الأسطورة الأمازيغية آس ن ثمغارت/ يوم العجوزة

ⵜⴰⵏⴼⵓⵙⵜ ⵜⴰⵎⴰⵣⵉⵖⵜ : ⴰⵙⵙ ⵏ ⵝⵎⵖⴰⵔⵜ
الأسطورة الأمازيغية آس ن ثمغارت/ يوم العجوزة

يوافق يوم  14 فبراير، حسب التقويم الفلاحي الأمازيغي 31 من شهر يناير لكن الصحيح هو يجب أن يوافق اليوم 1 من شهر فورار أو براير،، كيف ذلك ؟؟ دعونا نطرح تساؤل للفهم أكثر، لماذا شهر فبراير أو براير هو أقصر شهر في شهور السنة ؟

إذا لم تجد جوابا بعد ف الأمازيغ القدامى أجابوا عن هذا السؤال عبر القصص الميثولوجية أو بالتحديد عبر أسطورة ‘ آس ن ثمغارت أو يوم العجوزة ‘
ﻓﻮﺭﺍﺭ ﺃﻭ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ ﺃﻭ ﺑﺮﺍﻳﺮ ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻐﻴﺔ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ التقويم الفلاحي ﺍﻷﻣﺎﺯيغي و هو الشهر الثاني كذلك في التقويم الغريغوري، ﻭﻗﺪ برز إسم هذا الشهر ﺑﻮﺍﻗﻌﺔ ﻣﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ.

و قبل أن نطلع على إجابة الأمازيغ القدامى على هذا السؤال الغامض دعونا نلقي لمحة على مفهوم الميثولوجيا..

ﻳُﻄﻠﻖ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺳﺎﻃﻴﺮ، ﻭﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻗﺪﻳﻤﺔ، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺻﻌﺒﺔ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺮﻓﻲ ﻟﻤﺎ ﺭُﻭﻱ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭ ﺗﺄﺗﻲ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻟﺘﺘﻨﺎﻭﻝ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻧﺸﻮﺀ ﺃﻣﺔ ﺃﻭ ﺯﻭﺍﻟﻬﺎ ﺃﻭ ﻧﺸﻮﺀ ﺃﺟﻨﺎﺱ ﺑﺸﺮﻳﺔ، ﺃﻭ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ ﻣﺤﺪﺩ ﻭﻣﻜﺎﻥ ﻣﺤﺪﺩ، ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﺌﺔ، ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺃﺑﻌﺎﺩ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺗﻌﻜﺲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺧﺮﺍﻓﻴﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﻤﻌﺎﺷﺔ.

ﻭﻋﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻳُﺒﻨﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ، ﻭ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺴﻤﻴﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﻗﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ، ﺃﻭ ﻛﻤﺎ ﺗُﺴﻤﻰ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺑﺎﻵﻟﻬﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﺎ ﻗﺪﺭﺍﺕ ﻏﻴﺮ إﻋﺘﻴﺎﺩﻳﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺒﺸﺮ، وﻃﻘﻮﺱ ﻏﻴﺮ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺭﻣﻮﺯ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﺗﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺭﺩﺕ ﻓﻲ ﻗﺼﺺ ﺍﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻋﺎﺩﺓ ﺑﺎﻟﺪﻳﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﺪﻫﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، ﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻔﻈﺔ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﺜﻞ :

الميثولوجيا الأمازيغية، ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ، ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺠﺮﻣﺎﻧﻴﺔ، ﻭ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎنية .

ﻳﺮﻭﻱ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻎ ﺃﺳﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻬﺎﻧﺖ ﺑﻘﻮﻯ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻏﺘﺮﺕ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻭﻧﺴﺒﺖ ﺻﻤﻮﺩﻫﺎ ﺿﺪ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﺍﻟﻘﺎﺳﻲ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺗﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﺗﺸﻜﺮ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻟﻤﺎ ﺃﻧﻌﻤﺖ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺴﺨﺮﺕ ﻣﻦ شهر ﻳﻨﺎﻳﺮ، ﻭشتمته ﻗﺎﺋﻠﺔ : “هيا يا عجلي الصغير اخرج لترعى فقد ﻣﺮﺕ ﺃﻳﺎم يناير ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺭﺑﻴﻊ، ﻭﻫﺎ هو سيغادر ﻟﻴﺤﻞ ﻓﻮﺭﺍﺭ ‏(ﺷﻬﺮ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ‏) ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻦ ﻳﺼﻴﺒﻨﻲ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﻭﻟﻦ ﺗﻌﺮﻗﻠﻨﻲ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺜﻠﻮﺝ” ﻏﻀﺐ ﻳﻨّﺎﻳﺮ ﻛﺜﻴﺮﺍ من هذا القول ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ ﺇﻋﺎﺭﺗﻪ ﻳﻮﻣﺎ ﻭﻟﻴﻠﺔ ﻛﻲ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺍﻟﺠﺎﺣﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻏﺮﻭﺭﻫﺎ و ينتقم منها لأنها ﺷﺘﻤﺘﻪ و سخرت منه، ﻓﻠﺒﻰ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ ﺭﻏﺒﺘﻪ ﻭ ﺗﻨﺎﺯﻝ ﻟﻪ ﻋﻦ يوم ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ .

تقول الأسطورة التي تنتشر بشكل أكبر في المغرب و الجزائر و تونس و ليبيا و تتنوع في طريقة سردها حسب كل منطقة في شمال إفريقيا و تتحد في نفس المضمون أن ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺧﺮﺟﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻠﻬﺎ ﻭﻣﻌﻬﺎ عجلها و هناك من يقول معها عنزتها، ﻭﻫﻲ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ﺑﺄﻥ ﻳﻨّﺎﻳﺮ قد ﺭﺣﻞ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻭﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻗﺮﺿﻪ ﺍﻳﺎﻩ فبراير ﺣﺪﺛﺖ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻭ ﻣﺮﻭﻋﺔ ﺃﺑﺎﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻦ ﺟﺒﺮﻭﺗﻬﺎ، حيث إﺳﺘﺪﻋﻰ يناير ﺍﻟﺒﺮﺩ ﻭﺍﻟﺜﻠﻮﺝ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ، ﻓﻬﻠﻜﺖ العجوز و كل من كان معها، ﻭ إﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ، ﺃﺻﺒﺢ ﺷﻬﺮ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ ﺃﻗﺼﺮ ﺷﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ! ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺨﺸﻮﻥ “ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯﺓ” ﻭﻻ ﻳﺨﺮﺟﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻟﻠﺮﻋﻲ .

ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻂ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻟﺨﺼﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻄﻘﻮﺱ ﺍﻟﺪﻭﺭﻳﺔ، ﻭﻳﺠﺮﻱ ﺗﻜﺮﺍﺭ ﺃﺣﺪﺍﺛﻬﺎ ﻭ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻹﻳﺤﺎﺀ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ ﺑﺎﻻﻧﺒﻌﺎﺙ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ، ﻭ ﺩﻓﻊ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﻔﺼﻮﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺤﺘﻔﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﻃﻘﻮﺱ ﻻ ﻳﺘﺨﺬ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻟﻠﻘﻮﻯ ﺍﻟﻌﻠﻮﻳﺔ، ﺑﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻣﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮﻉ ﻃﻘﺴﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺯﻣﺎﻧﻬﺎ ﺍﻷﻭﻝ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻻﻧﺒﻌﺎﺙ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .

ﻭ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻓﻬﻢ الطقوس و العادات المرافقة لحلول العام الفلاحي الجديد عند الأمازيغ، حيث أن تلك الطقوس تعتبر كعملية ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍلإﻧﺒﻌﺎﺙ ﺍﻟﻤﺘﺠﺪﺩﺓ، و جدير بالذكر أن التقويم الأمازيغي القديم مرتبط بالأرض و بالطبيعة و الفلاحة و ما ينتج من غلال و خيرات و كذلك مرتبط بفترة طبيعية يقال عنها فترة تجديد الطبيعة لدورتها الحياتية أو ما يسمى في ثقافة شعوب شمال إفريقيا بخروج الليالي البيض و ذخول الليالي السود، ﻭﺃﺳﻄﻮﺭﺓ ” آس ن ثمغارت / يوم ﺍﻟﻌﺠﻮﺯة ” و حلول رأس السنة الفلاحية الأمازيغية الجديدة ﻭ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻠﻮﻫﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪاﻥ و ﻻ ﺻﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﺇﻻ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻭﺟﻬﺎﻥ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻸﻣﺎﺯﻳﻎ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺨﺼﺐ ﺍﻟﺪﻭﺭﻱ ﻟﻸﺭﺽ، ﻭ ﺍلإﻧﺒﻌﺎﺙ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻠﻔﺼﻮﻝ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻮﻻﻩ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻤﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺰمكان ﻓﺎﻷﺭﺽ ﻫﻲ ﺍﻷﻡ ﺍﻟﺤﺎﺿﻨﺔ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﻛﻞ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺘﺄﺑﻴﺪ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻔﻼﺣﻴﻦ، ﻟﻬﺬﺍ ﺗﺤﺘﻞ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻓﻲ العادات و التقاليد ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﻡ ﻓﻲ رأس السنة الجديدة، ﺗﻤﺠﻴﺪﺍً ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻷﻡ ﻭﺍﻋﺘﺮﺍﻓﺎً ﺑﺨﻴﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﻃﻠﺒﺎً ﻟﻠﺨﺼﺐ ﻭﺍﻟﺮﺧﺎﺀ ﻭ ﺍﻟﻐﻠﺔ ﺍﻟﻮﻓﻴﺮﺓ ﻭ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺘﺠﻨﺐ ﻏﻀﺒﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺟﻔﺎﻑ ﻭﺟﺪﺏ ﻭ ﺃﻭﺑﺌﺔ و من هنا أيضا يمكننا فهم الإرتباط الوثيق و المقدس عند الأمازيغ بالأرض و مدى تمردهم و ثوراتهم التاريخية دفاعا عن أرضهم، و لفهم هذا جيدا و تحليل هذه العلاقات، ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﺇﻟﻰ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻝ، ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﺜﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ “ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻦ” ، ﻓﻨﺠﺪ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﺠﺒﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻟﺘﺠﺎﺀ ﻟﻸﺳﺎﻃﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻑ ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ ﺗﻠﻚ .

ﻳﺮﻯ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻟﻄﻘﺴﻲ ﻟﻸﺳﻄﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ “ﺩﻳﻦ ﺍﻟﺴﺎﻣﻴﻴﻦ” ﻟﻤﺆﻟﻔﻪ ﺭﻭﺑﺮﺗﺴﻮﻥ ﺳﻤﻴﺚ، ﺃﻥ ﺍﻟﻄﻘﻮﺱ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺗﻔﻘﺪ ﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻭﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ، ﻓﺘﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ، ﻭﻫﻨﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﻟﻜﻲ ﺗﻮﺿﺢ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﻄﻘﺲ ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ، ﻭﺗﻘﺪﻡ ﺗﺒﺮﻳﺮﺍً ﻣﻘﻨﻌﺎً ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻻﺣﺘﻔﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﻗﻠﻬﺎ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ، ﻭ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﻭ ﺍﻟﻄﻘﺲ ﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺎﻥ، ﻭﻻ ﺑﻘﺎﺀ ﻷﺣﺪﻫﻤﺎ ﺩﻭﻥ ﺍﻵﺧﺮ، ﻓﺎﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﻠﻄﻘﺲ ﻟﻀﻤﺎﻥ ﺧﻠﻮﺩﻫﺎ، ﻭةﺍﻟﻄﻘﺲ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﻸﺳﻄﻮﺭﺓ ﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻭ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﺎﻟﻴﺘﻪ، و كما أسلفنا الذكر و إلى يومنا هذا ﻻﻳﺰﺍﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ الذي يوافق 31 يناير الفلاحي أي 13 فبراير الغريغوري بعدد من ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ في شمال إفريقيا يعرف ب آس ن ثمغارت/ يوم العجوزة، ﻭﻳﺘﺨﺬ ﻓﻴﻪ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻎ ﺣﺬﺭﻫﻢ التام ﻛﻲ ﻻ ﻳﺼﻴﺒﻬﻢ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺏ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ، و بذلك أضحى هذا ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ في منطقة شمال إفريقيا ﺭﻣﺰﺍً ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺨﻒ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺃﻭ ﻳﺘﺤﺪﺍﻫﺎ .

و من كل هذا فسر الأمازيغ القدامى التقلبات المناخية التي تحصل في شهر فبراير تحديدا حيث يشهد هذا الأخير دون غيره من الشهور تقلبات مناخية متناقضة و متقلبة و صعبة الفهم، حيث يمكن أن تمطر السماء و تسطع الشمس بالتوالي لعدة مرات في اليوم نفسه أو خلال الأسبوع بحيث أنهم و حسب الأسطورة ذاتها فسروا هذا الأمر بالنقاش الحاد الذي يدور بين شهري يناير و فبراير و المتجدد عند هذا الوقت من الزمن في كل سنة، حيث أن الصراع الأسطوري السنوي بين يناير و براير يبدأ عندما يأتي فبراير إلى يناير كل مرة طالبا إياه أن يعيد له ذلك اليوم الذي أقرضه إياه لينتقم من العجوز، فإذا كان جواب يناير الموافقة فإن فبراير هنا يبتسم و يفرح فرحا شديدا و بالتالي تسطع الشمس فجأة و تكون السماء صافية لكن إذا كان جواب يناير هو الرفض فإن فبراير يحزن حزنا شديدا و يبادر للبكاء و الصراخ و بالتالي تتلبد السماء فجأة بالغيوم و تمطر، و هذا ما يفسر تقلبات هذا الشهر أي شهر فبراير أو براير كما يسمى في اللغة الأمازيغية بين جو صحو و جو ممطر .

الأسطورة تعرف في المغرب و الجزائر ب آس ن ثمغارت/ يوم العجوزة و تعرف في ليبيا و تونس ب قرة العنز ، ترى هل هناك ترابط بين الأسطورتين أم أنها مجرد صدفة ؟ سيما أن كليهما تتحدثان عن أسطورة يناير و فبراير و كليهما ترتبطان بالتقويم الفلاحي الأمازيغي ؟!!

“الصورة من تصميمي الشخصي و هي عبارة عن تخيلات ل آس ن ثمغارت أو يوم العجوزة”.

*سعيد تفروت

شاهد أيضاً

جمعية أطلس بفرانكفورت تحتفل بمناسبة الذكرى 61 لهجرة المغاربة إلى ألمانيا

تنظم جمعية أطلس السوسيو ثقافية بمدينة فرانكفورت الألمانية احتفال خاص بمناسبة الذكرى 61 لهجرة المغاربة …

2 تعليقات

  1. ⴰⵎⵓⵔ ⵏ ⴰⴽⵓⵛ

    مقال رائع جدا مزيان بحال هادشي باش ابقا حي ميموتش بحال بزاف دالحوايج الزوينين من الثقافة الامازيغية اللي ماتو، بحال هاد القصص خاص اتكتبو او ادارو عليهوم فيديوهات احترافية فاليوتيوب لاللغة الامازيغية مع الترجمة للغات العالمية الانجليزية والفرنسية وشكرا بزاف على هاد المجهودات اللي كاتبذلو

  2. أزول
    المقال الذي نشرتموه و الذي نشرته على صفحتي الفيسبوكية يوم 13 فبراير و 14 فبراير الجاري لم تستشيروني و لم تأخدو إذني قبل نشره بالإضافة إلى نشركم المقال ناقصا، ف الشق الثاني من المقال غير وارد !!
    هل ممكن توضيح ؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *