بمناسبة الذكرى الرابعة بعد المئة لمعركة أنوال، نظم فوج الفرسان “ألكانتارا” رقم 10 بمدينة مليلية ذات الحكم الذاتي احتفالات خاصة بعيد القديس سانتياغو (شفيع إسبانيا)، بساحة “أبطال مليلية” في قاعدة “ألفونسو الثالث عشر”.
وفي هذا السياق، قرر رئيس المدينة، السيد خوان خوسيه إمبرودا، تكريم الجنود الإسبان الذين نزلوا بميناء المدينة في 24 يوليوز 1921، لتعزيز دفاعاتها إثر كارثة أنوال، عبر مشروع تشييد نصب نحتي من إنجاز الفنان خيسوس غارسيا ليخيرو، يُرتقب تدشينه أواخر هذا العام بساحة إسبانيا، ليكون رمزًا لـ”الوحدة والتعايش”.
غير أن هذه الرغبة النبيلة في ترسيخ الوحدة والتعايش، ستظل ناقصة وغير مكتملة، ما لم تشمل التكريم أيضًا البطل الريفي محمد عبد الكريم الخطابي.
فلماذا هذا الاستحقاق؟
لأن كثيرًا من الإسبان، بل وحتى سكان مليلية، لا يعلمون أن المدينة كانت على وشك السقوط في يد المجاهدين الريفيين، وأن عبد الكريم الخطابي نفسه هو من حال دون ذلك.
فليست شجاعة الجنود الإسبان ولا تعاون قبيلة بني شيكر (بقيادة عبد القادر حاج الطيب) من أوقف زحف المقاتلين الريفيين، بل القرار الحاسم الذي اتخذه عبد الكريم الخطابي، حين رفض سقوط المدينة وما قد يترتب عنه من فظائع.
الراحل مصطفى العروف، الفنان الأمازيغي الكبير، حلم ذات يوم بنحت تمثال لعبد الكريم الخطابي على صهوة جواد، واقترحت عليه أن تكون مليلية هي المدينة الأنسب لاحتضان هذا التمثال، لكونها تجهل دور عبد الكريم في حمايتها.
في 19 يوليوز، نشر الصحافي فرانسيسكو كاريون مقالًا عن الحوار النادر الذي أجراه الصحافي الإسباني لويس دي أوتييثا مع عبد الكريم الخطابي، وسط قلب الريف. لكن المقال أغفل تصريحًا جوهريًا أدلى به عبد الكريم، ودوّنه بخط يده بالإسبانية، يوم 2 غشت 1922: “الريف لا يحارب الإسبان، ولا يضمر كراهية للشعب الإسباني. بل يحارب الاستعمار الغازي الذي يسعى لسلبه حريته، على حساب تضحيات الشعب الإسباني. أبوابنا مفتوحة للإسباني غير المسلح، كمهندس، وتاجر، وصناعي، وفلاح، وعامل“.
بهذا التصريح، يميز عبد الكريم نفسه عن بقية القادة المناهضين للاستعمار، إذ لم يُعلن حربًا دينية، بل قاد حرب تحرير تحترم المدنيين.
وفي المقابلة نفسها، صرّح عبد الكريم:
“لم نكن نرغب في تجاوز نهر كرت، لكن شراسة القبائل الخاضعة دفعتنا للتدخل خوفًا من اقتحام مليلية. كان الأمر سيكون مروعًا. فأرسل شقيقي م حمد مع ثلاث قياد و600 رجل لحماية المدينة، وبقوا في غوروغو أسبوعًا حتى أنشأ بيرينغير خط الدفاع“.
كان عبد الكريم رجل دولة، سعى لتأسيس “الجمهورية الكونفدرالية لقبائل الريف”، ولم يكن يومًا “روغِيًا” أو متطرفًا. لم يأمر بأي هجمات على المدنيين، وساعد القائد بنشملال في إنقاذ الجنرال فيليبي نافارو.
بينما، في المقابل، لم يتردد الجيش الإسباني بقيادة بريمو دي ريفيرا في قصف الأسواق الريفية بالغازات السامة بين 1923 و1926.
لقد كان عبد الكريم الخطابي مفكرًا وسياسيًا طموحًا، بشهادة المؤرخين، مثل ريتشارد بينيل، الذي خصص له كتابًا بعنوان: “بلد له حكومة وعلم: حرب الريف في المغرب”. وقد تُرجم إلى الإسبانية بعنوان “حرب الريف: عبد الكريم الخطابي ودولته الريفية”.
ختامًا، إن عبد الكريم أنقذ مليلية من كارثة إنسانية محققة في يوليوز 1921، ومنع المجازر والانتهاكات. ولهذا، فهو يستحق تمثالًا يخلد مواقفه النبيلة، في قلب مدينة مليلية نفسها، لا خارجها.