الداحماد الدغرني.. إرث رمزي عصي على الكذب

عبد النبي إدسالم

لن نجتهد كثيرا للعثور، على عدسة دقيقة ومرنة لفهم آليات السيطرة الرمزية، ليس فقط في السياقات الإجتماعية الصرفة، بل أيضًا في السياقات السياسية، مثل ما نراه من محاولات الهيمنة على إرث أحمد الدغرني والحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي. فالسيطرة على الإرث الرمزي ليس وليد اليوم بل هو حرفة يقوم بها قراصنة الأفكار منذ ان وجدت الأفكار نفسها.

لذلك نريد ان نستهل بفكرة بسيطة وترتبط بتشابه ديناميات “السطو الرمزي” من المعروف في التاريخ الأوربي الحديث، أن الثورة الفرنسية لم تلغِ الرموز القديمة بل أعادت توظيفها لخدمة سلطات جديدة، هذا الدرس التاريخي المهم جدا يساعدنا على تفعيل المنهج المقارن مع ما يحدث لإرث الدغرني والذي يشبه كثيرا محاولات “إعادة تأميم رمزي” لتاريخ شخصية عمومية مغربية أصرت على ان تكون ارثا رمزيا لجميع المغاربة، شخصية سياسية كانت أصلاً احتجاجًا واضحا وصوتا صريحا على رفض الهيمنة المركزية واللغوية والثقافية.

ومن هنا نرى أن الحركة التي أطلقت عليها نفسها “وفاء” تريد إعادة إنتاج “الاستبداد” من خلال “أشكال ناعمة”، لذلك يمكن القول إن هذه الحركة ان صح التعبير لانها في الحقيقة ليسوا الا ثلاثة افراد اتفقوا على اعمال مبدأ التواطؤ ويحاولون اليوم تقديم الدغرني كرمز لهم وحدهم فقط، وفي مسعاهم لذلك ارتكبوا الكثير من الأخطاء التي تعبر عن عمق سذاجتهم السياسية، ومنها تحييد الزعيم وافراغه من مضامينه الجذرية.

التي كان يؤمن بها وناضل من اجلها طوال مساره النضالي. ضاربين بعرض الحائط مرجعية كون الرموز شكلت ومازالت جزءا من الملكية العامة وهنا فإرث الدغرني ليس مجرد سيرة فردية، بل هو ملكية رمزية جماعية للحركة الأمازيغية ككل بل وللمغاربة قاطبة. وفي الحقيقة فهذه المحاولة تنسجم في العمق مع الرغبة في تقديمه ضمن سرديات خبيثة (كمجرد محامٍ، أو كمثقف إصلاحي، أو قومي مغربي معارض بلا عمق ثقافي وسياسيى، بل كل ما قام به هو تغيير العربية الى الامازيغية في طروحاته وافكاره) وهذا ما يمثل في نظرنا شكلاً من السطو على هذه الذاكرة الجماعية لصالح رواية ثلاثية.

لا يختلف إثنان على ان أدوات السطو الرمزي في السياق المغربي ومنه الامازيغي تتشابه كثيرا مع سياقات عالمية أخرى ومنها على سبيل المثال رغبة ستالين في السيطرة على رموز الثورة البلشفية، ومن هذا المطلق عمل على تصفية جميع معارضيه وكان أبرزهم تروتسكي، وعند محاولتنا مقارنة هذا النموذج في التصفية الرمزية والجسدية مع ما يقع للإرث السياسي للزعيم الامازيغي سنجد التجربتين تتشابهان في مبدأ اعمال التأطير الانتقائي.

لقد احتج الدغرني سابقا، على تجريد الامازيغ من رموزهم التاريخية (القوانين، اللغة، العادات) وفرض بدائل مركزية. بنفس المنطق، يتم اليوم إقصاء البعد الجمعي في نضالات وتضحياته اليوم من طرف “الوفاء”. ففكر ة احتكار ما خلفه الدغرني، وتقديمه كزعيم لثلاثة افراد، يعني تحييد صفته الجمعية.و احتكار لخطابه الديموقراطي جدا بهذا الخصوص. غير أن المثير أن بعض الجهات التي كانت بالأمس القريب معادية تمامًا للدغرني، ودخلت معه في مناوشات عديمة الفائدة تحاول اليوم الحديث باسمه أو تبنيه جزئيًا، بنفس الطريقة التي تحدث عنها هو عندما تحدث عن رغبة البعض في السطو على النضال الامازيغي وجعل بدايته في الستينيات من القرن الماضي، وقال عن هؤلاء انهم يحرمون الآخرين من الإرث الرمزية للنضال الامازيغي الذي بدأ منذ التاريخ القديم، وهذا ما يشبه في الحقيقة ظهور أصوات قامت باعمال مبدأ “التحول الخطابي” الذي يسمح لبعض الجهات بالتموقع داخل الخطاب الأمازيغي ولكن دون أن تتحمل تبعاتها أو تتورط فعليًا في مشروعها السياسي والايديولوجي.

ما العمل للمضي نحو مواجهة السطو الرمزي؟ وما هي الأدوات التي يمكن استعمالها في الدفاع عن الرموز عبر التوثيق والتأريخ؟

سبقت دعوات تدعو الى ضرورة كتابة تاريخ من وجهة نظر الفاعلين، فإن واجب الحركة الأمازيغية اليوم هو توثيق إرث الدغرني الكامل السياسي، الحقوقي، اللغوي، الدستوري والإداري (له مؤلف مهم في هذا الجانب، ولكن مع الأسف غير معروف جدا) وحماية هذا الإرث من محاولات “التأطير الفردي” أو “السطو السياسي والهدف هو “التمييز بين الرمزي والسياسي ومن تمت يجب أن نفهم أن الرموز ليست محايدة. من يتحكم فيها، يتحكم في التمثلات الجمعية، وفي الذاكرة، وفي المستقبل السياسي. لذا فالنضال الأمازيغي يجب أن يُبقي دائمًا على الاتصال الجدلي بين الرمزي والمادي والدفاع عن الأرض واللغة، وفي الوقت نفسه عن الاستقلالية كما دعى الى ذلك الزعيم نفسه.

خلاصة مركّزة
• هذا التحليل يتيح لنا فهم أن الهيمنة لا تتم فقط عبر القوة، بل عبر الرموز والذاكرة والتاريخ.

• ما يحدث مع إرث أحمد الدغرني والحزب الديمقراطي الأمازيغي هو نموذج لاستيلاء رمزي على حركة جمعية، يتم تحويلها إلى فردية مُؤمَّنة وغير مزعجة.

• مقاومة هذا الاستيلاء الرمزي هي جزء جوهري من النضال السياسي والثقافي في الحاضر. وفي المستقبل وفي الهنا والآن.

رسالة مباشرة هل سمعتم يوما عبد القادر باينة يتحدث عن عبد الرحيم بوعبيد بنفس الطريقية التي تحدثت بها “الوفاء” عن الزعيم احمد الذغرني؟

وهل سمعتم يوما عباس الفاسي يتحدث عن اخطاء زعيمه علال الفاسي بنفس الطريقة التي تحدثت بها “الوفاء” عن الزعيم الأمازيغي أحمد الدغرني؟

اقرأ أيضا

فتح باب الترشيحات للجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية في صنف الفيلم

أعلنت جمعية مهرجان إسني ن ورغ الدولي للفيلم الأمازيغي عن فتح باب الترشيح لنيل الجائزة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *