ليس خفيًا أن الشعر الأمازيغي عاش، عبر تاريخه الطويل، كمدرسة حقيقية لتناقل القيم والمعارف، ولصقل المواهب، ولصناعة أسماء كبيرة تحولت إلى مراجع ثقافية وروحية. لكن ما نشهده اليوم من تفاهة الخطاب، واستسهال الهجوم على الشباب المبتدئ، يطرح أكثر من سؤال حول حقيقة الدور الذي يؤديه بعض الشعراء في المرحلة الراهنة.
بولا.. سقطة أخلاقية قبل أن تكون فنية:
كلمات الشاعر بولا تجاه الشاب إبراهيم كونو لم تكن مجرد “نقد عابر”، بل كانت طعنة في ظهر الجيل الصاعد الذي يبحث عن الدعم لا عن التثبيط.
شاعر في موقعه كان من المفروض أن يتقمص دور القدوة، وأن يستحضر أنه هو الآخر كان يومًا مبتدئًا، وأن التجربة لا تُبنى بين ليلة وضحاها، بل عبر احتضان واحتكاك وتعلم.
لكن حين يختار الشاعر أسلوب الاستخفاف والقمع بدل المواجهة الفنية، فإنه لا يسقط الشاب المبتدئ فقط، بل يسقط نفسه أوّلًا أمام الرأي العام الثقافي.
إبراهيم كونو.. جرأة الشباب في مواجهة الانغلاق:
الشاب إبراهيم كونو يمثل صورة لجيل جديد يقتحم الساحة دون خوف، جيل يختار أن يبدأ من القمة، مدركًا أن الطريق محفوف بالمخاطر، لكن واثقًا أن الإرادة والموهبة يمكن أن تشقّ مسارها حتى وسط العواصف.
كونو يمتلك من المؤهلات الثقافية والأخلاقية ما يجعله مشروع شاعر ملتزم قادر على التطور والتألق إذا تخلّى عن الغرور وتمسك بروح التعلم.
إن معاناته اليوم ليست معاناة شخصية، بل هي رمز لمعاناة جيل كامل من الشباب الموهوب الذي لا يجد في بعض “القدامى” سندًا، بل جدارًا من العراقيل.
مسؤولية الشعراء الكبار:
الشعر الأمازيغي لا يحتاج إلى “حروب كلامية”، بل يحتاج إلى مدارس شعرية جديدة على شاكلة ما صنعه أجماع أزوليض، عابد الغالي، بركداح، كوكو عثمان، أو بلعيد.
هؤلاء لم يخلّدوا أسماءهم فقط بموهبتهم، بل بقدرتهم على بناء أجيال، وعلى احتضان الخلف، وتحويل الساحة الشعرية إلى فضاء للتلاقح بدل أن تكون ساحة للصراعات الصغيرة.
فأية قيمة يبقى لها شاعر إذا كان عاجزًا عن تشجيع شاب مبتدئ؟ وأي دور للقدوة إذا انحصر في الاستهزاء بدل التوجيه؟
كلمة أخيرة:
الشعر الأمازيغي يمرّ اليوم بمرحلة دقيقة: جيل جديد يبحث عن الاعتراف، وجيل سابق يتوجس من فقدان مكانته.
لكن إذا لم نتحلَّ بروح الرعاية والمسؤولية الجماعية، فإننا نخاطر بتحويل هذا التراث العظيم إلى مجرد مشاهد عابرة على “الفيسبوك” و”اليوتيوب”، بلا مضمون، وبلا رسالة.
إن كلمات بولا ضد إبراهيم كونو ليست حادثًا معزولًا، بل ناقوس خطر يذكّرنا أن المعركة الحقيقية ليست بين شاعر كبير وشاب مبتدئ، بل بين ثقافة أصيلة تحتاج إلى الامتداد، وذهنيات منغلقة تعيش على الأنقاض.