الأغنية الأمازيغية النسوية بين جماليات الأداء والتعبير الثقافي الصادق ..تجربة الفنانة سميرة المرضي –

محمد حُستي
        محمد حُستي

تُعد الأغنية الأمازيغية النسوية  بالأطلس المتوسط منفذا مهمًا على التراث الفني والثقافي المغربي، حيث تحمل في طياتها قيمًا إنسانية عميقة ومعاني جمالية متميزة ,نقشتها و صممت لها بحروف من ذهب ,و بامتياز كل من الرائدات الأوائل مثل ثَاوسِّيدَّانث , فاظمة ألثوِيرَّا ,يامنة نعزيز ثَافرسِيث , فطٌّومة التّدلاَويّة ,عائشة  ثَاغزّافث,فَاظمَة تِيتِيت , رقية نعمِّي ,السعدية ثَاشطّوَانث ,يَامنَة ثَابُودرَاث ,حَادّة أوعكِّي ,فاظمة أولثحذِيدّو , خدوج إزر, مِيلودة , إِيطّو ثَامهَاوشث ,  مٌونة بُووفرَّان, ثَعدَادّسث ,ثَشنِيط , يامنة أقرحُون,  فَاظمة ثَفُولّوسث, حمَامَة , ومن المعاصرات في هذا الفن الخاص بالأطلس المتوسط نجد الشريفة ، نعيمة كُودَا, خديجة أطلس ,رقيّة المُوسطّاش , فَاطِمَة ثَاولكَّاذِيث,  يامنة العمرَاوِي , خديجة ثَاولعنزِيث ,رَابحَة أطلَس  , نزهة أطلس , ليلى بُوميّة ,مَامّة بُوميّة ,لطيفة مرِيرث ,مولاتي أطلس , رقية أزرو,  سميرة أزرو, حجيبة أزرو ,جمعَة الحَاجب ,عَائِشَة مَايَّا, سعيدة ثِيثرِيث, مريم عِينّوز, حكيمة المكنَاسيّة , الحسنيّة أزرو ,تِيتِي نحجّو ,إيمان الحاجب ,فاظمة البقرِيث,أَرِينَاس أطلس دِّيهيَّا , سناء سٌلطَانة ,خديجة ثَامنَايث, فَتِيحة عِين الّلوح , كلثُوم بٌودهِين , حبيبة ثَازُوهرِيث , فايزة  أطلس, فاطمة فَزَاز  … و سميرة المرضِي  كتيمة للدراسة  .

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الأغنية الأمازيغية من خلال تجربة الفنانة سميرة المرضي، التي تتميز بصوتها الشجي وإيقاعها الماتع، فضلاً عن دورها في الحفاظ على التراث الموسيقي الأمازيغي الممتد في عمق التاريخ , سنعتمد في هذا البحث التحليلي على منهجية علمية تنتصر للتأطير التاريخي، والتحليل السوسيولوجي الثقافي والاجتماعي، وتفسير الجوانب الجمالية والتربوية للأغنية الأمازيغية النسوية.

  • التأطير التاريخي للأغنية الأمازيغية النسوية:

تمتد جذور الأغنية الأمازيغية إلى فترات تاريخية جد قديمة، حيث كانت الوسيلة الأساسية للتعبير الحر عن الأحاسيس والوجدان والقيم الجمعية والكليانية  للأمازيغ بالأطلس المتوسط . ولعبت المرأة الأمازيغية الدور الرئيسيً في نقل هذا التراث الفني إلى الأجيال الحالية ، إذ كان الشعر والأغاني تُنشد في كل المناسبات الاجتماعية والدينية لتعكس اختيارات و اتجاهات و هموم المجتمع وأفراح وأحزان المجتمع بالأطلس المتوسط .

  • تطور الأغنية الأمازيغية النسوية:
  • الأسباب التاريخية، الاقتصادية، والاجتماعية المساهمة في ذلك.

لا يختلف اثنان  في أن الأغنية الأمازيغية النسوية  بالأطلس المتوسط شهدت تحولات جذرية مع مرور الزمن، حيث أخذت  طريقها في التطور والارتقاء  بشكل ملحوظ خاصة بعد الاستقلال. والملاحظ أن هذا التطور لم يكن مجرد تطور فني فقط  من أجل الفن ولذات الفن  الأمازيغي ، بل كان مخاضا عسيرا  نتيجة لعدة عوامل تاريخية غيرت مساره البطيئ، منها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية  التي شكلت البيئة  الحاضنة  للنشأة الفنية  الخاصة لهذه الأغنية الأمازيغية العريقة  التي أسهمت في تحولات شكلها ومضمونها ونهجها .

  • العوامل التاريخية:
  • ما بعد الاستقلال :

بعد الاستقلال المغربي عام 1956، واجه المجتمع المغربي عامة  والاطلس المتوسط  خاصة مجموعة من التحديات والصراعات  في سبيل بناء الهوية الوطنية النموذج في كل تمثلاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية  . وكان هناك توجه عام حو  تعزيز الهوية المغربية وتنويع وتطوير التعبيرات  الثقافي بعد فترة الاستعمار. وقد ساعد هذا التوجه في إعادة إحياء وتأطير الموسيقى الأمازيغية عامة , التي كانت قد تأثرت و تراجعت بسبب السياسة الاستعمارية ومن بعدها الايديولوجية العربية المشرقية  التي اتخذت شبه الجزيرة العربية مرجعا لتاطير كل ماهو مغربي بناء على اساس الدين واللغة العربية , ما أدى إلى  استهداف ومحو الهوية الثقافية المحلية الأمازيغية . لكن جغرافية تامزغا  وثقافها العريقة قاومت طبيعيا  مع مرور الزمن  جميع  محاولات الازاحة ان لم نقل الاجتثاث , بدأ المثقفون والجمعيات والفنانون الأمازيغيون في استرجاع وإحياء  تراثهم  الكبير وتقديمه في شكل حديث مع توظيف كل الامكانيات المتاحة ، حيث ساهمت وساعدت الأجيال الجديدة من الفنانات مثل سميرة المرضي على التمسك و الحفاظ على التراث الفني الأمازيغي بكل مكوناته  وبخصوصيته  الفريدة والنوعية, بدمج بعض الأساليب والتقنيات المعاصرة في إيصال الخطاب الفني الأمازيغي في أحسن مضمون يتسع لجميع الأذواق .

  • التحولات الثقافية:

بداية من السبعينيات والثمانينيات، ظهرت مجموعات موسيقية أطرتها بالحظور الوازن  لفنانات أمازيغية من الأطلس المتوسط  هن متخصصات في قرض الكلمة الشعرية و في الغناء الأمازيغي، ومنهن من تأثرت بثقافة المحيط وبالفلكلور المغربي عامة. وقد ساهمت هذه الفئة من الرائدات  في تحديث الأغنية الأمازيغية من خلال توظيف تقنيات حديثة مثل التسجيلات  الخاصة وبالشركة الوطنية للإذاعة المغربية  وكذلك المعاصرات كان لهن الحقل الغنائي أكثر خصبا لتوفره على الوسائل الحديثة  الرقمية والآلات الموسيقية العصرية التي طورت المسار الغنائي الأمازيغي في تناغم شامل و دون تتناقض مع روح التراث الأمازيغي، وبذلك تكون قد  منحت الأغاني  الأمازيغية طابعًا عصريا منسجم و يعكس متطلبات المجتمع الأمازيغي العصري.

  •   العوامل الاقتصادية:
  • التحولات الاقتصاد الاجتماعي :

شهدت مناطق الأطلس المتوسط بالمغرب قفزة و تطورات اقتصادية منذ منتصف القرن العشرين، كانت نتيجة للسياسات التنموية التي رافقت الاستقلال. وقد أسهمت هذه التطورات في تغير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ما أدى إلى تغيير في الأولويات الثقافية والاجتماعية. ومع زيادة الوعي الجماعي الأمازيغي ومن خلاله انبثقت فنانات أمازيغيّات متعلمات لهن كفايات ثقافية واجتماعية وخبرات في تسير شؤونهن الخاصة مثل الفنانة سميرة المرضي التي تلح في مضمون منجزها الغنائي على المطالبة بضرورة الحفاظ على الموروث والتراث الموسيقي والثقافي الأمازيغي مهما تكون الظروف القاسية والعوائق الاجتماعية والاقتصادية حيث أبدعت في صرختها المقاومة للظروف الصعبة في أغنية  شارحة وشاملة في تلخيص الوضع المزري للفنانة الأمازيغية قائلة  :

  • (مرثَانِّيذ أَيمَانُو  ,  مرثَانِّيذ أَومَانُو ,   أَيَاكّسِّيك الزّمَانَا غِيفِي ,   أَمُومخ سِيخمِّيمن, أمُومخ سِينزوُومن , أَلِّليي إِبدّل وُذمِينُو)

 الترجمة:

  • هل لاحظت يا أخي, هل لاحظت يا أخي, أن الزمن مرر علي الكثير المِحن, عدت سقيمة بكثرة التفكير ,سقمت بالمحن ,حتى تغيرت ملامح وجهي .
  • (أَوَوَا ثسٌّوحلذِيِي إِسِيثيرِيذ أَلزّمَانَا ذَ أَكَّا خف ثَاذَاوث إِزَّاي مرَاين غِيفِي )

 – الترجمة:

-4   أنت أرهقتني ,لأنك يا زمن أنت من وضع على ظهري ثقلا وهو ثقيل علي  ,ولقد أنهكني .

بالوعي الناقد للفنانة سميرة المرضي وتشخيصها للحياة الاقتصادية ومعاناة الفنانة الأمازيغية,   نلاحظ  أن  مضمونها  الوازن والهادف الممثل للأغنية النسوية الأمازيغية في الأطلس المتوسط بدا من خلالها يأخذ منحى فعل التغيير والتحسيس الموجه  الذي يعكس المطالب الأساسية و الاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية الثقافية للفنانة الأمازيغية بالأطلس المتوسط  .

  • العولمة والتأثيرات الاقتصادية الحديثة :

في العقود الأخيرة، كانت العولمة وما أفرزته من تغييرات اقتصادية واجتماعية وثقافية على مستوى العالم، أحد العوامل الحاسمة في  التأثير على الأغنية الأمازيغية النسوية . وفي ظل عصر المعرفة والتكنولوجيا وسيطرت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث، أصبح للفنانة الأمازيغية، مُتسع من الفضاءات الوسيطة كمنصة وكنافذة للتعبير عن اهتماماتها من أجل إيصال رسائلها إلى الجمهور الأوسع. لقد أصبح بإمكان الفنانة سميرة المرضي  أن تمزج بين التراث الأمازيغي الأصيل كمرجع لهويتها الثقافية الأمازيغية والعصرنة بتوظيف الأدوات والآليات الحديثة في الإبداع والتوزيع والتسويق الرقمي، مما ساهم في انتشار الأغنية الأمازيغية النسوية عبر منصات الإنترنت والميديا الرقمية. هذا فتح المجال أمامها لإيصال خطابها وصوتها الفني لمختلف طبقات المجتمع واستمالتهم للاستماع إلى الأغاني الأمازيغية من خلالها بطرق حديثة، وهذا ساهم كثيرا في  جعل أغنيتها  أكثر قدرة على التفاعل مع مختلف الأنواع الاجتماعية بالأطلس المتوسط.

  • العوامل الاجتماعية:
  • التغيرات الاجتماعية في المجتمع المغربي:

تغير المجتمع المغربي  ومن خلاله المِيكرو­­­ مجتمع أمازيغي بالأطلس المتوسط  ,حيث خضع لمجموعة من التحولات الاجتماعية ، خاصة في تحرير وتطور وضع المرأة  الامازيغية التي ساهمت في تطوير بنية العملية الإبداعية في الموسيقى والغناء الأمازيغي ، وما ساهم في هذا الارتقاء بالمرأة الأمازيغية المبدعة  نموذج سميرة المرضي هو التعليم المتزايد للفتيات، والوعي بحقوقها والمساواة في كل منفعة وفكر ينتج للإنسانية . هذه التغيرات انعكست بشكل جلي  على نوعية مضمون الأغنية الأمازيغية النسوية من خلال الصوت الشجي لسميرة المرضي  ولكل مثيلاتها في المنحى الهادف الذي نهجته سميرة في اختياراتها الفنية ، حيث ساءلت وشرحت في تناولها لقضايا  وظواهر ومواضع اجتماعية كالتآزر والاحسان بالآخر  في متنها الشعري التالي .

  -1(أَذَاسِيخ أَمروَاس, أَذَاسِيخ أَمروَاس, أَذَاشخ إِوسمُون, أَذِيثثَّا إِسو, أَذٌورغِيفِي إِقِّيم أٌولاَمَّا)

– الترجمة.

  • سأقترض, سأقترض, لكي أعطي لصديقي النقود, لكي يتمكن من الأكل والشرب, ولكي أرفع عني اللوم.

مثل حقوق المرأة، المساواة بين الجنسين، والتعليم، والحريات الشخصية.من خلال الأغنية، بدأت المرأة الأمازيغية  في التعبير عن معاناتها وطموحاتها ونضالاتها للتحرر من قيود الثقافة الجمعية التقليدية  التي يؤطرها  المجتمع الأبيسي ولا يزال يفرض عليها العديد من القيود الاجتماعية والثقافية القديمة . على سبيل المثال ، كما أن الأغاني الأمازيغية النسوية أصبحت أداة للمطالبة بالتغيير الاجتماعي والنقد البنّاء للوضع القائم.كانت وماتزال أغاني الفنانات الأمازيغيات مثل سميرة المرضي تعبر عن قضايا التحرر الاجتماعي والمساواة بين النوع  الاجتماعي والنضال ضد التقاليد التي تحد من حرية المرأة الفنانة .

  • التحليل الثقافي والاجتماعي:

تعكس الأغنية الأمازيغية النسوية بُعدًا ثقافيًا غنيًا يعبر عن الهوية الأمازيغية الأصيلة، حيث يتم توظيف الرموز اللغوية والموسيقية بأسلوب فني نعوي ومتقن . التي لا تقتصر على  الجانب  الترفيهي فقط ، بل تلعب دور أرشفة  الثقافة الأمازيغية الشفويًة التي تحمل في طياتها حكايات الأسلاف ، معتقداتهم الشعبية، نظرتهم للحياة ، والتصورات الاجتماعية والثقافية حول المرأة  المبدعة وأسرتها ومحيطها بالأطلس المتوسط و المجتمع عامة .

من الناحية الاجتماعية، تؤدي الفناة سميرة المرضي دورها الثقافي والاجتماعي من  خلال الأغنية الأمازيغية وهو الدورً المحوريً  في تشكيل الوعي الجمعي  بالأطلس  المتوسط ونقل القيم الأخلاقية  والانسانية للأجيال القادمة . نسجل من خلال المضامين الفنية المتاحة في جميع  وسائل التواصل الاجتماعي وبعد تفريقها وتحليل محتواها ، نجد أن الفنانة سميرة المرضي  قد تناولت  ,و أحاطت بجميع الثيمات والظواهر الاجتماعية التي أفرزها وأنتجها مجتمع الأطلس المتوسط  وهي  موضوعات متعددة مثل الحب، الحزن، الفخر، النضال، والمساوة ومقاربة النوع الاجتماعي وحتى النقد الاجتماعي الواعي في صور رمزية لها دلالات تربوية وتوعوية بلغة أمازيغية منفتحة على العامية المغربية لتوسيع حقل التواصل  . بالإضافة إلى ذلك، لعبت الأغنية الأمازيغية النسوية من خلالها  دورًا هامًا في التوعية بقضايا المرأة، بحضورها الممتد في الفضاءات الثقافية والاجتماعية والبقاء المستمر في التدافع مع الفنانين الذكور لإثبات قدرتها وكفاءتها  في أداء المهام الغنائية الصعبة في خضم فضاء  فني مليء بالمطبات والمعيقات  ،من داخل هذا التدافع  الصعب  لتحقيق الذات تعكس الفنانة سميرة المرضي معاناتها وتطلعاتها في مجتمع تقليدي ينتصر لأحكام مسبقة دخيلة  على المجتمع الأمازيغي الأميسي” Matriarcale”  لا تفيد في الارتقاء بالحياة الاجتماعية للمرأة الامازيغية  التي  تفرض عليها قيودً الجهل للحد من حريتها وعطائها كفاعلة اجتماعية ثقافية سياسية .

تُعتبر أغاني الفنانة سميرة المرضي نموذجًا واضحًا لهذا الدور، حيث تقدم أعمالًا تحمل رسائل اجتماعية تعكس الواقع اليومي للمرأة الأمازيغية. من خلال كلماتها العميقة وصوتها الشجي، تسلط الضوء على قضايا مثل الاستقلالية، الحرية، والعدالة الاجتماعية، مما يجعلها أداة توعية قوية وتلخص في قولها بثاحدوسث التالية .

  • (أّمَاثلخ إِلزّمَانَا أّحمَّام نَّاذِيكَّاث الطِّير  إرزَايِي إِفر أُوسَار كِّيخ نِّيَاك أَعَارِي )

الترجمة .

  • أُشبِه في هذا الزمن الحمام الذي يتعرض للضرب من طرف الطير الجارح ،كسر جناحي لن أحلق أبدا فوق الغابة .

وهذا الاختزال الواعي والدال في مضمون تاحيدوست ،يبرز أن  ما تتعرض له المرأة  الأمازيغية المبدعة ، من إبعاد اجتماعي وتعليمي وثقافي واقتصادي  وكل التفاوتات ليس ليست غائبة عن المواضيع التي تمكنت سميرة المرضي من تشريحها  والترافع عنها في المحافل الثقافية  والسهرات والأعراس، من خلال الأغنية الأمازيغية التي تريد أن  تعكس من خلالها الجوانب المختلفة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية  التي تعاني منها المرأة الأطلسية ، تساءل مواضيع أخرى  مثل الهجرة، الفقر، والتعليم، مما يمنحها بُعدًا نقديًا واعيا وهامًا. ولأن الفنانة الأمازيغية سميرة المرضي  لها من الوعي والنقد البناء والخبرة الميدانية في الغناء الأمازيغي ما يزكي طموحها في الارتقاء بهذا الفن الأصيل، ولا تعتبره مجرد فن  عادي ، بل هو وسيلة ثقافية للاحتجاج البناء  لتصحيح و رفض بعض  الاسقاطات وأحرى أحكام قيمة والممارسات التقليدية التي تحد من تطور الفنانة الامازيغية و المرأة عامة .

  • تطور الأغنية الأمازيغية النسوية:

مع مرور الزمن، شهدت الأغنية الأمازيغية في الأطلس المتوسط تحولات مهمة. في فترة ما بعد الاستقلال، برزت فنانات محترفات أسسن لأسس الأغنية الأمازيغية الحديثة، مستفيدة من الإرث التقليدي مع ملاءمة عناصر تقنية وأفكار جديدة تتماشى مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية بالمغرب .  مع أن هذا التطور الحاصل لم يكن بمعزل عن تأثيرات العصرنة والتقنيات الحديثة، حيث سعت الفنانات الأمازيغيات  إلى دمج  الأصالة كتراث له عمقه في التاريخ والتجديد الحديث المتناغم  لاستمالة أذواق  الأجيال الصاعدة.​

  • دور المرأة الأمازيغية في تطوير الأغنية:

كانت وماتزال  النساء الأمازيغيات قديمًا وحديثا تحملن مسؤولية الحفاظ على التراث الغنائي الأمازيغي ، وكن حريصات على أن  يُشَاركن في جميع الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية والثقافية والتربوية ، مع الإصرار الممتد في الذاكرة الجماعية النسوية  على تقديم التراث والثقافة الأمازيغية عبر منفذ الغناء، أصبح الإقبال أكبر على الأعمال الفنية النسائية بعد الاستقلال. بدأت النساء الأمازيغيات  بالأطلس المتوسط في اقتحام عالم الفن بشكل محترف، الأمر الذي سمح بظهور سميرة المرضي  بأغاني وأعمال فنية  جيدة وأكثر تنوعًا وبقوة تأثير مهمة في المجتمع الأمازيغي المستهدف .

  • الأثر الثقافي والتكنولوجي:
  • تأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي :

من العوامل الأساسية والبارزة التي ساعدت في تطور الأغنية الأمازيغية النسوية لدى سميرة المرضي ، هي الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي . مع ظهور القناة الثامنة التلفزيونية  والإذاعات  الرقمية،  واليوتيوب والانستاغرام والتيك توك  والاستديو هات الجهوية الخاصة …أصبح بإمكان الفنانة الأمازيغية أن تصل بسهولة  إلى الجمهور الواسع من النقاد والفاعلين الثقافيين والمستهلكين للمضامين الموسيقية الأمازيغية  داخل المغرب وخارجه. كما ساهمت بسخاء منصات الإنترنت ومنصات الموسيقى الرقمية  منح سميرة المرضي وباقي الفنانات الأمازيغيات  بالأطلس المتوسط  ، القدرة على نشر أعمالهن بسهولة، مما ساعد في زيادة التأثير الثقافي للأغنية الأمازيغية النسوية واستمرارها في لعب أدوار مهمة في الساحة الفنية .

  • التكنولوجيا والتحديث الموسيقي :

ساعدت هذه التحولات المهمة سميرة المرضي في استخدام التكنولوجيا الحديثة  في الحصول على توزيع جيد لأغانيها ، ما جعل من محتوى مضمون منجزها الغنائي يصل  ويؤثر على اختيارات الجمهور الوطني بالداخل والشتات بالخارج . إضافة إلى ذلك، أصبحت سميرة المرضي  من الفنانات الأمازيغيات الرائدات  في تنوع لغاتها في التواصل ، وهي التي اعتمدت العامية المغربية في كراستها الفنية ،  ولقد اعتمدت في كل هذا على تقنيات جديدة مثل التوزيع الموسيقى الإلكتروني وتوظيف العينات الصوتية المتعددة  حسب الأستوديو الموظف في تسجيل الملحمة الغنائية الخاصة بها  ، مما جعل أغانيها الأمازيغية أكثر حداثة وأكثر تجاوبا مع العصر. وقد ساعد هذا المنحى في التفاعل بين الأصالة والتجديد على إبراز هويتها الفنية الجديدة الخاصة بها  .

  • القيم الجمالية في أداء سميرة المرضي :

تتميز الفنانة سميرة المرضي بإحساسها العميق في الأداء، حيث تعتمد على انتقاء المفردات بعناية وإيصالها بإيقاع متناغم يلامس وجدان المستمع. تمتزج عناصر الموسيقى والأداء الصوتي في أعمالها بشكل منسجم، ما يخلق تجربة فنية فريدة تتجاوز حدود الترفيه إلى مستوى فني يعكس عمق الأحاسيس والتعبير عن المكنونات الداخلية للفنانة .

يعتمد الأسلوب الغنائي لسميرة المرضي على التفاعل بين المقامات الموسيقية التقليدية والإيقاعات المتنوعة الحديثة ، مما يضيف على الأغنية الأمازيغية بعدًا ديناميكيًا في الأداء واللحن والشعر والهوية البصرية الخاصة باللباس التقليدي الأمازيغي  . كما توظف التكرار الصوتي والنغمي بشكل مدروس لتعزيز التأثير العاطفي للأغنية، ما يجعلها تجربة حسية تمس القلوب قبل الآذان. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأداء مسرح الغناء  لسميرة المرضي يضفي قيمة جمالية إضافية على أغانيها، حيث تحرص على التفاعل مع الجمهور عبر الحركات التعبيرية والتواصل البصري، ما يزيد من قوة التأثير الفني لأدائها. لأن الموسيقى الأمازيغية لا تقتصر على  الأصوات وإيقاعات فقط ، بل ترقى إلى لغة حية تنبض بالمشاعر والأحاسيس العميقة.

  • دور الفنانة الأمازيغية في التوعية والتربية عبر الغناء :

تلعبت الفنانة الأمازيغية عامة وسميرة المرضي خاصة دورًا بارزًا في نشر الوعي الاجتماعي والتربوي  والثقافي من خلال الأغنية الأمازيغية ، إذ شكل الغناء عبر العصور وسيلة أساسية  لنقل القيم الجمالية والانسانية  والتجارب الاجتماعية  للأجيال المقبلة . ما يخلق رابطا موضوعيا بالماضي الثقافي والحاضر .حيث تناولت أغانيها مواضيع متنوعة مثل الحكمة، التربية، العادات والتقاليد، وبهذا تكون قد قدمت نظرة نقدية متميزة لقضايا مجتمعية تتعلق بالمرأة ودورها في الأسرة والمجتمع.

من خلال أغانيها، تساهم سميرة المرضي في تعزيز الوعي الثقافي والتربوي لدى الجمهور، فهي تقدم محتوى يعكس تجربة المرأة الأمازيغية في مواجهة التحديات المختلفة، سواء الاجتماعية، الاقتصادية، أو الثقافية. تساهم هذه الأغاني في نشر مفاهيم مثل احترام المرأة، تمكينها من فرص التعلم ، وتعزيز دورها الأساسي في بناء المجتمع.

كما أن الأغنية الأمازيغية النسوية تعمل كأداة تثقيفية، تعزز من مكانة المرأة في المجتمع عبر سرديات وقصص نجاحها وكفاحها ضد العوائق المختلفة. وبهذا، فإن دور الفنانة الأمازيغية سميرة المرضي  لا يقتصر على الغناء فقط، بل يمتد ليشمل التربية والتوجيه والتأثير في الرأي العام.

  • مكانة المغنية الأمازيغية في الساحة الفنية:

  تواجه الفنانات الأمازيغيات تحديات كبيرة في ظل التقاليد والعادات القديمة ، حيث يواجهن قيودًا اجتماعية تحول دون انتشارهِن بحرية في المجال الفني المختلف . لكن  رغم هذا وذاك من أنواع المعيقات ، استطاعت بعض الفنانات الأمازيغيات ، مثل سميرة المرضي، من إثبات حضورهن المتميز والدال على أنهن القديسات اللواتي  يحافظن على التراث الغنائي الأمازيغي وامتداده في المكان والزمان وبذلك يضفين بصمتهن الخاصة عليه.

تظل مكانة المغنية الأمازيغية سميرة المرضي في الساحة الفنية محكومة بالعديد من التحديات التي ترتبط بالخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجتمع الأمازيغي. فالمغنية الأمازيغية، شأنها شأن النساء في مجالات أخرى، تعاني من بعض القيود الاجتماعية التي تفرضها العادات والتقاليد التي تشهد غالبًا تحفظًا إزاء ظهور المرأة في المجال الفني. فقد كان الفن، في معظم الأحيان، ميدانًا ذكوريًا، وقد مُنعت العديد من النساء الأمازيغيات من المشاركة في الأنشطة الثقافية والفنية بسبب اعتبارات تتعلق بالحياء والدور التقليدي للمرأة في المجتمع الأمازيغي، الذي يراها في أغلب الأحيان في إطار الدور الأسري أو الزراعي دون أن يكون لها مجال متاح للتعبير عن نفسها في المجالات العامة.

لكن رغم هذه القيود الاجتماعية، استطاعت العديد من الفنانات الأمازيغيات، وعلى رأسهن الفنانة سميرة المرضي، أن يتجاوزن هذه الحواجز ويثبتن مكانتهن في المشهد الفني. إن نجاح سميرة المرضي في اختراق الساحة الفنية وتقديم نفسها كفنانة أمازيغية تعبر عن هموم وتطلعات المرأة الأمازيغية هو نتيجة لمجموعة من العوامل التي ساعدت على إبراز شخصيتها الفنية، مثل ارتباطها العميق بالثقافة الأمازيغية، وتفانيها في الحفاظ على لغتها وتراثها الموسيقي. ومن خلال صوتها الشجي وإيقاعاتها المميزة، استطاعت أن تحافظ على هوية الفن الأمازيغي في قالب معاصر يواكب التغيرات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة.

في هذا السياق، تأتي أهمية سميرة المرضي باعتبارها مثالًا للفنانة التي تمكّنت من التوفيق بين المحافظة على أصالة التراث الأمازيغي وبين التجديد الفني الذي يتماشى مع احتياجات الأجيال الجديدة. إذ يعتبر صوتها واحدًا من الأصوات النوعية التي نجحت في نقل قضايا المجتمع الأمازيغي لتطفو به إلى سطح المساءلة ، وإلى الساحة الفنية الكبرى، مما جعلها تجذب اهتمامًا فنيًا وجماهيريًا في المغرب وخارجه.وعلى الرغم من هذه النجاحات، ما زالت المغنيات الأمازيغيات يواجهن العديد من التحديات، إذ يبقى المجتمع الأمازيغي في بعض جوانبه مجانبا لصواب العقل والمنطق ، بوضعه قيودًا اجتماعية على حرية النساء في ممارسة الفن الغنائي الامازيغي. هذه القيود تظهر في شكل ضغوط اجتماعية تتعلق بإلصاق الصور النمطية على المرأة  الأمازيغية المغنية ، وقد تُعَارض ظهورها في الإعلام والأنشطة الفنية بشكل علني. ومع ذلك، تظل تجربة سميرة المرضي نموذجًا قويًا لما يمكن أن تحققه المرأة الأمازيغية عندما تجد الدعم والتقدير لإبداعها الفني، مما يعزز من موقعها في الساحة الفنية.

بالتالي، يبقى الفن الأمازيغي النسوي بحاجة إلى مزيد من الاعتراف والتمكين على مختلف الأصعدة، سواء من خلال دعم المؤسسات الثقافية، أو من خلال توفير بيئة ملائمة تتيح للفنانة الامازيغية أنتحقق ذاتها .

  • التحليل السوسيولوجي لظاهرة الأغنية النسوية في الأطلس المتوسط من خلال أغاني سميرة المرضي:

تُعتبر الأغنية النسوية الأمازيغية في الأطلس المتوسط جزءًا من التراث الثقافي الغني لهذا المجتمع ، وقد اكتسبت مكانة خاصة في المشهد الفني لما تعكسه من واقع اجتماعية واقتصادي تخص  وضعية المرأة الأمازيغية بشكل خاص والمجتمع الأطلس المتوسط بشكل عام. وعند الحديث عن الفنانة سميرة المرضي، نجد أن أغانيها تمثل مرآة صادقة للمجتمع الأمازيغي المعاصر، حيث تتناول قضايا معاصرة ذات طابع اجتماعي وثقافي عميق، مما يجعلها مصدرًا غنيًا لفهم الظواهر السوسيولوجية بالمنطقة.

  • الأغنية النسوية كأداة تعبير اجتماعي:

تتمثل وظيفة الأغنية النسوية في الأطلس المتوسط، بما في ذلك أعمال سميرة المرضي، في كونها وسيلة فنية تعبر عن أحوال المجتمع وأوضاع المرأة الأمازيغية، خاصة في القرى النائية والمناطق الجبلية. ومن خلال مواضيع الأغاني، يمكننا التعرف على هموم ومتطلبات ومعانات وآمال النساء الأمازيغيات المبدعات ، اللواتي يعشن في بيئة تتداخل فيها التقاليد الاجتماعية البالية  مع قضايا عصر المعرفة والتكنولوجيا الحديثة .

في هذا السياق، نجد أن أغاني سميرة المرضي تتسم بالقدرة والكافية للتعبير عن واقع المرأة الأمازيغية عبر مضمون نصوص شعرية تعالج قضايا هامة مثل الهجرة، الهوية، العادات، التقاليد، التحديات الاجتماعية، والنضال من أجل خلق فضاء يسير لتحقيق حقوق المرأة في مجتمع الاطلس المتوسط الذي يتسم بطابع يغلب عليه التفكير الجمعي  للقبيلة والفخضة والعائلة ، وهي من القيود الاجتماعية التقليدية التي لا تخدم تقدم المرأة المبدعة والطموحة  . ونجد أن هذه المواضيع تمثل فعلا انعكاسًا حقيقيًا للمشاكل والتحديات اليومية التي تواجهها المرأة المغنية  في المجتمع الأمازيغي، وخاصة فئة النساء النشيطات ، مما يمنح الأغاني بعدًا سوسيولوجيًا هامًا في التعبير عن الهوية الثقافية والمجتمعية.

  • الهجرة وتحديات الهوية:

تتعلق العديد من أغاني سميرة المرضي بهجرة الأمازيغ وترحالهم ، سواء إلى المدن الكبرى أو خارج البلاد، نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية ،التي يعاني منها المجتمع الأمازيغي في المناطق الجبلية. وتُظهر هذه الأغاني بوضوح التأثيرات النفسية والاجتماعية للهجرة على الأفراد، وخاصة على الفنانات  اللواتي فرضت عليهن مغادرة مسقط رأسهن بناء على ظروف اجتماعية، وللبحث عن فضاء الحرية والارتقاء بإبداعهن بالمدن الحاضنة لهذا النوع من الفن كمدينة أزرو ومدينة خنيفرة  ، ومنهن من هاجرت خارج وطنها بحثًا عن حياة أفضل وفضاء أوسع للحرية والإبداع .

عبر قصائد شعرية مؤثرة، تتحدث أغاني سميرة المرضي عن الحنين إلى الوطن وعن الاغتراب المادي والرمزي الذي تشعر به الفنانة سواء بوطنها أو  بالمهجر ، وقد يكون هذا الدافع من يعكس التوتر الداخلي بين مسألة المحافظة على الهوية الثقافية الأمازيغية  والانفتاح على العالم الحديث بكل تحدياته .

الفنانة الأمازيغية  سميرة المرضي التي تغادر المكان الجغرافي الأصلي  ولا تغادر الابداع ولم تتخلَ ولو لهنية عن تراثها وهويتها الأمازيغية التي تسكنها أكثر من المكان ، وهي تحاول دائمًا الحفاظ على الارتباط الدائم والممتد في الوجدان بالجذور الثقافية الأمازيغية  رغم الضغوطات العائلية و الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا، تصبح الأغنية الأمازيغية  النسوية من خلال إبداعات سمير المرضي ،وسيلة هامة لتوثيق هذا التفاعل المعقد بين الهجرة المحلية والوطنية والدولية والهوية الثقافية الأمازيغية العريقة .

  • العادات والتقاليد:

من خلال أغاني سميرة المرضي، يتم تسليط الضوء على العادات والتقاليد التي لا تزال تشكل جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية في الأطلس المتوسط. إلا أن هذه الأغاني لا تقدم صورة  مقدسة ومثالية لهذه التقاليد القديمة ، بل تشرحها في قالب نقدي موضوعي  ، وقد تعترضها أحيانًا التحديات التي تواجهها كل فنانة مبدعة ، تريد السمو بالمضامين الغنائية بالأطلس المتوسط بصفته مجتمع تقليدي يتسم في غالب الأحيان بالسلطوية الأبوية الذكورية . هذه التقاليد التي قد تكون قيدًا على تطور الفنانة الأمازيغية  ،وقيدا لتقليص حقوقها وهو ما جعل منه  موضوعًا نقديًا في أغاني سميرة المرضي، ما يساهم في تحليل العلاقة المعقدة بين التقاليد والحداثة.

غالبًا ما تتطرق هذه الأغاني إلى قضايا مثل الزواج المبكر، والتحكم في حرية المرأة، والضغوط الاجتماعية التي تحد من استقلاليتها. إن سميرة المرضي تقدم في أغانيها نوعًا من التحليل السوسيولوجي، حيث تبرز معاناة النساء في التعامل مع هذه التقاليد وتطرح أسئلة حول إمكانية إصلاح هذه الأعراف للحفاظ على التوازن بين المحافظة على الهوية الثقافية والتطلع إلى المستقبل.

  • الفنانة الأمازيغية والنضال من أجل حقوقها:

تشكل أغاني سميرة المرضي أيضًا منصة للنضال من أجل حقوق المرأة الأمازيغية عامة . إذ تعكس الأغاني الكفاح اليومي الذي تخوضه النساء ضد الممارسات الاجتماعية التمييزية. وفي هذا السياق، استخدمت الأغاني كأداة احتجاجية حيث تسلط الضوء على قضايا مثل التعليم، العمل، والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.

من خلال مضمون شعرها العميق، تقدم سميرة المرضي نموذجًا للمرأة الفنانة القوية التي تكافح من أجل تحقيق الاستقلالية وتحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. كما تُظهر الأغاني فعل الوعي المتزايد بحقوق المرأة الأمازيغية في عالم معاصر يتسم بالتحولات الاجتماعية العميقة.

  • التفاعل بين الواقع الفني لسميرة المرضي والواقع الاجتماعي:

إن الغناء الأمازيغي النسوي، وبالأخص أغاني سميرة المرضي، لا يقتصر فقط على أداء موسيقي محظ ، بل هو انعكاس حقيقي لما تعيشه المرأة الأمازيغية من تحديات وتغيرات. تكمن قوة هذه الأغاني في أنها تحمل رسائل اجتماعية تلامس الواقع، وتمثل صوتًا لمجموعة كبيرة من النساء الأمازيغيات اللواتي يعانين في صمت من الضغوطات الاجتماعية.

إن أغاني سميرة المرضي، جزء من الأغنية النسوية في الأطلس المتوسط، تعتبر مرآة صادقة لواقع المرأة الأمازيغية والمجتمع الأمازيغي بشكل عام. هذه الأغاني توفر أداة تحليل سوسيولوجي قوية لفهم التحديات الاجتماعية، الثقافية، والاقتصادية التي تواجهها المرأة في هذا السياق، وتُبرز دور الفن في التعبير عن قضايا اجتماعية معقدة. إن سميرة المرضي، من خلال منجزها الغنائي ، تساهم في تقديم صورة حية عن النساء الأمازيغيات المبدعات ،المناضلات ،المتحررات من الثقافة الجمعية التقليدية  ، ما يجعل فنها يرقى بفعل التوعية والنقد الاجتماعي الموضوعي في آن واحد.

  • التحليل الجمالي للأغنية الأمازيغية في الأطلس المتوسط من خلال غناء سميرة المرضي:

تعتبر الأغنية الأمازيغية في الأطلس المتوسط أحد ألوان الفنون التي تجمع بين الأصالة والحداثة، وقد تطورت بشكل يعكس التفاعل الدائم بين التراث الثقافي الأمازيغي والتأثيرات الحديثة. ومن خلال مضمون الأغنية الامازيغية  للفنانة سميرة المرضي، يمكننا ملاحظة كيف استطاعت هذه الأغاني أن تعكس جماليات فنية مميزة، سواء على مستوى الإيقاع، التنغيم، أو اللحن، والكلمات بما يعكس الروح الأصيلة لهذا الفن، وفي ذات الوقت، تساهم في تجديده كلما بدا ذلك ضروريا ليتماشى مع متطلبات العصر الحديث.

  • التنغيم وإيقاع الأغنية الأمازيغية:

يمثل التنغيم والإيقاع العنصرين الأساسيين في أغاني الأطلس المتوسط الأمازيغية، حيث يتسم الغناء الأمازيغي باستخدام تقنيات صوتية وموسيقية متنوعة، مثل النغمات التكرارية التي تعزز تأثير اللحن في الذاكرة السمعية للمتلقي. هذا التناغم بين الصوت والموسيقى يُعتبر بمثابة لغة تلامس أعماق وجدان المستمع، حيث تتنقل بين حالات مختلفة من الفرح والحزن، الرغبة والرفض، وهو ما يتيح للفنانة سميرة المرضي التأثير العاطفي الكبير على جمهورها.

يتسم إيقاع الأغنية الأمازيغية بالثبات والمرونة في ذات الوقت، إذ يعتمد على إيقاعات تقليدية شديدة الدقة لكنها مرنة في التعبير عن حالات نفسية واجتماعية متنوعة. تتقاطع هذه الإيقاعات مع التغيرات السريعة في الإحساس وتعبير الفنانة عن مضامين الأغاني، مما يعكس التفاعل بين التراث والتجديد في أسلوبها الغنائي.

  • توظيف الأداء الحي كعنصر جمالي:

تميزت سميرة المرضي عن العديد من الفنانات الأمازيغيات بخصوصيتها و بقدرتها على تقديم أغانيها في عروض حية حيث تلتقي الموسيقى والغناء مع الحركة والتفاعل المباشر مع الجمهور. في هذا السياق، يصبح الأداء الحي جزءًا من جمال الأغنية الأمازيغية التي تقدمها سمير المرضي نفسها، فهو لا يتوقف عند مجرد صوت أو لحن بل يشمل الحضور الكوريغرافي المسرحي كتعبير جسدي ، الذي يعكس عمق خطاب فكرة ومضمون الأغنية . حيث تظهر سميرة المرضي من خلال إيماءاتها الجسدية وتفاعلها مع جمهورها قدرة على فائقة في نقل المعاني والمشاعر  الايجابية من وراء الأغاني بطريقة مؤثرة.

إضافة إلى ذلك، فإن الأداء الحي لدى سميرة المرضي لا يقتصر فقط على تقديم الأغاني بشكل تقليدي، بل يحمل في طياته قدرة على المزج بين الأسلوب العصري والأصالة، مما يجعل كل من كل لمة غنائية تجربة فنية جديدة و فريدة تشارك فيها الفنانة السفر مع جمهورها في رحلة عاطفية وحسية متناغمة البنية .

  • الألحان المتقنة: 

تُعتبر الألحان المتقنة في أغاني سميرة المرضي عنصرًا محوريًا في تعريف جماليات الأغنية الأمازيغية. تمتاز ألحانها بالقدرة على التحول والتنوع، مما يضمن جذب الأذن الأمازيغية الأصيلة وجعلها تتفاعل مع الأغنية على مستوى أعمق. تعكس الألحان في أغاني سميرة المرضي إلمامها العميق بالتراث الموسيقي الأمازيغي، حيث تقوم بتوظيف الآلات التقليدية مثل الكمان والوترة –أَقزذَامُّو – ،العود والدف  إلى جانب الآلات الحديثة، مما يمنح أغانيها طابعًا متفردًا.

بفضل قدرتها على تدبير المجموعة الغنائية والنجاح في الربط الجيد بين الأدوات التقليدية والتقنيات الحديثة، تخلق سميرة المرضي توازنًا مثاليًا في الحفاظ على أصالة الأغنية الأمازيغية شاملة يمكن أن تتماشى مع الأذواق المعاصرة. هذا التناغم يعكس جمال الأغنية الأمازيغية بطريقة عصرية ومتجددة.

  • التنوع الموضوعي في الأغاني:

من الجانب الجمالي أيضًا، تتسم أغاني سميرة المرضي بتنوع المواضيع التي تُعالجها، وهو ما يعكس قدرة الأغنية الأمازيغية على التجديد والتطور مع مرور الزمن. تتناول أغانيها موضوعات مثل الحب، النضال الاجتماعي، التقاليد والعادات، وهو ما يجعلها تتوجه إلى جمهور واسع يشمل كافة الفئات الاجتماعية والثقافية. لذا يمكننا القول إن سميرة المرضي قدمت نموذجًا مميزًا للأغنية الأمازيغية التي لا تقتصر على البعد الجمالي فقط، بل تمتد لتشمل الأبعاد الاجتماعية والنقدية.

  • الجمالية الصوتية والمحتوى الثقافي: 

تضاف الجمالية الصوتية لسميرة المرضي إلى قوة تأثيرها الفني. صوتها الذي يتنقل بين الجمل النغمية القصيرة والتكرار المميز يعزز من القدرة على نقل المعنى وإيصال الفكرة بعمق أكبر. من خلال صوتها، تظهر سميرة المرضي قدرتها على استحضار ألوان مختلفة من المشاعر مثل الحزن، الفرح، القلق، الأمل، وكذلك الراحة الروحية، مما يعزز من تجربة الاستماع.

أما في ما يتعلق بالمحتوى الثقافي، فإن أغانيها تُعد جزءًا من الحراك الثقافي الأمازيغي الذي يتجدد باستمرار. تتناول أفكارًا متجذرة في التراث لكن مع إعطائها أبعادًا معاصرة تُبقي على الاتصال بين الماضي والحاضر. ففي كل أغنية، نجد سميرة المرضي تساهم في الحفاظ على الذاكرة الجماعية الأمازيغية، بينما تعيد تكييفها مع الظروف الاجتماعية الحديثة.

إن التحليل الجمالي للأغنية الأمازيغية في الأطلس المتوسط من خلال أعمال سميرة المرضي يُظهر كيف يمكن للموسيقى والفن أن يصبحا تجسيدًا حيًا للتراث والثقافة الأمازيغية. من خلال أسلوبها الفريد في التنغيم والإيقاع، واستخدامها للأداء الحي واللحن المتقن، تساهم سميرة المرضي في إثراء هذا اللون الفني وتعزيزه. حيث يعكس فنها الجمالي توازنًا بين الأصالة والتجديد، مما يمنحها قدرة على جذب الجمهور الأمازيغي المعاصر وإيصال رسائل ثقافية واجتماعية عميقة.

  • تشجيع المرأة الأمازيغية على الخوض في مجالات الفن والغناء بدون قيود رجعية.

إن تشجيع المرأة الأمازيغية على ممارسة الفن والغناء يمثل خطوة أساسية نحو الحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية وتطويرها، في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها. فالمرأة الأمازيغية كانت ولا تزال تلعب دورًا محوريًا في نقل الثقافة والحفاظ عليها، ولكن في كثير من الأحيان تواجه قيودًا مجتمعية ترتبط بالعادات والتقاليد التي تقيّد حريتها الفنية وتعبيرها الإبداعي.

  • أهمية الفن في الحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية: 

الفن هو مرآة للهوية الثقافية، وعندما يتمكن الفنانون والفنانات من التعبير بحرية، فإنهم يساهمون في توثيق تاريخهم وحكاياتهم . المرأة الأمازيغية، بنظرتها الخاصة وتجربتها الفريدة، قادرة على نقل ملامح من التراث الثقافي بشكل مؤثر وعميق. ولكن هذه القدرة على التعبير لا ينبغي أن تكون محكومة بقواعد اجتماعية أو تقاليد متحجرة تحد من إبداعها. في ظل العصرنة والتغيرات الاجتماعية، يجب أن يُسمح لها بمواكبة العصر ومزج الأصالة بالحداثة، مما يساعد على تطور الفن الأمازيغي ليظل حيًا ومتجددًا.

  • دعم المواهب النسوية الأمازيغية:

يعد دعم المواهب النسوية الأمازيغية في مجال الفن والغناء ضرورة ملحة. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء برامج ومؤسسات تدعم الفنانات الأمازيغيات في مسيرتهن الفنية، وذلك بتوفير الفرص اللازمة لهن للظهور في المهرجانات الثقافية، والتدريب على أدوات وتقنيات جديدة تساهم في تعزيز مستوى أعمالهن. لا يجب أن تقتصر هذه الفرص على التعريف بالفنانة فقط، بل يجب أن تشمل أيضًا توفير الدعم المالي، التقدير الاجتماعي، وتنظيم مسابقات وفعاليات خاصة بالنساء الأمازيغيات، وذلك لتشجيعهن على إبراز مواهبهن والتفاعل مع الجمهور.

  • تحرير التعبير الفني من القيود الرجعية:

من أهم الخطوات لتحقيق هذا الهدف هو التحرر من القيود الرجعية التي تُفرض على المرأة الأمازيغية. إذ يمكن لهذه القيود أن تأخذ شكل الرقابة الاجتماعية أو حتى الانتقادات التي تطال الفنانات الأمازيغيات بسبب خروجهن عن الأعراف السائدة. يجب أن يكون من حق المرأة الأمازيغية التعبير عن نفسها بحرية تامة من خلال الفن والغناء، دون خوف من التهميش أو الرفض المجتمعي.

الفن ليس فقط وسيلة للتسلية والترفيه، بل هو أيضًا أداة للمقاومة والتغيير. عندما تتجرأ المرأة الأمازيغية على مغادرة الحواجز المفروضة عليها والولوج إلى عالم الفن والغناء، فإنها تساهم في كسر القيود الاجتماعية التي قد تحد من تطورها وتحريرها. بهذه الطريقة، تصبح الأغنية والفن الأمازيغي أداةً قوية في تعزيز حقوق المرأة وتمكينها.

  • البيئة الفنية المساندة: 

إن توفير بيئة فنية تحترم خصوصيات الفنانة الأمازيغية من خلال ضمان حرية التعبير والإبداع يُعد خطوة أساسية لتحقيق التغيير. ينبغي على المؤسسات الثقافية والمجتمعية أن تضمن أن يكون المجتمع الفني مكانًا يحتضن التنوع ويشجع على الابتكار، بعيدًا عن الضغوطات التقليدية التي قد تحد من قدرة المرأة على الإبداع. وعليه، يتوجب أن تُسهم هذه المؤسسات في خلق بيئة حاضنة تحترم إرث المرأة الأمازيغية، وتعزز قدراتها على إبراز ثقافتها في مختلف السياقات.

