بين تجربة جمعية تيويزي، ودعم لجنة أممية؛ إنبثق أمل العودة للحياة المعيشية بجبال الأطلس

امحمد القاضي
بقلم: امحمد القاضي، رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

من زار المناطق النائية المتضررة بالزلزال بأعالي جبال الأطلس بإقليم تارودانت، وعاش مع الأهالي اللحظات العصيبة، و أنصت لمعاناتهم النفسية جراء فقدان الأقرباء وأنس الحيوانات الأليفة، أكثر من وقع هدم المنازل الآيلة للسقوط أصلا، كما غنت ناس الغيوان: “ماهموني غير الرجال إلا ضاعو، الحيوط إلى رابو كلها يبني دار”؛ وكان شاهدا على قوة دمار هزات الأرض المقدرة، وتقاسم مع الأسر تدبير الندرة وتقاسم الرغيف وكأس الشاي وشعر بعفوية الكرم وتجدر القيم الإنسانية النبيلة التي لم يحركها ولم يسقطها خراب الزلزال، بل لم يزدها إلا قوة وصلابة؛ لا يمكنه إلا أن يعود، والعود هنا أحمد، لأنه يعلم علم اليقين أن المواد التضامنية من أفرشة وأغذية، رغم أهميتها الإغاثية، لن تكفي لتقوية الروابط الإنسانية وزرع الأمل الدائم في النفوس لتجاوز المأساة.

أتيحت لجمعية تيويزي فرصة العودة، ومناسبة اللقاء ببعض جمعيات الدواويرالتي أبانت ميدانيا عن جديتها وتماسكها ونجاعة آليتها التواصلية، حيث جمعنا لقاء بما يناهز عشر جمعيات منتصف شهر نوفمبر بكل من الجماعات الترابية للفيض، إدوكماض، أوناين، تكوكا، سيدي واعزيز، تفنكولت، تسراس وغيرها. وللعارفين بتضاريس المنطقة يعلمون مدى بعد ونائية الدواوير عن النقط الحضرية. ففي مرتفعات الجبال كل كيلومتر تبعد به المسافة الجغرافية، تقابلها بعد في التواصل ومسافة أميال في الإستفادة من الإمتيازات المتاحة للقرب من منبع عيون الإلتفاتات، وتفصل بينها أوقات زمانية في هدر فرص النمو والتطور الميداني. فالأيادي الرسمية وحبال الوريد الموصولة بقاطني الأعالي غالبا ما تكون قصيرة.

المناسبة كانت مبادرة نقل تجربة تربية الدواجن لإستعادة الحياة المعيشية بتمويل ودعم من لجنة الأمم المتحدة لمساعدة متضرري الزلزال بالمغرب المتواجدة بنيويورك. اللجنة الأممية تفصل بينا أميال وبحور وتفرق بيننا نمط الحياة وسبل العيش، لكن وحدتنا الثقة والأهداف المشتركة وحب الوطن وتنمية وتقوية القدرات المعيشية للساكنة المستضعفة. آمنت اللجنة بالتجربة وإستهوتها الطريقة المستدامة للمشروع، وإشتغلنا على سبل التنزيل الميداني للمبادرة، فأصبحت للعملية التشاركية معنى وفائدة.

للبوادي المغربية، وخاصة مداشر أعالي الأطلس، تقليد التعايش مع الدواجن وسط البيوت، وللنساء معرفة ميدانية من عناية بيطرية وحاجيات التغذية الحيوانية إكتسبنها وورثناها عبر الأجيال دون الحاجة لولوج لمواقع الإرشادات. من بين هذه المكتسبات: الإستعانة ببقايا النفيات المطبخية من قشور الخضر والفوكه، والإلتجاء لخلطات الأعشاب الطبيعية لتداوي بعض أعراض الأمراض المتنقلة بحضيرة الدواجن، وكيفية الحضانة والتفقيص الطبيعي للفلاليس، وأصوات الحيوانات المتألمة وغيرها من المكتسبات الفطرية وعن تجربة متوارثة. في الإعتماد و إستغلال هذه المكتسبات نشأت تجربة قابلة للإستنساخ والتطوير والتعميم.

التعايش الأسري مع حضيرة الدجاج البلدي بالبوادي الجبلية السوسية كوسيلة تجمع بين توفير اللحوم البيضاء والبيض البلدي للعيش اليومي للعائلة الممتدة، والإهتمام البيولوجي بتكاثر القطيع من أجل التسويق والإستفادة من عائداته المادية لتمويل حاجيات الأسرة.

أمل الجمعيات في إستعادة هذا التقليد الذي أعدمه خلسة الزلزال وساهم في إنقراض أصناف الدجاج البلدي، هو الذي حفزهم لتحمل عناء السفر باكرا لحضور لقاء تكويني في عملية تفقيص البيض المخصب عن طريق إستعمال فقاصات مصنعة محليا من ثلاجات مستعملة، كرغبة اللجنة الأممية التي تتماشى مع أهداف الألفية والتنمية المستدامة، وكمساهمة منا في حماية البيئة وتقليص أعداد النفيات الصلبة وإعادة تدوير الثلاجات المهملة بإعطائها حياة أطول.

الطريقة الحديثة في تفقيص البيض المخصب لتوفير قطيع دجاج خليط السلالات سريع النمو وحامل لمناعة مكتسبة جربتها جمعية تيويزي بنجاح في منطقة أيت عبد الله، وأبت إلا أن تنقل التجربة وتفيد بها ساكنة المناطق المتضررة كفرصة لإحياء تربية الدواجن وإستعادة الحياة المعيشية والأمل في الإستمرار والإسقرار وسط الدواوير التي أصبحت تنتعش مع بداية عملية الإعمار والبناء والتوصل بالدعم المباشر لأغلبية الأسر.

يبقى البناء أنواع، فلا يكفي أن نبني المنازل لإستعادة الحياة، البناء الأجدر بالأهمية هو بناء قدرات الإنسان أكثر من البنيان الإسمنتي، توفير فرص الإستمرار، تقديم مشاريع وأنشطة مستدامة قادرة على خلق موارد رزق. إنسان الزلزال لن يعيش بالطوب والإسمنت فقط، لأناس الهزات الأرضية حاجيات معيشية، مطالب لتوفير وسائل إستعادة الحركة الإقتصادية والدينامية الإجتماعية لتوطين نمط عيش وضمان إستمرار قاطني الجبال، صمام أمان المغرب العميق.

هذا ما لمسناه في بريق عيون وحيوية تفاعل وعفوية إنخراط وحماسة المستفيدين من الفقاصات والتكوين وأكياس العلف والبيض المخصب وأدوات أخرى مصاحبة، كوسيلة لعودة الحياة الطبيعية تعيد ذكريات العيش البسيط لما قبل الدمار.

أملنا ان تكون جهود الجمعية واللجنة الأممية وكل من ساهم في هذه التجربة قد ساعد على خلق مناسبة للإحساس بالوجود المشترك بأبعاد إنسانية تضامنية عابرة للحدود.

تحت كل رماد دافن، حياة هادئة وخلية نائمة تنتظر فرصة شعلة أمل توقد نارا دافئة تحيي بها النفوس المنكسرة.

عن جبر الخواطر وقضاء حوائج الناس نتحدث.

اقرأ أيضا

في الدفاع عن العلمانية المغربية: رد على تصريحات ابن كيران

اطلعت على تصريحاتك الأخيرة التي هاجمت فيها من وصفتهم بـ”مستغلي الفرص لنفث العداء والضغينة في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *