، بأرضه الخصبة ومياهه العذبة، هو مفتاح الحياة في هذا الجزء المنسي من الأرض. لو لم يكن هذا الوادي موجودًا، لما كانت هناك حياة هنا، ولا طرق ملاحية تمر هنا، ولا سفن تبحر على شواطئه. وترسو في سيف البحر بحثا عن المؤن والغلل. لكن، وبفضل هذه المياه العذبة، والتربة الخصبة، تمكن هو وجماعته من البقاء هنا، حيث يجدون قوتهم وملاذهم. كانت هذه الأرض مليئة بالأسرار، وأحد هذه الأسرار كان في مياه الوادي نفسها. أسرار يحفظها عن ظهر قلب من يسمون في ميثولوجيا أهل المكان بأيت سيدي بادر أمان.
ولكن ماذا عن البرتغاليين الذين مروا جوار هذه المنطقة؟ هل كانت هذه الأرض تثير انتباههم كما أثارت انتباهه؟ قد يكون فرنسيسكو دي ألفاريس، القائد البرتغالي الذي غزى المغرب وشارك في العديد من الحملات العسكرية، قد عبر وادي ماسة في طريقه لاستكشاف المناطق الداخلية للمغرب. ربما مر من هنا، وشرب من مياهه وراح يتأمل المناظر الطبيعية كما فعل سيباستيان، قبله ذات يوم. وأخذ معه ذكرى هذا المكان الذي يحمل في طياته الكثير من التاريخ والمغامرات.
وكانت هناك كذلك قصص أنطونيو دي نيفيس، وهو ضابط آخر من البرتغال الذي شارك في الحروب الاستعمارية في سواحل المغرب. وكانت حصن أكَادير ن العربا بالقرب من سيدي بوالقنادل في أكادير الحالية ، نقطة انطلاق هجماتهم على الشواطئ المغربية، وربما كانت مياه وادي ماسة قد لامست شفتيه أيضًا في يوم من الأيام، قبل أن يتابع رحلته في حماية الجيوش البرتغالية.
وفي تلك الأيام، كان فاسكو دي غاما يسافر في رحلة استكشافه الشهيرة إلى الهند عبر رأس الرجاء الصالح. لم يكن يستطيع أن يمر عبر هذه السواحل المغربية دون أن يُسحر بجمال وادي ماسة. صحيح أنه لم يكن قد وصل مباشرة إلى قلب هذا الوادي، ولكن حملاته البحرية على سواحل شمال أفريقيا ساعدت في تعزيز نفوذ البرتغال في هذه المنطقة. ربما كان يمر بالقرب منه، وكان مُعجبًا بالطبيعة البكر التي لا تكاد تُصدق.
ثم كان هناك بارتولومي دي أزبيتو، ذلك المستكشف الذي أبحر حول رأس الرجاء الصالح في عام 1488، وفتح طريقًا جديدًا للبرتغاليين إلى الهند. رغم أنه لم يتأكد مروره المباشر عبر وادي ماسة، إلا أن إنجازاته في استكشاف البحر جعلته جزءًا من نفس الجهود البرتغالية التي طافت سواحل المغرب. وادي ماسة، بجماله الطبيعي، كان جزءًا من القصة البرتغالية التي لا يمكن أن يغفلها أحد. الوادي والجنات المخبأة. يمتد وادي ماسة لمسافة 120 كيلومترًا، يبدأ من جبال الأطلس الصغير ويتدفق نحو المحيط الأطلسي. وفي بدايته، يضيق، ويأخذ شكل شريط رفيع تتناثر فيه أشجار النخيل وذكر الزيتون أزمور. وهذه الأشجار، التي تعيش على ما يتسرب إليها من بقايا المياه، كانت صامدة أمام الزمن، وتتباعد في بعض الأماكن، ثم تجتمع في أماكن أخرى، لتخلق مشهدًا طبيعيًا فريدًا. سرعان ما يتسع الوادي، وتظهر الأشجار بكل أنواعها، وتتكاثر الحياة في كل زاوية من زواياه. وتستمر الحياة في النمو حتى تصل إلى شجرة تمايت الأخيرة. هنا، تبدأ الأرض الرملية المملوحة التي تعطي للوادي طابعًا خاصًا. الأرض التي تلتقي فيها الصحراء مع الوادي، حيث تصبح الرمال والرياح كأنهما جزء من القصة التي لا تنتهي. ومع الرياح، تتراكم الرمال، لكنها لا تستطيع أن تتغلب على شجيرات تمايت المتشبثة بالأرض، الشجيرات التي تمنع الرمال من التقدم وتخلق توازنًا طبيعيًا في هذا الجزء البديع من العالم.
الهضاب تشكل مشاهد جغرافية وحكايات محلية قبل أن يصل الوادي إلى مصبه في المحيط، تبرز بعض الهضاب الرملية التي تراقب الأرض المحيطة بها. على الجهة الشرقية، تقف تاوريرت، فيما تقف أورير ومو إلكَماضن في الشمال، وهضاب أخرى أقل أهمية على الجوانب الغربية والجنوبية. لكن لكل هضبة منها اسم، لأن الأرض هنا ليست مجرد رمال، بل هي قصة ترويها الرياح والتضاريس والأسماء التي أطلقها عليها أهل المنطقة.
هذه الهضاب، التي تراقب الوادي عن كثب، تعد شاهدًا على التوازن الجغرافي الذي يجعل من هذه المنطقة واحدة من أكثر الأماكن تميزًا في المغرب. إن الأسماء التي حملتها هذه الهضاب لم تأتِ من فراغ، بل كانت صدى لطبيعة الأرض التي شكلتها الرياح والمياه، ليبقى الوادي، رغم بساطته، شاهدًا على التاريخ الطبيعي البديع. وادي ماسة هو أكثر من مجرد وادٍ عادي؛ إنه شاهد حي على مغامرات الماضي وتحديات الحاضر، مهد الحياة والحكايات القديمة. سواء مر به المغامرون البرتغاليون أم لا، يبقى الوادي بمياهه وأشجاره ومجراه هو البوصلة التي تحدد تاريخ هذا المكان وتربط بين الأزمان المختلفة. أزمنة النبوة، من دنيال الى يونس.
تنويه: يحتوي النص على أسماء بعض الشخوص وأسماء الأماكن من نسج الخيال.