  • تعزيز دور المرأة الأمازيغية في الساحة الفنية:

يجب أن نعيد الاعتبار للفنانة الأمازيغية كجزء من المشهد الفني العام، فإبداعها هو جزء من هوية وثقافة الوطن ككل. ويجب أن يشمل هذا التقدير الرسمي وغير الرسمي، سواء من خلال دعم المشاريع الفنية النسوية أو تخصيص مساحات إعلامية للمبدعات الأمازيغيات. هذه الخطوات ستساهم في تعزيز الوعي الثقافي وتوسيع قاعدة جمهور الأغنية والفن الأمازيغي.

إن تشجيع المرأة الأمازيغية على الخوض في مجالات الفن والغناء من دون قيود رجعية هو ضروري للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية وتعزيز مكانة الفن الأمازيغي في الساحة الثقافية المغربية والعالمية. عبر منح المرأة الأمازيغية الفرصة للتعبير بحرية عن نفسها، سنتمكن من إثراء الفن الأمازيغي، وفتح أفق جديد للإبداع الفني الذي يعكس قضاياها الاجتماعية والاقتصادية بصدق.

  • دور الشعر الغنائي في تطوير الثقافة الواعية والناقدة:

يُعتبر الشعر الغنائي الأمازيغي واحدًا من أهم وأبرز أشكال التعبير الفني في الثقافة الأمازيغية، حيث يمثل جزءًا حيويًا في بناء الهوية الثقافية ونقل القيم الاجتماعية عبر الأجيال. الشعر الأمازيغي الغنائي لم يكن مجرد وسيلة للترفيه، بل كان وسيلة توعية ونقد اجتماعي، يعكس القضايا اليومية والهموم المجتمعية، من خلال كلمات تُحاكي الواقع وتستشرف المستقبل.

  • الشعر الغنائي كأداة للتنمية الفكرية والنقد الاجتماعي:

يُسهم الشعر الغنائي الأمازيغي في تطوير الفكر النقدي عن طريق طرح موضوعات وقضايا مجتمعية هامة، مثل معاناة الفئات المهمشة، وتحولات المجتمع، والظروف الاقتصادية، وأوضاع المرأة. لا تقتصر الأغاني على الترفيه أو التعبير عن الأحاسيس الشخصية، بل تتخذ طابعًا تحليليًا يسلط الضوء على مشكلات وتحديات المجتمع. من خلال استخدام الرمزية، والمجاز، والإيقاع، يشجع الشعر الغنائي الأمازيغي المتلقي على التفكير والنقد، ويعمل كمرآة تعكس الواقع، كما يدعو إلى التغيير.

  • أغاني سميرة المرضي كمثال حي:

في حالة الفنانة سميرة المرضي، تُعد أغانيها مثالاً حيًا على استخدام الشعر الغنائي الأمازيغي لتعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي. تستلهم سميرة المرضي من التراث الشعري الأمازيغي التقليدي، لكنها تقوم بإعادة تشكيله بأسلوب حديث يعكس التحديات التي تواجهها المرأة الأمازيغية والمجتمع بشكل عام. من خلال كلماتها، تتناول مواضيع مثل الهجرة، الهوية، تقاليد المجتمع، والنضال الاجتماعي، مما يجعل أغانيها أكثر من مجرد عرض موسيقي، بل تصبح أداة للخطاب النقدي الاجتماعي.

 

  • العمق الفكري والجمالي في أعمال سميرة المرضي:

ما يميز أغاني سميرة المرضي هو ذلك التناغم بين الشعر الأمازيغي التقليدي والعناصر الحديثة التي تضفي على أغانيها عمقًا فكريًا وجماليًا. إن إدخالها لأبعاد ثقافية ونقدية معاصرة في أغانيها يجعل منها صوتًا يتجاوز الجمالية الفنية إلى مجالات التوعية والنقد الاجتماعي. فالشعر الغنائي في أغانيها لا يتناول فقط الجماليات أو الأحاسيس الفردية، بل يتعامل مع قضايا المجتمع ويقدم حلولًا أو تساؤلات تدعو إلى التفكير.

  • الشعر الغنائي كأداة لبناء الوعي الثقافي:

الشعر الغنائي الأمازيغي، بما يحتويه من رسائل ثقافية وتاريخية، يساهم في بناء الوعي الثقافي للمتلقي. فالشعر ليس مجرد كلمات تُغنى، بل هو وسيلة لتعليم الأفراد عن تاريخهم وهويتهم، وفتح باب الحوار حول القضايا المعاصرة. من خلال أغاني مثل تلك التي تقدمها سميرة المرضي، يتم الحفاظ على اللغة الأمازيغية وتوثيق قصص الأجداد، مع تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الثقافة في مواجهة العولمة والتحديات الحديثة.

  • الشعر الغنائي والتأثير في المجتمع:

من خلال أغانيها، تدعو سميرة المرضي المجتمع إلى إعادة التفكير في قيمه، وتنبه إلى قضايا قد تكون مغفلة أو غير معلنة، مثل تلك التي تتعلق بتمكين المرأة، والحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية، والمساواة الاجتماعية. بذلك، يُصبح الشعر الغنائي الأمازيغي أداة لتوجيه المجتمع نحو النقد البناء والوعي الاجتماعي، بالإضافة إلى كونه وسيلة لتمجيد الثقافة الأمازيغية ودعم استمرارها في المستقبل.

إجمالًا، يُعتبر الشعر الغنائي الأمازيغي أداة قوية لنقل القيم الثقافية والاجتماعية، ويسهم في تعزيز الفكر النقدي والوعي الثقافي. في هذا السياق، تُعد أغاني سميرة المرضي نموذجًا معاصرًا لهذا الدور الكبير، حيث تستخدم الشعر الأمازيغي التقليدي لطرح قضايا اجتماعية معاصرة، مما يجعل من فنها أكثر من مجرد موسيقى، بل أداة فعالة للتغيير الاجتماعي والثقافي.

  • وزارة الثقافة المغربية والنهوض بالفن الغنائي النسوي الأمازيغي.

يُعد الفن النسوي الأمازيغي أحد ألوان الثقافة المغربية عامة والامازيغية خاصة ، الغنية والمتنوعة التي تعكس عمق الهوية المغربية. إذ لطالما شكلت المرأة الأمازيغية حلقة وصل مهمة في نقل التراث الموسيقي والغنائي إلى أبعاد مجتمعية مختلفة ، الذي يعبر عن قصص وظواهر المجتمع الأمازيغي وتقاليده وحكمته. ورغم هذه الأهمية القصوى التي يجب أن تعطى لهذا الفن النسوي المتميز ، يظل في غالب الأحيان مهمشًا مقارنة بالأشكال الفنية الأخرى في الساحة الثقافية المغربية. ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى دعم وزارة الثقافة المغربية والخواص من شركات الانتاج والأستوديوهات الخاصة،  لهذا النوع الفني  الأمازيغي الحيوي، خاصة من خلال مجموعة من المبادرات التي يمكن أن تسهم في الحفاظ عليه وتطويره.

  • إدماج الفن النسوي الأمازيغي في البرامج الثقافية:

من الضروري أن تقوم وزارة الثقافة المغربية بإدماج الأغنية الأمازيغية النسوية في مختلف البرامج الثقافية الوطنية، والجولات داخل المغرب وخارجه ، سواء كانت مهرجانات، أو حفلات، أو أنشطة فنية ثقافية . ويمكن تنظيم مهرجانات خاصة بالأغنية الأمازيغية التي تسلط الضوء على فنانات من مختلف الأجيال، وفتح مساحات مختلفة لعرض أعمالهن الغنائة . كما أن إنشاء جوائز أو مسابقات خاصة بالفن الغنائي النسوي الأمازيغي سيعزز من مكانته ويسهم في جذب جمهور أوسع لهذه الأعمال الفنية القيمة، مع المصاحبة الاكاديمية من الباحثين في الأدب الأمازيغي، وفتح مجال للتدوين وجمع الموروث الثقافي الأمازيغي والتنسيق مع مختبرات الجامعات لتكليف الطلبة للبحث في هذا الجانب بإنجاز بحوث ميدانية استقصائية .

  • تعزيز حضور الفن النسوي الأمازيغي في وسائل الإعلام:

تلعب وسائل الإعلام دورًا أساسيًا في تعزيز الوعي الثقافي وجعل الفنون جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين. لذا، من المهم أن تشجع وزارة الثقافة المغربية على تخصيص برامج تلفزيونية وإذاعية تروج للفن النسوي الأمازيغي، وتستعرض تاريخ هذا الفن وتوجهاته الحديثة، مع تسليط الضوء على تجارب الفنانات الأمازيغيات المبدعات مثل سميرة المرضى وأخريات لهن كذلك باع كبيرفي الفن الغنائي الامازيغي .

  • توفير الدعم المالي والتقني والتأطير للفنانات الأمازيغيات:

يجب أن تبذل وزارة الثقافة وكل المتدخلين في الثقافة الشعبية ، جهودًا أكبر لتوفير الدعم المالي والتقني والتأطير والتوجيه للفنانات الأمازيغيات، سواء من خلال منح قارة لكل مبدعة أو خلق شراكات مع مؤسسات فنية وثقافية محلية ودولية لتسويق المنتوج الغنائي الأمازيغي . هذا الدعم أساسي ويمكن أن يساعدهن في تطوير أعمالهن والارتقاء بحياتهن الاجتماعية، وتحقيق الانتشار الواسع لفنهن. كما يمكن أن يشمل الدعم توفير استوديوهات مترفة ومتطورة  للتسجيل والتسويق ، وتطوير مشاريع فنية مشتركة مع فنانين آخرين، مما يعزز من مكانة الفن النسوي الأمازيغي على المستوى الوطني والدولي.

  • التعاون مع المؤسسات التعليمية لتدريس التراث الغنائي الأمازيغي:

يجب على وزارة الثقافة المغربية أن تتعاون مع وزارة التربية والتعليم لتضمين دراسة التراث الغنائي الأمازيغي في المناهج التعليمية لمادة التربية الموسيقية. هذا التعاون سيسهم في نقل المعرفة الموسيقية الأمازيغية حول هذا التراث الأمازيغي العريق إلى الأجيال الجديدة، وفي الوقت نفسه يخلق قاعدة جماهيرية جديدة تؤمن بالفن الأمازيغي وتدعم تطوره.

  • الاحتفاظ بالهوية الأمازيغية في ظل العولمة:

في عصر العولمة، بات من الضروري الحفاظ على الهوية الثقافية المغربية الأصيلة، التي تمثل الأغنية الأمازيغية جزءًا منها. ومن خلال دعم وزارة الثقافة لهذا الفن، يمكن أن يُسهم هذا الدعم في مقاومة التحديات الثقافية المعاصرة التي قد تؤدي إلى ضياع بعض الجوانب الثقافية الأمازيغية في مواجهة ثقافات أخرى جارفة . ويعني ذلك أن الوزارة يجب أن تدفع لتطوير أساليب جديدة لعرض الفن الأمازيغي، مما يضمن استمراريته مع التطورات الفنية الحديثة.

  • التشجيع على التعاون بين الفنانات الأمازيغيات والفنانات من ثقافات أخرى:

من خلال فتح قنوات التعاون بين الفنانات الأمازيغيات وفنانات من ثقافات أخرى، يمكن أن تساهم وزارة الثقافة في إثراء التجربة الفنية الأمازيغية بمدخلات جديدة وتوسيع نطاقه ليصل إلى جمهور عالمي. يمكن تنظيم مشاريع مشتركة مع فنانات من خارج المجال الأمازيغي بهدف تقديم عروض موسيقية غنية ومتنوعة، حيث تتشابك الثقافات المختلفة في سياق فني واحد، والتنسيق البيني للفنانات الأمازيغي في خلق إطارات منظمة قانونيا واجتماعيا مثل تأسيس أو الانخراط في جمعيات خاصة بالفن والثقافة الأمازيغية  لتطوير وتسويق المنتوج الغنائي الامازيغي .

  • الحفاظ على التراث الغنائي الأمازيغي وتوثيقه:

أحد أهم أدوار وزارة الثقافة هو الحفاظ على التراث الغنائي الأمازيغي وتوثيقه. يمكن أن يتم ذلك من خلال إقامة أرشيفات رقمية وصوتية تضم الأغاني الأمازيغية النسوية التراثية، ما يساهم في حماية هذا الإرث الثقافي الأمازيغي من الضياع. كما يمكن عقد اوراش عمل لتدريب الفنانات الأمازيغيات الشابات على كيفية الحفاظ على هذا التراث مع مزجه بعناصر من الموسيقى الحديثة، مما يضمن استدامته.

إن دعم وزارة الثقافة المغربية للفن النسوي الأمازيغي يعد خطوة أساسية للحفاظ على التراث الغنائي الأمازيغي وضمان استمراريته في العصر الحديث. من خلال توفير الدعم المالي والفني، وتسليط الضوء على الفنانات الأمازيغيات في وسائل الإعلام، وتعليم الأجيال القادمة عن هذا التراث، يمكن تعزيز مكانة الأغنية الأمازيغية النسوية في الساحة الفنية المغربية والعالمية.

  • دور المؤسسات والمثقفين في توثيق المنجز الفني النسوي الأمازيغي:

يعد توثيق وتدوين التراث الثقافي الأمازيغي جزءًا أساسيًا في الحفاظ على الهوية الوطنية المغربية وضمان استمراريتها وامتدادها  في لأجيال القادمة. وفي هذا السياق، يكتسب توثيق الأغنية الأمازيغية النسوية أهمية كبيرة، كونها تمثل جزءًا من التراث الفني الذي يعبر عن ثقافة وهوية المجتمع الأمازيغي المغربي. ولضمان استمرارية هذا الفن الأصيل، يجب على المؤسسات الثقافية والمثقفين أن يلعبوا دورًا محوريًا في توثيقه وتطويره.

  • دور المؤسسات الثقافية في التوثيق:

تعتبر المؤسسات الثقافية، مثل وزارة الثقافة المغربية ،المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، المراكز الثقافية، والمتاحف، المعنية بشكل رئيسي بتوثيق التراث الثقافي الأمازيغي . يجب أن تكون هذه المؤسسات هي الرافعة التي تعمل على جمع وتوثيق الأغاني النسوية الأمازيغية من خلال أرشيفات صوتية ومرئية. كما يمكن للمؤسسات أن تشرف على تنظيم مهرجانات وندوات ثقافية متخصصة في الأغنية الأمازيغية النسوية، مما يسهم في تعزيز وعي الجمهور بأهمية الحفاظ على هذا النوع الفني الأمازيغي .

إضافة إلى ذلك، يُمكن للمؤسسات أن تشجع على إجراء بحوث ودراسات أكاديمية تهتم بتاريخ الأغنية الأمازيغية النسوية وتحليلها من زوايا ثقافية واجتماعية . ذلك سيساهم في إثراء المكتبة الأكاديمية المغربية، ويساعد على فهم أعمق لخصوصية هذه الأغنية ودورها في المجتمع الأمازيغي.

  • دور المثقفين والباحثين في التوثيق الأكاديمي:

يلعب المثقفون والباحثون دورًا مهمًا في توثيق وتحليل ودراسة الأغنية الأمازيغية النسوية، من خلال الدراسات الأكاديمية التي تركز على فهم جذور هذه الأغنية، تطورها، وأثرها على المجتمع الأمازيغي. من خلال تحليل النصوص الشعرية والموسيقية والأدائية ، يمكن للباحثين تسليط الضوء على المعاني العميقة للأغاني، وكذلك الدور الذي لعبته النساء الأمازيغيات في صوغ هذا التراث الثقافي الفني.

تُعد الكتب والدراسات الأكاديمية عن تاريخ الأغنية الأمازيغية النسوية أداة أساسية في توثيق هذا الفن، وسيلة مهمة لنقله من جيل إلى جيل بطريقة منهجية وعلمية. من خلال تسليط الضوء على قضايا مثل التأثيرات الاجتماعية والسياسية  والمثاقفة والترحال والاقتصاد على الأغاني النسوية الامازيغية ، يمكن للمثقفين أن يقدموا رؤى جديدة حول كيفية الحفاظ على هذا التراث وحمايته من الاندثار عوض الاقتصار على الاستماع والاستهلاك العابر .

  • استخدام التقنيات الحديثة في التوثيق:

في عصر التكنولوجيا الحديثة، يمكن للمؤسسات الثقافية المختصة  والمثقفين  والمختبرات العلمية الجامعية ،الاستفادة من التقنيات الرقمية الهائلة في توثيق وجمع الأغنية الأمازيغية النسوية وتصفيفها .و يمكن كذلك إنشاء أرشيفات رقمية تحتوي على تسجيلات صوتية ومرئية للأغاني، مما يسهل الوصول إليها من قبل جميع فئات الباحثين والمهتمين بهذا الفن الأمازيغي . كما يمكن استخدام منصات الإنترنت لإنشاء مواقع تفاعلية تعرض أعمال الفنانات الأمازيغيات وتاريخهن ،ومناقشتهن  والتداول في بنية الأغنية والشعر والأداء  الذي تقدمن للمجتمع ، بالإضافة إلى توفير مقاطع صوتية وفيديوهات لعرض الأدوات الموسيقية المستخدمة.

  • التعاون مع الفنانات الأمازيغيات:

من الضروري أن تتعاون المؤسسات الثقافية والمثقفون مع الفنانات الأمازيغيات المبدعات، سواء في توجيههن وتأطيرهن أو من خلال التعاون في إنتاج التسجيلات أو تنظيم فعاليات ثقافية تعكس الفن النسوي الأمازيغي. يمكن للفنانات أن يُكَوِّنن جزءًا من عملية التوثيق، من خلال تقديم معلومات حول الأصول الثقافية والاجتماعية لأغانيهن، وتقديم شروحات تاريخي حول كيفية والسبل التي كانت وراء  توارث هذا التراث الغنائي الأمازيغي.

  • إشراك المجتمع المحلي في عملية التوثيق:

من أجل ضمان استمرارية الأغنية الأمازيغية النسوية وحمايتها من الانقراض، يجب إشراك المجتمع المحلي في عملية توثيقها. فعلى سبيل المثال، يمكن للمؤسسات والجمعيات والمثقفين والشركات والمجالس المنتخبة، تنظيم ورشات تأطيرية و تدريبية في القرى والمدن لتعليم الأجيال الجديدة على  كيفية أداء الأغاني التقليدية عن طريق الرسم والمسرح وتشخيص وتقليد الرائدات والرود بحضورهن ، وكذلك جمع الشهادات والبيانات والمعلومات والخبرات من كبار السن الذين يحملون ذاكرة الأغنية الأمازيغية.

  • تسليط الضوء على التنوع الثقافي:

يُعتبر الفن النسوي الأمازيغي جزءًا من التراث الثقافي المغربي المتنوع والغني بكثرة النماذج والأنواع الغنائية ، ويجب تسليط الضوء على هذا التنوع من خلال فعاليات ثقافية تُبرز مساهمة النساء الأمازيغيات في المشهد الفني. هذه الفعاليات يمكن أن تكون محفزًا لتطوير الفهم العام حول دور الفنانات الأمازيغيات في توثيق وإثراء الثقافة الأمازيغية.

  • دور المثقف الأمازيغي في دراسة الأغنية الأمازيغية

يعد المثقف الأمازيغي حجر الزاوية في الحفاظ على التراث الثقافي الأمازيغي، ولا سيما في مجال الأغنية الأمازيغية التي تمثل جزءًا كبيرًا من هوية هذا الشعب. يمكن للمثقف الأمازيغي أن يؤدي دورًا محوريًا في دراسة والتحليل الأكاديمي للأغنية الأمازيغية، مع التركيز على جوانبها المتعددة، من ضمنها الجمالية، الاجتماعية، السوسيولوجية، الانتروبولوجية  والسياسية. كما أن دوره لا يقتصر فقط على البحث والتوثيق والدراسة ، بل يمتد ليشمل التدوين والتوثيق والترويج لهذا الفن  الغنائي الأمازيغي  والاهتمام به وحمايته من التهميش والاندثار.

  • تحليل المضامين الثقافية والاجتماعية للأغنية الأمازيغية:

المثقف الأمازيغي يُعتبر حلقة وصل بين الأغنية الأمازيغية  كفن وبين المجتمع، من خلال دراسة مضمون النصوص الغنائية الأمازيغية، وتحليل الرموز الثقافية والاجتماعية التي تحتويها. فالأغاني الأمازيغية، بما تحمله من رسائل رمزية مادية تتعلق طبعا بالهوية والثقافة الأمازيغية ، كالعادات، الطقوس  والتقاليد المورثة ، إنها تمثل سجلاً حياً لتاريخ المجتمع الأمازيغي عبر العصور . ومن خلال تحليل هذه الأغاني، يمكن للمثقف أن يُبرز كيفية تفكير وتعبير الفنانة الأمازيغية عن آمالها وأحزان وأفراح الشعب الأمازيغي، وكذلك كيف تعكس معاناتهم وتطلعاتهم في فترات تاريخية مختلفة.

  • التوثيق الأكاديمي للأغنية الأمازيغية:

أحد الأدوار الأساسية للمثقف الأمازيغي هو توثيق الأغنية الأمازيغية من خلال الأبحاث والدراسات الأكاديمية. من خلال هذه الدراسات، يمكن للمثقف تقديم تفسير علمي حول تطور الأغنية الأمازيغية عبر الحقب التاريخية ، بدءًا من الأغاني التقليدية  القديمة وصولًا إلى الأغاني الحديثة والمعاصرة . كما هو ملزم بالمساهمة في جمع كل المصادر الأصلية (مثل التسجيلات الصوتية والمرئية)، وذلك لضمان الحفاظ على الأغنية كجزء من التراث الثقافي الوطني.

  • دور المثقف في إبراز القيمة الجمالية للأغنية:

على المثقف الأمازيغي المسؤولية الكبيرة في تولى والقيام  بالدور الحاسم في إبراز القيمة الجمالية للأغنية الأمازيغية النسوية خاصة لما لهذا النموذج من معيقات اجتماعية ليست باليسيرة ،وذلك  من خلال دراسة وتفيك أوزان ومقامات السلم الموسيقى الأمازيغي ، ولمضمون الكلمات في بنية الأغنية الأمازيغية  ، والإيقاع المميز لهذه الأغاني. من خلال هذه الدراسات والأبحاث العلمية  الأكاديمية ، يمكن تسليط الضوء على التفاعلات بين الأبعاد العلمية والفنية المختلفة التي تشكل الأغنية الأمازيغية، وكذلك ربطها بالقيم الجمالية والفنية الإنسانية التي تحرص على نقلها الفنانة الأمازيغية للمجتمع.

  • الترويج للأغنية الأمازيغية والحفاظ عليها من الاندثار:

يُعتبر الترويج للأغنية الأمازيغية من أبرز الأدوار التي ينبغي أن يلعبها المثقف الأمازيغي في العصر الحالي. حيث يمكنه أن يعمل على نشر الوعي حول أهمية هذه الأغاني من خلال مقالات صحفية، ندوات ثقافية، وبرامج إذاعية وتلفزيونية. كما يمكنه أن يسعى إلى إدماج الأغنية الأمازيغية في المناهج التعليمية، خاصة في مناطق الأطلس والريف حيث لا يزال التراث الأمازيغي حيًا في الذاكرة الشعبية.

  • دور المثقف في التوعية بحماية حقوق الفنانين الأمازيغيين:

المثقف الأمازيغي يمكنه أيضًا العمل على توعية المجتمع ورفع الوعي والترافع حول حقوق الفنانات  الأمازيغيات ، اللواتي قد يواجهن تحديات اقتصادية وقانونية صعبة  بسبب عدم التقدير الكافي لحقوق ملكيتهن الفكرية. من خلال تقديم دراسات حول حقوق المؤلف والمساهمة في حملات توعية تأطيرية قانونية على شكل ورشات نظرية و تطبيقية ، يمكن للمثقف أن يساعد في ضمان أن تُحترم حقوق الفنانين الأمازيغيين عامة .

  • التفاعل مع الفن الأمازيغي المعاصر:

لا يقتصر دور المثقف الأمازيغي على الاستهلاك أو الحفاظ على الأغاني الأمازيغية التقليدية، بل يمتد أيضًا إلى الاهتمام بالفن الغنائي الأمازيغي المعاصر، وتحديدًا الأغاني الأمازيغية التي تدمج عناصر حديثة مع الإرث التقليدي. من خلال هذا التفاعل، يمكن للمثقف الأمازيغي أن يساعد في تطوير الموسيقى الأمازيغية ومصاحبتها علميا  بما يتناسب مع التطورات الفنية في العصر الحديث، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الهوية الأمازيغية.

  • التعاون مع الفنانات والمجتمع المدني:

من خلال التعاون مع الفنانات الأمازيغيات والمجتمع المدني، يمكن للمثقف أن يساعد في توجيه الأنشطة الثقافية والإبداعية التي تعزز من مكانة الأغنية والفنانة الأمازيغية وكذلك  في المشهد الفني المحلي والعالمي. من خلال تنظيم مهرجانات ومناسبات ثقافية تُعنى بالأغنية الأمازيغية، يمكن أن تُصبح هذه الفنون الأمازيغية أكثر شهرة وتمثيلًا للهوية الأمازيغية المغربية على مستوى أوسع.

خاتمة:

إن الأغنية الأمازيغية النسوية في الأطلس المتوسط لا تقتصر فقط على التعبير الفني للأغنية النسوية الأمازيغية بل هي امتداد تاريخي وتحول معاصر، لتدوين وتوثيق التقاليد الشفهية العريقة التي مارستها وحافظت عليها النساء منذ قرون عديدة ، كوسيلة للتعبير عن الذات، ونقل الحكمة والقيم الانسانية عبر هذا التراث الامازيغي الغني ، وتوثيق الذاكرة الجماعية. لقد شكلت النساء، عبر هذا النمط الغنائي، درعا واقيا و حارسات للهوية الثقافية وللغة الأمازيغية في لحظات كان التجاهل والإقصاء هو السائد في كل السياسات الثقافية ، و كانت الأغنية وسيلتهن لسرد المعاناة، وتمجيد الأرض، والحفاظ على الروابط الاجتماعية والرمزية داخل المجتمع الأمازيغي الجبلي.

مع تجربة سميرة المرضي المرصعة بالصوت النسائي المقاوم للتهميش والمجدد للخطاب الغنائي الأمازيغي، الذي أ برزته في تجسيدها الحي  والبار في تطوير الأغنية النسوية بالأطلس المتوسط. فهي بذلك تمثل الجيل الجديد من الفنانات الأمازيغيات اللواتي حافظن على جوهر الغناء الأمازيغي، مع إدخال لمسات تجديدية على مستوى اللحن وفي بنية التوزيع والتناول الموضوعاتي والأداء . تتقاطع أغانيها بين الشجن الأطلسي والحس النسوي الناقد والواعي ، حيث تناولت قضايا المجتمع بالأطلس المتوسط  كالحب، والاغتراب، والهوية الأمازيغية ، والمقاومة النسائية الذي يعلو بالصوت القوي النابض بالعاطفة والانتماء إلى أرض تامزغا الكبرى . ومن خلال استعمالها للغة الأمازيغية بصيغتها الأطلسية، تسهم في تثبيت هذه اللغة في المجال السمعي البصري، وتعيد لها وهجها داخل الفضاء العمومي.

من المحلي تنحت سميرة المرضي تميزها إلى الكوني نحو إعادة الاعتبار للمرأة المبدعة وللفن الغنائي بالأطلس المتوسط، ما يميز تجربتها هو قدرتها على تحويل الموروث المحلي إلى خطاب غنائي فني عام تتفاعل معه أوساط جماهيرية متنوعة. وهذا ما يبرز و يدل على إمكانات الأغنية النسوية الأمازيغية في خلق توازن بين الأصالة والانفتاح الايجابي ، دون السقوط في الابتذال أو القطيعة مع الجذور. وهنا، تبرز الأغنية كأداة للتحرر النسوي الناعم، تُعيد للمرأة بالأطلس المتوسط صوتها ومكانتها داخل النسق الثقافي المغاربي العام، وتفتح أمامها أفق التعبير الفني والإبداعي المجدد .

الفنانة سميرة المرضي  تنحو إلى المزيد من التأصيل والبحث والتجريب في مجال الاغنية الأمازيغية ،لأن تجربتها وإن كانت تتسم بالفردية، فإنها تعكس دينامية جماعية داخل الأغنية النسوية بالأطلس المتوسط، التي تحتاج إلى مزيد من البحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي لفهم أبعادها الرمزية والفنية والاجتماعية . لأنها ظاهرة ثقافية تستحق التأطير والدراسة ضمن مسارات التحول التي تعرفها الثقافة الأمازيغية في المغرب المعاصر.

المراجع:

اقرأ أيضا

الرباط تحتضن لقاء حول هيكلة وتنزيل مبادرة “أناري تيفيناغ”

تحت شعار: “أناري تيفيناغ: نحو إنصاف حقيقي وفعلي للأمازيغية”، تنظم اللجنة الأمازيغية للمجلس الوطني لحزب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *