عبر العصور، ظلّت المرأة الأمازيغية حاضرة بقوة في معادلة النضال السياسي، الثقافي، والاجتماعي، فكانت صوتاً للحرية والعدالة، وسنداً للحركات التحررية والتغييرية. من ديهيا، الملكة المحاربة التي قاومت الغزو الأموي بشجاعة، إلى “تاوكرات” الشاعرة التي خلّدت روح شعبها في أبياتها، ومن “زينب النفزاوية”، مهندسة الدولة المرابطية، إلى “عدجو موحا”، أيقونة المقاومة، و”خناتة بنت بكار”، العالمة والسياسية الفذة — كل هؤلاء النساء لم يكنّ مجرد شخصيات عابرة في التاريخ، بل كنّ صانعات له، تاركات بصمات خالدة في مسيرة الأمازيغ.
وفي هذا الامتداد التاريخي المجيد، نجد أن أمينة ابن الشيخ ليست استثناءً، بل استمرار لهذا الإرث النضالي، بروح جديدة تتماشى مع تحديات العصر الحديث.
لقد حملت راية الدفاع عن الأمازيغية بقوة لا تقل عن سابقاتها، لكن بأسلحتها الخاصة: الفكر، القلم، والإعلام.
إحياء الكلمة واستعادة الهوية
كما كانت “ديهيا” تحارب بالسيف من أجل أرضها وشعبها، خاضت أمينة ابن الشيخ معاركها بالقلم، وبالميكروفون، وبالخطاب العقلاني القوي الذي واجهت به جحافل الإقصاء والتهميش. لم تكن حربها في ساحات الوغى، بل في دهاليز السياسة، في ساحات الإعلام، وفي قلب مؤسسات حاولت طمس الهوية الأمازيغية لعقود. كانت صلبة الموقف، واضحة الرؤية، مؤمنة بأن الأمازيغية ليست مجرد لغة، بل هوية كاملة تستحق أن تأخذ مكانها المستحق في المشهد الوطني.
كما ساهمت في تأسيس صرح دولة المرابطين التي انطلقت كمشروع سياسي خطط له في جبال الأطلس الصغير وفي سفوح جبال باني وواركزيز. نهضت “زينب النفزاوية” بدولة المرابطين، ووضعت أسس حكم مستنير انطلق من أغمات فمراكش نحو آفاق أرحب، ساهمت أمينة ابن الشيخ في وضع اللبنات الأولى لإعلام أمازيغي حديث ومستقل، يرفض التبعية، ويؤمن بالتعددية الثقافية، ويعطي الكلمة لمن حُرموا منها لعقود. كانت جريدة “العالم الأمازيغي” منبرها، ومنبر كل من آمن بأن الاعتراف بالأمازيغية ليس مِنّة، بل حق أصيل.
صوت الشاعرات ورسالة الكلمة الحرة
كما كانت “تاوكرات” شاعرة أمازيغية مجيدة، جعلت من الكلمة وسيلة للمقاومة، كانت أمينة ابن الشيخ تدرك أن اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي روح وهوية. لقد دافعت عن الأمازيغية ليس فقط كلغة محكية، بل كفضاء إبداعي يجب أن يُفتح أمام الأجيال الجديدة، لتُكتب به القصائد، وتُسرد به الحكايات، وتُدوَّن به المعرفة.
كانت تعرف أن الدفاع عن الأمازيغية لا يكون فقط بالخطابات السياسية، بل بإحياء ثقافتها، بنشر كتبها، بإعطاء مساحاتها للشعراء والأدباء، تماماً كما فعلت “تاوكرات” من قبلها، حين جعلت من الشعر الأمازيغي سجلاً حياً لمعاناة شعبها وأحلامه. لم يكن غريباً أن تسعى أمينة ابن الشيخ إلى إعادة الاعتبار للأدب الأمازيغي، وإلى أن يكون الإعلام ناطقاً بأصوات المبدعين الذين ظلوا لسنوات خارج دائرة الضوء.
حكمة المقاومة وصلابة الإرادة
كما لم تتردد “عدجو موحا” في حمل السلاح دفاعاً عن وطنها، لم تتردد أمينة ابن الشيخ في مواجهة التحديات التي اعترضت طريقها. ورغم العراقيل، ظلت صامدة، متمسكة بمبادئها، مدافعة عن قناعاتها، دون أن تساوم أو تفرّط. كانت تعلم أن الطريق طويل، لكنه يستحق أن يُسلك.
إنها امرأة تدرك تماماً أن القوة لا تكمن في الصوت العالي، بل في الرسالة العميقة. لم تكن تسعى للضجيج الإعلامي، بل كانت تؤمن بأن العمل الجاد والصبور هو الذي يترك الأثر الحقيقي. لذلك، لم يذهب نضالها سدى، بل أثمر اليوم واقعاً جديداً حيث أصبحت الأمازيغية جزءاً من الدستور المغربي، وحيث بات الإعلام الأمازيغي أكثر حضوراً، وحيث أصبح الحديث عن التعددية اللغوية والثقافية أمراً مألوفاً بعدما كان يُنظر إليه كترف فكري.
إرث خالد ونموذج مُلهم
كما أنجبت الأمازيغيات عبر التاريخ قائدات وشاعرات خلّدن أسماءهن في ذاكرة الشعوب، فإن أمينة ابن الشيخ ستظل اسماً محفوراً في سجل النضال الأمازيغي، ليس فقط كإعلامية، بل كرمز من رموز التغيير، وكإحدى النساء اللواتي أثبتن أن النضال ليس حكراً على الرجال، وأن الدفاع عن الهوية ليس شأناً نخبوياً، بل معركة كل فرد يؤمن بالعدالة والإنصاف.
لقد كانت ابنة عصرها، لكن بروح تمتد جذورها إلى تاريخ من النساء العظام، اللاتي لم يقبلن بالقيود، ولم يستسلمن للمستحيل، وظللن في كل زمان ومكان شعلة تنير درب الأجيال القادمة.