رسالة مفتوحة إلى نيكولا ساركوزي: لماذا تقف فرنسا ضد إيمازيغن؟

السيّد الرئيس؛
لقد تركَنا خطابكم ليوم 15 شتنبر 2011 في مدينة بنغازي اللّيبية مبهورين ومذهولين حينما أكدتم على:”(…) شباب بنغازي، شباب ليبيا، الشباب العربي (…)”. وتضيفون: “(…) كل الشعوب “العربية” التي تملك إرادة التحرّر من قيود الاستبداد (…)”. إن حديثكم هذا يدفع بالاعتقاد بأن الشعب الليبي هو شعبٌ “عربيٌّ” على المستوى الإثني والسوسيولوجي والهويّاتي والثقافي واللغوي سواء بسواء.

السيّد الرئيس؛

اسمحوا لي في البداية، أن أدلّكم على أن نجاح ثورة اللّيبيين يعود في مجمله إلى انجازات الشعب الأمازيغي الأصلي الذي انتفض في شرق البلاد واعتزّ بتحرير العاصمة الليبية طرابلس ببسالته المعهودة وكذلك الأمر بالنسبة لشعب التّوبو الذي تولّى مهمة تحرير جزء كبير من الجنوب اللّيبي. فالذين تعتبرونهم “عرباً” هم في الحقيقة وبقوة الواقع إيمازيغن تأثّروا كثيراً بحركة التعريب وتعرّبوا بعد دخولهم الإسلام. إنه ذلك التعريب الجارف والمقصود عن سبق الإصرار والترصّد والذي أتمّه الديكتاتور المخلوع معمر القذافي بسرعة غير مسبوقة من ذي قبل.

السيّد الرئيس؛

إنكم لا تتوقفون عن نعت الثورات الحالية التي يقوم بها شعوب جنوب البحر الأبيض المتوسط ب” الربيع العربي”، بينما الأمر في الحقيقة يتعلّق بالدرجة الأولى بربيع شعوب بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ففي الثورة الشمال الإفريقية التي تُنعت بثورة الياسمين في تونس ساهم الأمازيغ، بالرغم من كونهم أقلية، بصبر وأناة ونكران للذات في تغيير وقلب النظام الديكتاتوري الذي أقامه زين العابدين بن علي تماماً كما فعل الأقباط والأمازيغ في منطقة سيوا في مصر، وهو نفس الطموح الذي يسعى اليوم الأكراد والدروز وغيرهم إلى بلوغه في سوريا.

السيّد الرئيس؛

إن حصر شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط تحت يافطة الشعب العربي يساهم، ولاشك، في تأبيد وديمومة تأثير الإيديولوجيا الشمولية القائمة على الفكر القومي العروبي الأحادي بما لا يسمح لتلبية مصالح وطموحات هذه الشعوب في الحرية. إن قدومكم ومساعيكم لمساعدة اللّيبيين للتحرّر من الاستعمار “القومي العروبي” للطاغية القذافي، بدأنا نستشعر منه مخاطر الاستعمار الجديد الفرنسي ـ البريطاني على المستوى الاقتصادي تحديداً، سيّما بعد الاهتمام الملحوظ بالامتيازات والسعي الحثيث نحو الانقضاض على الموارد الطبيعية والبترول على حساب تحرّر وانعتاق الشعوب من نير الظلم والطغيان.

السيّد الرئيس؛

لا شك أنكم على دراية بسياسة التعريب الإيديولوجية التي حطّمت المنظومة التعليمية لبلداننا الشمال إفريقية (المغرب، الجزائر، تونس…) والتي تم تدشينها من طرف المدارس الكولونيالية المزدوجة “الفرنسية ـ العربية”، والتي تم بموجبها تكوين نخبة حضرية وازنة أفضت إلى تسليم أجدادكم السلطة مباشرة بعد مغادرتكم العسكرية لشمال إفريقيا. فظاهرة التعريب التي ابتدأت منذ المرحلة الكولونيالية سمحت فيما سبق بقلع جذور الأمازيغ، من خلال التهجير القسري من البادية نحو المراكز الحضرية، والحيلولة دون تشبثهم بمجالاتهم الحيوية والتاريخية.

السيّد الرئيس؛

أنكم تتحدثون عن بلادكم باعتبارها موطن حقوق الإنسان، البلد الذي قام بكنس وطرد الملكية المطلقة للويس 14. بينما دولتكم ، للأسف الشديد، هي مصدر المشاكل العميقة التي تعيشها بلدان شمال إفريقيا راهناً. دولتكم هي من تُساند السلطة المطلقة والسلطة التقليدية في المغرب وخارجه. لقد قامت الدولة الفرنسية بتحويل الدولة السلطانية، ذات النّزوعات القرسطوية، إلى دولة مشوهة ومتناقضة تجعل المواطنين يعيشون بمثابة “رعية” عبر تثبيت دعائم وركائز التقاليد البالية العتيقة مثل تقبيل اليد وطقوس الانحناء والركوع خلال مراسيم البيعة وغيرها من المناسبات الرسمية. يحدثُ هذا في ظل الدستور الجديد الذي باركتموه دون أن يتضمّن أي تطور ملموس وجدي من شأنه خدمة المصالح الحيوية للشعب المغربي.

فقد استمرّ النظام المخزني يقف في خفاء ضد أي تغيير قائم بإيعاز من فرنسا. فكما تعلمون، إن فرنسا الكولونيالية هي من أرغمت الجيش الاسباني، في عملية مشتركة ومنسّقة، باستعمال الأسلحة الكيماوية للدمار الشامل كغاز الخردل والغازات المشعّة والسّائل الزّيتي السّام والفرق المسمّاة “شريفية” لذبح وقتل السكان المدنيين بُغية قمع حرب التحرير التي تزعّمها عبد الكريم الخطّابي (1921 ـ 1927). إن هذه الحرب ضد الريفييّن لهي جريمة ضد الإنسانية بكل تأكيد، كما تعتبر الدولة الفرنسية بشكل دائم عماد إقصاء جيش التحرير، الذي يتكّون من المقاومين الأمازيغ الأشاوس، من مسار المفاوضات التي تمخّض عنها الاستقلال المشبوه في النهاية، من خلال عملية تغيير النخبة الإدارية الكولونيالية بالنخبة الجديدة ذات الأصول الاجتماعية والمجالية المدِينيّة “المعرّبة” أو “الفاسيّة”. وبالنظر إلى كون الأمازيغ عبّروا عن سخطهم وتذمّرهم حُيال عملية تهميشهم داخل الحكومات الأولى المُشكّلة فترة ما بعد الاستقلال. إنهم بمثابة القادة الذين تولّوا نزع القنابل التي تحتوي على مواد حارقة وملتهبة في المناطق الآهلة بالسكان المدنيين في الريف ابّان أحداث سنتي 1958 ـ 1959. وهو مسلسل آخر من سلسلة الجرائم ضد الإنسانية دونما حديث عن التواطؤ المكشوف لأجهزتكم وصمتهم المريب حول الاغتيالات السياسية لبعض أعضاء أسرة المقاومة وجيش التحرير كعباس المساعدي من قبل مسخرين ممّن توفرّون لهم الحماية من حزب الاستقلال كمن قتله بالاتفاق مع المهدي بن بركة، الذي تمّت تصفيّته هو الآخر، بحسب الكثير من القرائن، من طرف الأعوان والمصالح المشتركة المغربية ـ الفرنسية.

السيّد الرئيس؛

إنني لن أطلب منكم ما إذا كانت الدعامات الدبلوماسية متّجهة من الرباط نحو باريس، خلال فترة حكم الرئيس جاك شيراك أو رؤساء آخرين لفرنسا، لكن ثمة شيء واحد وواضح في ذات الوقت، هو يعقوبية الدولة المغربية التي تقوّت بالإيديولوجية الاستبدادية المطلقة القائمة على العروبة من الصعب أن لا تكون لها أي روابط ببلادكم… وهذا ما يُشكّل حاليا شللاً كبيراً أمام دمقرطتها. كما اغتنمها مناسبة لأعترف لكم بأن النقاش حول الجهوية السياسية، التي لنا الشرف بإطلاقه في المغرب، كحركة أمازيغية، كان مطلبا ضروريا إلا أنه أصبح استنساخ للتجربة الأكثر مأساوية في العالم و المتمثلة في النموذج الفرنسي، حيث لا تزال الجهات التاريخية محرومة من التمتّع بالسلطة السياسية الحقيقة ومجزّأة إلى مقاطعات لاعتبارات سوسيواقتصادية غير ملائمة بتاتاً لأي اندماج وازدهار شرائح واسعة من شعبكم كالبروتون والأُسيتون والباسك والكورسيك والكلدانيين … وغيرهم.

السيّد الرئيس؛

إذا كانت التضحيّات الإنسانية لثورتكم الخالدة سنة 1789 التي آلت إلى الإعلان العالمي لحقوق المواطن، والذي تطور فيما بعد إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم تبنّيه يوم 10 دجنبر 1948، إذ عمِل المواطننون والشعوب على تطويره واغناءه إلى حين اللحظة التي تبنّته فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة بصيغة جديدة تحت اسم الإعلان العالمي، كالإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية في يوم 13 شتنبر 2007. وانطلاقاً من أساس كُنْه المبادئ التي أُسّس عليها هذا الإعلان الذي نطالبكم باحترامه وتوقيره، وبالتالي ممارسة الضغط اللازم لتقرير مصير واستقلال شعوب العالم وشعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط وكذا الشعوب المكونة لبلادكم فرنسا. إن ثورات تونس، مصر، ليبيا واليمن أو سوريا وخارج هذه البلدان… قد أُنجزت، كما تعلمون، من قِبل المواطنين والشعوب التي لا يجب مطلقاً حصرها في العروبة.

إن التحولات الديموقراطية التي تعيشها هذه البلدان لا يمكن أن تلقى النجاحات إلا في ظل الاحترام التام لمبدأ تقرير مصير واستقلال شعوبها الأصلية بما يُلبّي طموحاتهم وآمالهم مع وجوب المرور من نمط الدول المركزية اليعقوبية إلى “دول الجهات” كما يقرّ بذلك البند 46 من إعلان الشعوب الأصلية. فمثلا ليبيا لا تستطيع أن تصبح دولة متأصّلة ديموقراطيا إلا عبر تشكيل دولة مركزية للجهات بمساهمة ساكنة طرابلس وفزاز وأمازيغ جبل نفّوسا والطوارق والتوبو في الصحراء بما يُفضي إلى تكوين حكومة وبرلمانات جهويّة مستقّلة وذات سلطة تشريعية وتداولية في هذه الجهات.

السيّد الرئيس؛

إن الاستعمار الاقتصادي الجديد الذي نجحتم في تثبيت دعائمه وأسسه في المغرب والنيجر ومالي عبر بوابة الشركات المتعددة الجنسيات (فيوليا، أريفا…)، وأن ما تهيّئونه في ليبيا من الصعب أن يحّل معضلة التنمية البشرية التي يمكن أن تساهم في وقف موجات الهجرة نحو بلدكم، ولا التقليل من خطورة الإرهاب الإسلاموي الذي بدأ من جديد في الانتشار في منطقة شمال إفريقيا والساحل. واسمحوا بأن أقول لكم في سياق كل ذلك، تخيلوا فقط لبُرهةٍ لو أن أربعة ملايين من المواطنين الفرنسيين من أصول أمازيغية الذين يقطنون بجمهوريتكم العزيزةً إلى جانب الملايين من المواطنين الأمازيغ من المغرب والجزائر وتونس… أقدموا على مقاطعة المنتجات الفرنسية (ماركات محددة من السيارات كرونو وبيوجو وداسيا وسيتروين…) سيصبح اقتصادكم، بما لا يدع مجالا للشك تحت الصفر. ولا يجب أن تنسوا بأن الأمازيغ كانوا قد التزموا في إطار جيوشكم بالمساهمة في الدفاع عن بلادكم وذلك على شاكلة الجنود المنذورين في حالة الحرب وتحرير فرنسا إبان الحربين العالميتين من الخطر النازي المحدق بها آنئذ. وبفضل الأمازيغ أيضا، باعتبارهم يد عاملة قوية، ساهمت بتفانٍ وفعاليّة في عمليات إعادة بناء فرنسا بُعيْد الحربين العالميتين. وفي نفس الاتجاه لا يمكن إغفال انجازات مشاهير الرياضة والفن مثل زين الدين زيدان … وغيره كثير.

السيّد الرئيس؛

في الأخير، ما من شك أنكم تعلمون جيّدا بأن احترام وتوقير الحقوق الجماعية للشعوب لا يتعارض مطلقاً مع الحقوق الفردية التي تعتبرونها الأسّ الإعتقادي للدولة، بل إنها بالأحرى ثنائية من الحقوق التكاملية وأن أجرأتها لا يمكن إلا أن يساهم في تقوية السلم ورفاهية الأفراد والشعوب وازدهارها والإحساس بكينونتها في فرنسا وإفريقيا والعالم سواء بسواء. ونجد على قائمة كل هذه الشعوب المتميزة “الشعب الأمازيغي العظيم” الذي يعتبر أحد المكونات المندمجة في إطار التنوع الإثني واللغوي والثقافي لبلدكم، وأن في شمال إفريقيا، سيدي الرئيس، ليس هناك “شعوب عربية” بقدر ما هنالك الشعوب الأمازيغية، الرجال الأحرار، وأن الغالبية الكبرى منهم هي أمازيغوفونيين و/ أو عربوفونيين وآخرين يشكّلون أقلية فرنكوفونية (القبايل)، اسبانوفونية (جزر كناريا).

وفي الأخير تقبلوا، سيادة الرئيس، فائق التقدير والاحترام.

والســـلام

رشيد راخا

اقرأ أيضا

الاتحاد الإقليمي لنقابات الناظور يعلن عن تنظيم أيام السينما العمالية

في إطار سعيه لتعزيز الوعي الثقافي وتسليط الضوء على قضايا العمال، أعلن الاتحاد الإقليمي لنقابات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *