إنتفاضة الحكرة… مغربنا ليس مغربكم

wakim

بقلم: وكيم الزياني

ما يعرفه ويعاني منه الشعب المغربي من مشاكل إجتماعية وإقتصادية وسياسية وثقافية وتنموية هي في الأساس نتاج تحريف مسار التاريخ، ولِمَ لا نقول بالأحرى من غنائم التاريخ المزيف..

نقول بهذا الكلام لأننا نؤمن أن ما نحن فيه وعليه اليوم، هو وليد مخاض عسير لحيف تاريخي مؤلم، مخاض أعطى لنا مولودا مشوها إسمه “المغرب”، مغرب اعتقد الماسكون بزمام أموره السياسية بعد مخاض “إيكس ليبان” ماركة مسجلة بأسمائهم، إقتسموا غنائمه الإقتصادية والسياسية بينهم. أما أبناءه الذين قدموا الغالي والتنفيس فرُمي بهم خارج التاريخ إن لم أقل خارج الزمن، ليصبحوا ضحايا التاريخ المزيف، في وطن جعلوه يأكل أبناءه الحقيقين تارة بالتصفيات الجسدية وتارة أخرى بالإختطافات والإعتقلات من وطنيي ما يعرف في تاريخ المغرب المعاصر ب “الحركة الوطنية” أصحاب اللطيف المشهور والطرابيش الحمراء والطرب الأندلسي.

أجدادنا الدين قاتلوا الإستعمار في أشهر الملاحم التاريخية سجلوها بدمائهم في معركة الهري وبوكافر وأنوال… كانوا يقاومون من أجل وطن يعيش فيه أبناؤه بالكرامة والحرية، وطن يتسع لجميع أبنائه دون أن يأتي ذلك اليوم الذي سيُأكل فيه أحدٌ منهم، وطنٌ يعتز أبناؤه بالإنتماء إليه، يضمن لهم العيش الكريم دون أن يفكروا يوما في تركه خلفهم زاحفين في طوابير بشرية راكبين قوارب الموت وباحثين عن أوطان تضمن لهم العيش الكريم ولتعيد لهم إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم التي سُلبت منهم في وطنهم والذي جعلوه لهم جحيم عيش ووجود.

ما تعاينه عدة مناطق اليوم من بؤس وفقر في هذا الوطن هو نتيجة حتمية لسياسات عمومية متخذة من ماسكي زمام السلطة تجاه تلك المناطق..

أقول بهذا الخطاب لأن الواقع المغربي يؤكد بالملموس طبيعة الفوارق الإجتماعية والإقتصادية والتنموية.. بين ما يُعرف بالمركز والهامش، وأن ذلك ما هو إلا تحصيل حاصل لسياسة مخزنية ورثها عن الإستعمار تجاه الهامش، وكأن لسان حال المخزن ينتقم للتاريخ بشعار “دعني أعاقب بلاد السيبة” لذلك نجد تاريخيا أن صراع المخزن مع الهامش هو صراع دامي سجل عدة إنتفاضات بعد الإستقلال الشكلي، تارة إندلعت من أجل الخبز، وتارة من أجل الكرامة والحرية، وتارة أخرى ضد الحكرة والتسلط.

لذلك يصدق القول إن هذا الشعب من ضحايا التاريخ ولعنة الجغرافيا وحصار المخزن، وما زال هذا الأخير إلى يومنا هذا يتعامل مع هامش الهامش بهذه العقلية الصراعية التاريخية رغم الشعارات الواجهاتية التي يرفعها المخزن من حين لآخر.

إن انتفاضة الهامش من أجل الكرامة والعدالة الإجتماعية ليست إلا نتيجة عقود من الحصار والإقصاء والتهميش اللذين شبع منهما الشعب حتى التخمة أو كما يقول المثل المغربي “حتى وصلات العظم”، الشعب لم يعد قادرا على تحمل كل هذا البؤس وكل هذا التجويع ووكل هذه الحكرة والإهمال، وهو يعاين بحسرة كبيرة، كيف تُقتسم ثروات وطنه بين ماسكي زمام السلطة وأعيانه والمقربين منها.

وفي هذا السياق يمكن أن ندرج إنتفاضة الريف ضد الحكرة التي أشعل شرارتها شهيد الكرامة محسن فكري لتنتشر كالنار في الهشيم لتعم جميع مناطق ومدن المغرب، حيث خرج الناس إلى الشارع للإحتجاج والتنديد ب “الحكرة” وبجريمة مقتل شهيدها بمدينة الحسيمة محسن فكري وبتلك الطريقة البشعة التي تقر بأن كرامة المواطن في المغرب عند الدولة والمؤسسات لا تساوي شيء. إذ كيف يمكن لنا أن نقبل طحن مواطن في شاحنة للنفايات وبتعليمات سلطوية “طحن مو”؟ إنه أمر مؤلم يا وطني؟

قضية محسن فكري ليست سوى الشرارة التي أيقظت آلاف المغاربة وفي جميع مدن المغرب للانتفاض ضد الحكَرة ومن أجل الكرامة والعيش الكريم، وكانت إحتجاجات الحسيمة هي الأكثر تنظيما ورُقيا، حيث نفذت بطريقة حضارية توحي بميلاد جديد لقوة الدفاع الذاتي عند الريفيين تحت شعار “سلمية سلمية” ضدا على ما عرفته هذه المدينة والريف عامة من فساد وإقصاد وحصار أمني وتهميش وحكرة ذهب ضحيتها بائع السمك الشهيد محسن فكري.

خروج آلاف المغاربة للشارع من أجل الكرامة، هو بمثابة مؤشر واضح على فشل الشعارات التي يتم التسويق لها من طرف المخزن من قبيل “التغيير في إطار الإستقرار” و”الإستثناء المغربي”… ويتضح أن القائمين على تقرير وتدبير السياسات العمومية بالمغرب اختارو التغيير في موقع خطأ، حيث رفعوا شعار الإستقرار في مقابل الحكرة.

شعار “الإستقرار هذا جعل بعض المسخرين من السلطة من المسؤولين والشيوخ يشنون حملات واسعة ضد “احتجاجات الشارع السلمية” التي خرجت من أجل وضع حد لأشكال الحكرة والسلطوية المخزنية، واتهامهم ب”الفتنة” تارة وب “العمالة الخارجية” تارة أخرى، وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وهاجم ساكنة الريف المحتجة بقاموس لغوي تاريخي بائد “الأوباش” ويا حسرتاه فإن من قال بذلك برلمانية تمثل “مؤسسة تشريعية”.

خلاصات وعبر هذا وذاك، أن الشعب خرج إلى الشارع لأنه يريد مغرب الأمان والكرامة، والمخزن وأعوانه وشيوخه يريدونه مغرب الإستقرار في ظل الحكرة، نعم نحن نريده مغرب الحرية والمخزن يريده مغرب الوصايا، نحن نريده مغرب المواطنة الحرة والمخزن يريده مغرب الرعايا الأوفياء، نحن نريده وطن الجميع هم يريدونه وطنا لهم وماركة مسجلة بأسمائهم، نحن نريدهم مغرب الحقوق والحريات، وهم يريدونه مغرب التسلط، نحن نريده مغربا تقتسم فيه الثروة على أبنائه بالحق، وهم يريدونه وطنا تُقتسم ثروته بالريع الإقتصادي، نحن نريده مغرب النزاهة وهم يريدونه مغرب الفساد، نحن نريده مغرب العدالة هم يريدونه مغرب التحكم…

لذلك نحن لسنا هم، وهم ليسوا نحن.. مغربنا ليس مغربهم، ومغربهم ليس مغربنا.

رحم الله جميع شهداء الوطن وجميع ضحايا الوطن.

شاهد أيضاً

لمحات من تاريخنا المعاصر.. التعريب الإيديولوجي في المغرب

بدأت بوادر التعريب الإيديولوجي في المغرب منذ الثلاثينات من القرن الماضي اي بعد أن قضى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *