صرخة العدد 280 ماي 2024/2974

إن واقعة توقيف فريق نهضة بركان، وحجز أمتعته بمطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية، أعادت إلى ذهني واقعة اعتقال ما يزيد عن الخمسين مناضلا ومناضلة من الحركة الأمازيغية المغربية بنفس المكان، الذي هو مطار هواري بومدين، خلال رحلتهم سنة 2008 إلى الجارة الشرقية للمشاركة في فعاليات المؤتمر العالمي الأمازيغي بمنطقة القبائل.

نعم، إن حدث الإعتقال عشناه لمدة فاقت 38 ساعة، واستطعنا مع ذلك أن ننجح في المهمة التي انتقلنا من أجلها، في تنسيق تام ومستمر مع أصدقائنا من الحركة الأمازيغية بالجزائر في مدينة تيزي وزو تحديدا.

لم يكن طبيعيا أن تنزع منا بعض ممتلكاتنا خلال اعتقالنا بالمطار، ومن الأغراض التي تم سلبنا إياها، نسخ من عدد خاص لجريدة “العالم الأمازيغي” التي كان مضمونه ملفا، أنجز آنذاك حول “المقاوم الخضير الحموتي”، وهو موضوع لأول مرة يتناوله الإعلام المغربي بل والمغاربي.

وقد ناقشت “العالم الأمازيغي” في هذا الملف حياة المقاول الخضير الحموتي، والدعم السياسي والمادي والفكري الذي أسداه للثورة الجزائرية إلى جانب مقاومين آخرين من أعضاء جيش التحرير، وبعده الجيش الملكي المغربي في سنوات الأربعينيات والخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي.

الدراسات التاريخية أظهرت كيف أن المغاربة كانوا إلى جانب إخوانهم الجزائريين في السراء والضراء، وأن دعمهم لهم ليس فقط بالعتاد والسلاح، بل بشتى أنواع هذا الدعم المادي والمعنوي لتسترجع الجزائر حريتها، وتنال استقلالها كاملا. إلا انه للأسف نجد (دولة الجزائر) عوض الإعتراف بالجميل (ولو أن ما قام به آباؤنا ومنهم المغفور له محمد الخامس الذي كان على قناعة تامة بأن هذا الدعم نابع من الروابط والصلات بين الشعبين، بحيث لم ينتظر المغاربة من وراء دعمهم لا جزاء ولا إحسانا، لأنه دعم لم يكن في يوم من الأيام مشروطا، بل نابع عن قناعة أساسها الأخوة وحسن الجوار، وللأسف الشديد انقلب الجزائر على المغرب بشكل فظيع عبر تمويل ودعم تكتلات انفصالية، الأولى في الصحراء الجنوبية الغربية المغربية، منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، والتكتل الثاني، نلاحظه من خلال سعي الجزائر الحثيث إلى خلقه، في جبال الريف بشمال شرق المغرب في العشرينيات من القرن الحالي.

أتذكر بالمناسبة نشاطا ثقافيا، سألني فيه صحفي مصري عن وجهة نظري بخصوص الصراع بين الجزائر والمغرب، وكيف تطور من صراع بين نظامين إلى صراع بين الشعوب. فكان جوابي، أن الشق المتعلق بعلاقة النظامين ببعضهما، فإن المغرب دولة لا صراع لها مع الجزائر، لأن المغرب لم يتعد أبدا على السيادة الجزائرية، ولم يرغب اطلاقا في تقسيم أراضيها، ولا يدعم الحركات الانفصالية، ولا الحركات الإرهابية على حدودها، وبالتالي فالجزائر هي من تسعى إلى خلق كيانات إرهابية وانفصالية بالمغرب، والجزائر هي من أغلقت الحدود وتختلق صراعات، تهدد بها منطقة شمال افريقيا والساحل، بل اكثر من ذلك لم تحصر الجزائر هذا الصراع بين الدولتين، بل نجد النظام الجزائري، وللأسف، نجح في تمرير عدائه لكل ما له صلة بالمغرب إلى أذهان وعقول مواطنيه، ويقوم النظام العسكري الجزائري بتدجين وشحن المواطنين عبر المناهج الدراسية، وعبر الإعلام الرسمي، الذي لا يتوانى في حبك سيناريوهات ذات حمولة عدائية، ونشر برامج ذات مضامين ومعلومات خاطئة، وغير صحيحة، لا يمكن للعقل البشري تصديقها أو استيعابها.

خلاصة القول إن المغرب لا صراع له مع الجزائر، والمغاربة ليس لهم أي صراع مع الجزائريين، بل هو صراع جزائري/جزائري بين النظام والشعب، صراع وهمي خلقه الجنرالات ليحكموا به الشعب بقبضة من حديد، صراع يوهمون به مواطنيهم أنهم مستهدفون حتى يشرعنوا به اخفاقاتهم، صراع يستعملونه وقودا لتحريك آلة القمع، وآلة نهب الثروات في غفلة من الشعب، صراع يستمدون منه شرعيتهم الوجودية، التي لا أساس لها، لا تاريخي ولا ديمقراطي، صراع يشبعون به رغباتهم الانتقامية من الشعبين الجزائري والمغربي.

وقديما قال الحكيم الأمازيغي:

ⴰⴱⵔⵔⵓⵢ, ⵉⵡⵉⵏⵜ ⵡⴰⵎⴰⵏ, ⵏⵜⵜⴰ
ⵢⵢⵜⵜⵉⵏⵉ: ⵀⴰ ⵏⵉⴽ ⵉⵡⵉⵖ ⴰⵎⴰⵏ
abrruy, iwint waman, ntta yyttini: ha nik iwiv aman

بمعنى: 
يوري الضعيف المغلوب على أمره عن ضعفه بالإدعاء والتظاهر بالقوة

صرخة العدد 280 ماي  2024/2974 – جريدة العالم الأمازيغي

اقرأ أيضا

أمينة ابن الشيخ

صرخة العدد 285 أكتوبر 2024/2974

يمتاز المغرب بتاريخ عريق وطويل تعكسه الإكتشافات الأثرية المتنوعة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *