أخبار عاجلة

القوة والحق في عالم اليوم

بقلم: أحمد جزولي

في عالم اليوم، لا يكفي أن تكون على حق لتنتصر. إذا لم تكن لديك القوة، ضاع حقك. هذه الحقيقة القاسية تتكرس كل يوم في العلاقات الدولية، وفي الصراعات الإقليمية، وفي قضايا الشعوب الباحثة عن العدالة والكرامة. فكم من شعبٍ قد يفقد حقه، وكم من قضية قد تتلاشى من الذاكرة الجماعية، لا لشيء سوى لأن أصحابها لم يمتلكوا القوة الكافية لحمايتها أو إيصال صوتها.

لكن مهلا، ما هي القوة في عالم اليوم؟ أهي قوة الجيوش والدبابات والطائرات؟ أهي ترسانة الأسلحة والميزانيات العسكرية؟ لا. لقد تجاوز العالم مفهوماً تقليدياً للقوة، ليعترف بقوة جديدة، أكثر تأثيراً واستمرارية: قوة الإقناع، قوة عدالة القضية، وقوة الرأي العام الداخلي، والإقليمي والعالمي.

حين تكون على حق، وتستطيع أن تقنع داخليا وخارجيا بذلك، فأنت تمتلك قوة لا تقهر. هذه القوة لا تحتاج إلى جيوش، بل إلى سردية عادلة، إلى نضال مستمر، وإلى قدرة على التأثير في الضمير الإنساني الجمعي. إن الانتصار اليوم يصنع بالكاميرات لا بالطائرات، بالمنصات لا بالدبابات، بالحجة لا بالهيمنة.

ورغم صعوبة الظرفيات وتوازنات القوى غير العادلة، يبقى أمام المدافعين عن القضايا العادلة طريق واحد: الإقناع المتدرج والمتواصل بعدالة قضيتهم، والاستقواء بمواطني ومواطنات شعوبهم وشعوب العالم والرأي العام الدولي، الذي قد تصيبه دوخة، لكنه لا يموت. فهذا النوع من القوة هو وحده ما يدوم، لأن الشعوب لا تنسى، والعدالة وإن تأخرت، لا بد أن تتحقق.

إن الزمن لا يرحم القوة التي لا تستند إلى شرعية، ولا يدوم إلا الصوت الذي يخاطب الضمير الإنساني بلغة الحقيقة.

في عالم اليوم، من لم يسع لبناء شرعية لقضيته في عقول الناس وقلوبهم، ستمحى روايته من التاريخ. فالحق وحده لا يكفي، ما لم يكن مدعوماً بقوة ناعمة تقنع العالم بعدالته، وترفض أن تهمش أو تحرف.

نحن في المغرب، وفي منطقتنا العربية، وفي أفريقيا لدينا قضايا، ولدينا قضايانا المشتركة مع العالم باعتبارنا جزء منه، وكلما تسلحنا بالعلم والمعرفة في الدفاع عن قضايانا، ومارسنا ذلك، كلما تقدمنا نحو ربحها وهذه هي القوة التي يملكها أي إنسان ولا يمكن أن ينتزعها منه أحد.

اقرأ أيضا

قبل جيل Z: ماذا قال تقرير النموذج التنموي عن الأثر المواطن للسياسات العمومية؟

قبل أن يظهر جيل “زد” (Z) بصوته الرقمي ووعيه الفوري بحقوقه وواجباته، كان المغرب يعيش …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *