بروح جماعية ملؤها الفرح والفخر، احتضنت ساكنة تغوني أمسية فنية كبرى بمناسبة تتويج فريق شباب تغوني لكرة القدم بطلاً للدوري المحلي المنظم بالسوق أوفلا، تخليداً لروح المرحوم محمد بن الدريوش. وكان هذا الموعد مناسبة لتكريم جيل جديد من أبناء المنطقة الذين حملوا المشعل الكروي، وجعلوا من الرياضة أداةً للتألق والاعتزاز بالانتماء.
افتُتحت الأمسية بفقرة تراثية أصيلة أبدعت فيها فرقة الكدرة من فم الحصن، حيث تمازجت إيقاعات الطبل مع أصوات الحناجر الأمازيغية الجماعية لتصنع أجواءً من البهجة والاعتزاز بالهوية. وتُعد الكدرة موروثًا ثقافيًا عريقًا ارتبط بـ أهل سلام، التي يرجع نسبها إلى سلام بن بلة بن اسنان بن دليم بن حسان.
وقد ارتبطت قبيلة سلام منذ قرون بالمجال الصحراوي، متنقلة بين وادي درعة، إفران الأطلس الصغير، تيزنيت، حوز مراكش، الجديدة، إضافة إلى زمور وتندوف وأم العسل. وخلال هذه الرحلات التاريخية، حمل أبناء القبيلة معهم تراثهم الثقافي، وفي مقدمته فن الكدرة، الذي لم يكن مجرد لون فني بل أداة للتواصل والتماسك القبلي وحفظ الذاكرة الجماعية.
فمن خلال الكدرة، عبر أبناء القبيلة عن الفرح في الأعراس، وعن الشجاعة في المناسبات القتالية، وعن التضامن في الأزمات. وكان الشعر الأمازيغي المصاحب لها بمثابة سجل شفوي يحفظ تاريخ القبيلة وأمجادها، ويورث قيمها عبر الأجيال.
ولم يقتصر الحفل على التراث فقط، إذ أبدعت مجموعة أقاسايس الغنائية في تقديم باقة من الأغاني الأمازيغية المعاصرة، التي لامست وجدان الجمهور وجمعت بين الأصالة والحداثة، لتضفي على الأمسية أجواء فنية راقية عكست تنوع المشهد الثقافي المحلي.
إلى جانب هذا البعد الفني، تميزت الأمسية بتكريم فريق شباب تغوني، الذين أعادوا البسمة للمنطقة بتتويجهم الرياضي وسط تصفيقات وتشجيع الحاضرين. كما جرى تكريم كل من هشام البريم وعزيز مؤدن اعترافًا بدعمهما الكبير للشباب بالمنطقة.
وقد أدار الإعلامي عبد الرحمن الرامي فقرات الحفل بحضور قوي وأسلوب تفاعلي جعل الجمهور يعيش أجواءً من المتعة والاعتزاز. وفي كلماتهم، أكد ممثلو الجمعيات المنظمة، هشام بلعيد عن جمعية تغوني للتنمية والتعاون، وإبراهيم الديبون عن منتدى شباب تغوني للتنمية والتثقيف، أن الحدث رسالة واضحة أن الشباب هم الامتداد الطبيعي للتاريخ، وحماة الموروث الثقافي في مواجهة التحديات الحديثة.
إن الاحتفال بتتويج شباب تغوني لم يكن مجرد تكريم رياضي، بل كان مناسبة لتجديد العهد مع تاريخ قبيلة أهل سلام وذاكرتها الثقافية. فالرياضة والفن معًا جسّدا في هذه الأمسية وحدة الماضي والحاضر، وأبرزا أهمية المحافظة على الموروث الثقافي كجزء لا يتجزأ من هوية المنطقة، وضمانة لاستمرار رسالتها الحضارية عبر الأبناء والأحفاد.
واختُتم الحفل بتوجيه الشكر إلى السلطات المحلية والأمنية والدرك الملكي والقوات المساعدة، وكل من ساهم في إنجاح هذه الأمسية التي برهنت أن دوار تغوني قادر على جعل الرياضة والثقافة معًا وسيلة للتنمية وصون الذاكرة.
الحسين محامد باحث في الطوبونيميا والتراث الأمازيغي