مقدمة:
مشهد جديد بفاعلين جدد في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، برز جيل “زد” (Z) ليس مجرد جيل جديد، بل كقوة فكرية وسياسية أعادت تعريف المشهد العالمي. من انتخابات تركيا إلى سقوط ملكية النيبال، أثبت هذا الجيل أنه قادر على هز أركان الأنظمة التقليدية.
لكن هذه القوة الصاعدة لا تعمل في فراغ، بل تتفاعل مع كيانات راسخة مثل السلطة التقليدية في مجتمعاتنا، وتخضع لنظريات كلاسيكية كـ”اليد الخفية” التي تفسر تحركات الأسواق والمجتمعات. هذا الثالوث من القوى يشكل المعادلة الأكثر تعقيداً في عصرنا.
الفصل الأول: جيل زد.. من التمرد إلى بناء الأيديولوجيا
لم يعد تمرد جيل زد مقتصراً على الشارع أو المنصات الرقمية، بل تحول إلى ساحة للصراع الأيديولوجي العالمي.
فبعد أن أسقط الماويون ملكية النيبال عام 2008، تحولت الرفاق اللينينيون والطلبة الستالينيون إلى ماويين، مما أرسى نموذجاً فكرياً جديداً. حتى في المغرب، تحولت ساحة “قلعتنا الأببية” في مراكش إلى مرتع لهذه الأفكار.
هنا برزت المعادلة الجديدة: نموذجان يتنافسان على عقول هذا الجيل. النموذج “الغربي” القائم على الفردية والليبرالية، والنموذج “الصيني” الحديث القائم على جماعية الدولة وسلطتها. هذا التنافس يجري على مستويين متوازيين: المستوى الأيديولوجي الفكري، والمستوى السياسي العملي، مما يجعل من جيل زد سوقاً جديدة للأفكار تتصارع فيها الرؤى العالمية.
الفصل الثاني: السلطة التقليدية.. الشرعية في مواجهة العصر
في مواجهة هذه التغيرات، تقف السلطة التقليدية في المجتمعات مثل المغرب كحصن ذي أسس متينة. هذه السلطة، وإن بدت “تقليدية” بمفهومها الكلاسيكي، إلا أنها تمتلك شرعية متجذرة في الوعي الجمعي، مستمدة من المفهوم الديني الشرعي المحظي بالقبول الشعبي.
ما يميز هذه السلطة هو مرونتها الذكية في التعامل مع أدوات العصر. فبالرغم من طابعها التقليدي، فإنها منفتحة على التكنولوجيا العالمية، مستفيدة مما توفره شراكات دولية متعددة، بما في ذلك ما يقدمه “أصدقاؤنا الإسرائيليون” من تقنيات متطورة.
وفي إطار هذه المعادلة، يبرز طابع خاص للمعارضة في المغرب، حيث لا توجد معارضة تقليدية تسعى لإسقاط النظام، بل توجد قوى “متمردة” طامحة للحكم، تدور في فلك النظام وتسعى للوصول إلى سلطته، لا لإلغائها.
الفصل الثالث: اليد الخفية..
النظرية التي تفسر كل شيء
يعود مفهوم “اليد الخفية” إلى عصر التنوير الأسكتلندي في القرن الثامن عشر، حين صاغه الفيلسوف آدم سميث في كتابيه الأساسيين: “نظرية المشاعر الأخلاقية” (1759) و”ثروة الأمم” (1776). هذا المفهوم يمثل أحد أهم الأسس التي قام عليها علم الاقتصاد السياسي.
تفسر “اليد الخفية” كيف أن الأفراد في المجتمعات التجارية، وهم يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية، ينتهون بشكل غير مقصود إلى تحقيق المصلحة العامة. فالتاجر الذي يزيد إنتاجه لتحقيق ربح أكبر، ينتهي بخفض الأسعار لصالح المستهلكين، والعكس صحيح. المهم أن هذا كله يحدث دون تخطيط مسبق، كنتيجة طبيعية لآلية السوق.
هذه النظرية تتجاوز الاقتصاد لتقدم نموذجاً تفسيرياً لظواهر أخرى. ففي سوق الأفكار، نرى “يداً خفية” تتحكم في انتشار الأيديولوجيات بين جيل زد. وفي السياسة، نرى كيف أن تفاعل القوى المختلفة – السلطة التقليدية والمعارضة الطامحة – يؤدي إلى استقرار النظام ككل.
خاتمة:
عندما تلتقي القوى الثلاث، إن تفاعل جيل زد الصاعد، والسلطة التقليدية الراسخة، وآلية “اليد الخفية” الحاكمة، يشكل مثلث القوى الأكثر تأثيراً في عصرنا.فجيل زد يمثل الطاقة المتحركة، والسلطة التقليدية تمثل الثابت الراسخ، بينما تمثل “اليد الخفية”.
القانون الخفي الذي ينظم تفاعلهما. هذه المعادلة الثلاثية تثبت أن المجتمعات، كالأسواق، أنظمة معقدة تتحرك فيها قوى كثيرة، بعضها ظاهر وبعضها خفي. لكن الفهم العميق لهذه القوى وآلية تفاعلها يمكن أن يمنحنا رؤية أوضح لمستقبل لا يخلو من التعقيد، لكنه يحمل في طياته إمكانيات التحول والتطور.