لماذا يسمي المصريون السيارة “عربية”؟

علي عبد الكريم السعدي كاتب وصحفي من العراق

تعالوا لنرى جذور اللفظ والمفردة بحسب تطور اللغات الرافدينية، وبحسب الأدلة الأركيولوجية والدلالات المعنوية اللغوية.

عندما نتحدث عن شيء يخص مفردة أو لغة أو لفظًا أو تاريخًا، فإننا نتحدث عن علم. وينبغي التمييز بين العلم أو المعرفة وبين الثقافة الشعبية والعاطفة. فأنا أتكلم عن مفردات أو مصطلحات تعود إلى آلاف السنين تاريخيًا، لست أنا من أوجدها، فالأمر بعيد عن العواطف والكراهية والمحبة.

من يتبجَّح بأصول الأشياء الفرعية والجزئية الصغيرة والحديثة، عليه أن يفهم معرفة أصول المصطلحات والمفردات واشتقاق اللغات، وما هو أعمق من بقايا معرفة الفتات. إن ارتباط كلمة وصف السيارة بـ”عربية” في اللهجة المصرية يكمن تحديدًا في مفردة “عرب”. ولتعريف جذور هذه المفردة والإحاطة بها من كل الجوانب، علينا تأصيلها وإرجاعها إلى جذرها الحقيقي ليتسنى لنا فهمها: لماذا أُطلقت؟ وأين؟ وبأي مناسبة؟ ومتى؟
إن مفردة “عرب” هي صفة، وليست عرقًا ولا جينًا كما يحاول البعض إظهارها.

إن أول لفظ وتدوين أركيولوجي مثبت لها يعود إلى المسلة السوداء للإمبراطور الرافديني شلمنصر الثالث، حيث أطلقها بدافع الانتقاص والإهانة في معركة قرقر قبل حوالي 2850 عامًا. عندما هاجمت أقوام بربرية راحلة همجية بلاد النهرين، انتصر عليهم جميعًا ودون انتصاراته بنقوش وكتابات في مسلته السوداء، وقال بلغته الرافدينية القديمة: “أرابايا”، وتعني “الرحَّل دون أرض” أو “المتنقلون”. وإلى اليوم، لا يزال معظم العراقيين الذين يمتلكون معرفة باللغات القديمة يستخدمونها، حيث:

“أرا” = أرض،

“أرابايا” = الرحَّل دون أرض أو المتنقلون.

مع تطور اللغة الحديثة الحالية، يطلق الإخوة المصريون على الشيء المتحرك المتنقل، كالسيارة، اسم “عربية” لأنها متنقلة وراحلة، كشيء سيَّار متحرك.
أو أحيانا يُلفظ “عربة” للشيء المتحرك كذلك و بمختلف اللهجات.

ونقول في لهجتنا العراقية إلى اليوم: “عرب چوول” أو “تعرَّبنَ” بمعنى “اندفع”.

وجذرها الحقيقي الأول الأصلي هو “أرابايا”، وهو مثبت في المسلة السوداء للإمبراطور الرافديني شلمنصر الثالث، وكان يقصد بها الرحَّالة من عدة أقوام هاجموا بلاد النهرين في عهده.

أما اللغة المنطوقة والمكتوبة الحالية، فليس لها علاقة بصفة “عرب” أو “عربية”. إنها لغة مصنفة ضمن عائلة اللغات التي تُسمى “السامية”، وهي تسمية غير دقيقة علميًا لأنها مرتبطة بسام بن نوح التوراتي ، علماً أنها كانت موجودة قبل التوراة ومتداولة في مناطق بلاد النهرين كالعراق وسوريا ولبنان وغيرها.

فاللغة الحديثة الحالية “العربية” كذلك كانت موجودة قبل الإسلام، وقد كُتبت بها المعلَّقات والدواوين وغيرها. لكن أُلصقت بها صفة “عربية” بعد ظهور الإسلام من باب الإختزال والإحتكار على إنجازات الأمم الأخرى وثقافاتها، كنوع من الإستيلاء الثقافي والهيمنة. علماً أن الدين الإسلامي بريء من ذلك، فهو لم يدَّعِ أنه من ابتكر اللغة، ولكن القائمين عليه آنذاك من زعماء رسَّخوا ذلك من باب الانحياز لبيئتهم والقفز على إنجازات الأمم كنوع من الهيمنة.

اقرأ أيضا

بين الزمن والسرمدية: تأملات في الرؤية والرمز ” إليس ووشن نموذجا” 

إن توظيف الرموز البصرية في الأعمال الدرامية ليس مجرد زخرفة شكلية، بل هو أداة فاعلة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *