أمسرا.. حين يلتقي الطوبونيم بالتاريخ والروحانية والطبيعة

في قلب جماعة إفران الأطلس الصغير بإقليم كلميم، تبرز قبيلة أمسرا كإحدى أهم المكونات المجالية والتاريخية، إذ يحدها شمالًا جبال أمسرا وأيت رخا، وجنوبًا أغبالو، وشرقًا مركز إفران، وغربًا جماعة تيمولاي. وتتمدد على ضفاف وادي أمسرا، الذي شكّل عبر العصور مصدرًا للحياة ومركزًا للاستقرار، ومفتاحًا لفهم هوية هذه الأرض.

تشير الروايات المحلية إلى أن جذور أمسرا تعود إلى وافدين من إدومستر شرق آسا، وبالتحديد من ادونكيت، المنتمين إلى فخذ أهل بوجمعة أومسعود، الذين يُرجع نسبهم إلى الجد يعقوب بن ناصر القادم من تونس إلى تندوف، ومنها إلى قصر آسا قبل أن يستقر أحفاده في الأطلس الصغير.

كما أن فصيل أيت أمسر القادم من نواحي آسا كان يتردد على المنطقة موسمياً قصد الرعي، قبل أن يستقر بها نهائيًا، لتتخذ القبيلة اسم “أمسرا”، وتصبح جزءًا من المشهد القبلي والاجتماعي المحلي.

يحمل اسم أمسرا / amssra / ⴰⵎⵙⵙⵔⴰ دلالات متعددة:

من جهة، يرى الباحثون أن الكلمة مشتقة من الجذر الأمازيغي ⵙⵙⵔ (ssr)، الذي يعني الخير، وهو ما يجعل التسمية قريبة من “أم السر”، أي موطن الخير والبركة.

ومن جهة أخرى، يربطها بعض الدارسين بفصيل قبلي هو أيت أمسر / ait umssr / ⴰⵢⵜ ⵓⵎⵙⵙⵔ، الذي انتقل من نواحي آسا ليستقر بالمنطقة.

هذا التحليل الذي أورده الطالبين أحمد بندريوش ومحمد أوطف في بحثهما الجامعي بعنوان “دراسة أسماء الأماكن في منطقة إفران الأطلس الصغير” سنة (1992/1993)، يبرز أن التسمية ليست مجرد علامة جغرافية، بل تحمل عمقًا لسانيًا واجتماعيًا، يجمع بين الدلالة الرمزية للخير والبعد التاريخي للاستقرار القبلي.

لا يكتمل الحديث عن قبيلة أمسرا دون التوقف عند موسم الوالي الصالح سيدي مسعود، الذي يقام سنويًا احتفاءً بذكرى المولد النبوي الشريف. إنه حدث روحي بامتياز، يربط الإنسان بجذوره، ويعيد تشكيل الذاكرة الجماعية في لوحة نابضة بالإيمان والتآزر.

يتقاطر الزوار من مختلف المناطق، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، طلبًا للبركة والشفاء. تتعالى الأذكار، وتمتزج رائحة البخور بالأهازيج الشعبية، فيما تُمدّ موائد وليمة المعروف حيث يُتقاسم طبق الكسكس الجماعي في مشهد يلخص معنى التضامن والتلاحم.

ويمتد الموسم إلى فضاءات الدواوير، حيث يجد الزائر دفء الضيافة والألفة. ويقوم الزوار أيضًا بزيارة عيون الماء مثل أمدا لخرت (بحيرة الآخرة) بدوار تيغرداين، (ذات الفئران) للاستمتاع بخرير المياه وشربها طلبًا للبركة، في لحظة هدوء يصبح فيها الماء رمزًا للشفاء وجسرًا بين الأرض والسماء.

تُعد عين “أمدا لخرت”، أو بحيرة الآخرة، من أكبر وأهم منابع المياه في واحة أمسرا وأكثرها رمزية. فقد كانت العين قبل الحقبة الاستعمارية ضعيفة الصبيب لكنها مستقرة ودائمة الجريان، إلى أن جرى حفرها وتوسيعها سنة 1937، وهو ما جعلها تتحول إلى واحدة من أبرز عيون الواحة. غير أن هذا التدخل أحدث اختلالًا في التوازن المائي، فتراجعت مياه عيون أخرى مجاورة مثل عين إفري بدوار إديشو، التي جفّت نهائيًا بعد سنوات قليلة. واليوم، تواجه بحيرة الآخرة المصير ذاته بفعل شدة الجفاف وتراجع الموارد الطبيعية.

فالأنظمة المائية الجوفية شديدة الحساسية، وأي تغيير في مجاريها أو توسع غير محسوب قد يؤدي إلى نتائج كارثية. وهكذا تظل أمدا لخرت شاهدًا حيًا على هشاشة العلاقة بين الماء والإنسان في المنطقة، ورسالة تدعو إلى التعامل بحذر مع هذا المورد الحيوي حفاظًا على استمراريته وحفاظًا على ذاكرة الماء وحق الأجيال القادمة في الحياة.

تمثل أمسرا لوحة متكاملة تختزل التاريخ واللسان والروح والطبيعة؛ من دلالة اسمها المرتبط بالخير، إلى استقرار قبائلها الوافدة، ومن موسم سيدي مسعود بما يحمله من طقوس جماعية، إلى بحيرة الآخرة بما تعكسه من هشاشة التوازن المائي. إنها مجال يروي قصة الإنسان في تفاعله مع الأرض والذاكرة، حيث يظل الماضي حاضرًا في تفاصيل الحاضر، وتبقى التقاليد شاهدة على عمق الانتماء.

الحسين محامد

اقرأ أيضا

نشطاء أمازيغ يستنكرون إقصاء الأمازيغية من الهوية البصرية للمشاريع التنموية بالمغرب

عبّرت فعاليات ونشطاء الحركة الأمازيغية عن استيائهم من استمرار تهميش الأمازيغية وإقصائها من مختلف المشاريع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *