بقلم: مبارك بلقاسم
نشر الأستاذ بنسالم حميش مقالا بعنوان “غلاة الأمازيغية”. وهذا ردي على بعض الأفكار والمقولات التي جاءت في ذلك المقال حول هوية المغرب وحول حرف تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية.
ولأن المغاربة خصوصا والأمازيغ عموما حساسون بشكل مفرط أكثر من الشعوب الأخرى للنقد والأفكار المضادة ويسارعون بشكل عجيب إلى نعت من يخالفهم بنعوت العنصرية والتطرف والتعصب فأنا أجد نفسي مضطرا هنا إلى أن أنبه القارئ المغربي إلى أنني لا أحاول أن أفرض آرائي عليه أو أن أملي عليه ما يجب أن يعتنقه حول هوية المغرب.
إذا كنت أيها القارئ تؤمن مثلا بأن “المغرب بلد عربي وشعب عربي” فأنت حر في ذلك ومن حقك أن تردد ذلك وتنشره في الإعلام والمجتمع حتى تشبع أو إلى أبد الآبدين. فحرية الفكر والتعبير حق للجميع.
أنا هنا أناقش الأفكار ولا أفرض عليك الأفكار.
من لم تعجبه أفكاري فليرد عليها إن استطاع.
1) اللغة الأمازيغية وضرورة تدريسها وترسيمها بالحرف اللاتيني:
في مقالك يا أستاذ بنسالم حميش تستغرب عدم كتابة الأستاذ أحمد عصيد مقالاته باللغة الأمازيغية بحرف ثيفيناغ وتتحداه أن يفعل ووعدته بأن تصفق له إن فعل.
وأنا أقول لك أن الأستاذ أحمد عصيد وغيره من مثقفي ونشطاء الأمازيغية لا يكتبون حاليا مقالاتهم بالأمازيغية بحرف ثيفيناغ لأنهم يعلمون علم اليقين أن لا أحد يستطيع قراءة ما سيكتبونه بحرف ثيفيناغ.
(طبعا هناك استثناءات قليلة مثل الأستاذ محمد بودهان الذي كتب مقالات كثيرة كرئيس تحرير جريدة Tawiza بالأمازيغية بالحرف اللاتيني ثم بحرف ثيفيناغ. ولكن منذ 2003 توقف معظم النشطاء عن كتابة الأمازيغية بسبب تبني الإيركام لحرف ثيفيناغ فتجمد كل شيء. وحاليا لا يكتب النشطاء أية مقالات ولا بيانات بحرف ثيفيناغ وإنما ينتظرون الدولة أن تكتب لهم كل شيء بحرف ثيفيناغ وأن تنزل عليهم “القانون التنظيمي” الذي يتوهمون أنه سيحل مشاكل الأمازيغية).
الكتابة الإعلامية والإدارية بحرف ثيفيناغ غير مجدية حاليا لأن لا أحد يقرأ ثيفيناغ. وسيستمر الأمر لعشرات السنين بالمغرب في وقت تنكمش وتتراجع فيه الأمازيغية ديموغرافيا بشكل متسارع.
فما هو البديل المنطقي؟ الحرف اللاتيني طبعا.
ولكن نشطاء ومثقفي الأمازيغية لا يريدون حاليا كتابة مقالاتهم وبياناتهم بالأمازيغية بالحرف اللاتيني لأسباب عدة: ربما خوفا من الظهور بمظهر المتمرد على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الإيركام)، أو ربما خوفا من التعرض للنقد واللوم والتخوين من زملائهم وأنصارهم، أو ربما خوفا من إحياء معركة الحرف ضد الإسلاميين، أو ربما بسبب تحرّج بعضهم من الظهور بمظهر من غيّر وبدّل قناعته الحرفية من ثيفيناغ إلى الحرف اللاتيني وانقلب على شعاراته (بينما تغيير القناعات ليس عيبا).
فالأستاذ أحمد عصيد (وغيره من النشطاء) قادر بالطبع على أن يكتب مقالا بالأمازيغية بحرف ثيفيناغ. ولكن من سيقرأه؟! ومن سيفهمه؟! لا أحد.
ولكن بالمقابل إذا كتب مثقفو الأمازيغية مقالاتهم الصحفية بالأمازيغية بالحرف اللاتيني فسيقرأها كل مغربي متعلم سواء كان ناطقا بالدارجة أو بالأمازيغية. أما فيما يخص مسألة الفهم، فإن ذلك المقال سيفهمه جزء من المغاربة المتعلمين الناطقين بالأمازيغية قد تكون نسبتهم 5% أو 10% أو 50%.
فالخطوة الأولى هي سهولة القراءة. وبعدها تأتي الخطوة الثانية ألا وهي فهم المكتوب.
الحرف اللاتيني الكوني يفتح آفاقا رحبة واسعة أمام اللغة الأمازيغية باعتراف الأستاذ أحمد عصيد نفسه.
أما الحرف العربي فهو أقل نفعا للأمازيغية ويكتبها بشكل ضعيف وناقص لأنه يعتمد على الشكلات (الشدة والضمة والسكون…) ويعتمد على الكتابة الأبجدية abjad القزمية الكسولة عوض الكتابة الألفبائية alphabetic الكاملة. الحرف العربي لا يميز بين w وu وo ويعبر عنها بنفس الحرف (و). والحرف العربي لا يميز بين i وy ويعبر عنهما بنفس الحرف (ي). ولا يوجد حرف عربي يعبر عن e (الصائت الأمازيغي القصير الذي نجده في كلمة imaziɣen أو عبارة netta yessen مثلا). ومستخدمو الحروف العربية يعبرون بشكل مضطرب عن الصوت الأمازيغي G بعدة حروف (كـ، غ، ج، ق، ݣ، گ، ڨ). الحرف العربي غير عملي لكتابة الأمازيغية لأسباب تقنية كثيرة شرحتها بالأمثلة والتفاصيل في نصف طن من مقالاتي على مدى سنوات. والذين يحاولون فرض الحرف العربي على الأمازيغية هم التعريبيون والإسلاميون طبعا، وأجندتهم تعريبية إسلامية صرفة وهدفهم ضمان سيادة العربية ودونية الأمازيغية.
لا أحد يمنع التعريبيين والإسلاميين من أن ينشروا الكتب والمجلات على نفقتهم بالأمازيغية بالحرف العربي أو أن يستأجروا من يكتب لهم الأمازيغية بالحرف العربي. ولكن لم يفعلوا ولن يفعلوا لأنهم يرون اللغة الأمازيغية خطرا على العربية والإسلام ويريدون محو الأمازيغية في أقرب الآجال وتعويضها بالعربية الفصحى لغة القرآن. ودعوتهم إلى كتابة الأمازيغية بالحرف العربي مجرد محاولة لفرملة الأمازيغية وتلغيم طريقها وتضييع وقتها.
وقد نشرت شخصيا على هسبريس ومواقع أخرى عدة مقالات بالأمازيغية بالحرف اللاتيني، وحسب تعليقات القراء فقد فهمها جزء لا بأس به منهم رغم أنهم لم يدرسوا الأمازيغية في المدرسة. وها هو أحدها مثلا:
https://www.hespress.com/writers/384676.html
كما أنني ترجمت الدستور المغربي إلى الأمازيغية بالحرف اللاتيني وها هو هنا:
www.freemorocco.com/tamendawt.pdf
فما رأيك يا أستاذ بنسالم حميش في تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني؟ فبما أن لك رأيا في الشؤون الأمازيغية وفي بعض نشطاء الأمازيغية فما رأيك بالضبط في مسألة الحرف؟
2) هل قرأت يوما ما يسمى بـ”الظهير البربري” يا أستاذ بنسالم حميش؟!
في مقالك يا أستاذ بنسالم حميش قدمت ادعاءا عجيبا غريبا مفاده أن ظهير 16 ماي 1930 (المعروف خطأ بـ”الظهير البربري”) حرَّمَ على البربر تعلم اللغة العربية وبالتالي التمكن من قراءة القرآن.
لم أصدّق عينيّ وأنا أقرأ هذا الادعاء العجيب والغريب الصادر عنك يا أستاذ بنسالم حميش. وهذا الادعاء لا يمكن أن يصدر إلا عن شخص لم يقرأ نص هذا الظهير ويعتمد فقط على الإشاعات الرائجة حوله. وسؤالي لك هو: في أي فصل أو فقرة بالضبط في ما يسمى “الظهير البربري” تم تحريم تعلم اللغة العربية على البربر؟ أعطني رقم الفصل. أعطني العبارة التي تمنع البربر من تعلم اللغة العربية.
أدعوك إلى قراءة مقالي الذي عنوانه: “الظهير البربري”: النص الكامل (https://www.hespress.com/writers/79330.html).
أنا لا أدافع عن هذا الظهير التافه ولا عن الاستعمار الفرنسي الذي جاء لنهب المغرب ولحماية عملائه ومحمييه في فاس. فالاستعمار الفرنسي كان يستهدف بذلك الظهير تسهيل سرقة (تفويت) عقارات وأراضي القبائل الأمازيغية وحماية المستوطنين الفرنسيين قانونيا خلال منازعاتهم مع أفراد القبائل الأمازيغية حول العقارات والأراضي وغيرها، وبجانب ذلك ترك ذلك الظهير لبعض القبائل الأمازيغية حق التقاضي في شؤونها المحلية بالقانون العرفي الأمازيغي المسمى izerfan كما كان الأمر عليه بالمغرب دائما طيلة قرون قبل وبعد الإسلام. فحتى في الفترة الإسلامية كانت معظم القبائل الأمازيغية ترفض الشريعة الإسلامية وتطبق القانون الأمازيغي. أما الذي كان يفرض الشريعة الإسلامية فهو المخزن الأمازيغي المركزي في مراكش وفاس لأن الشريعة الإسلامية تعطي صلاحيات ضخمة وامتيازات مربحة للإمبراطور الأمازيغي المسلم لا يجدها في القانون العرفي الأمازيغي.
هكذا باختصار. لا توجد مؤامرة على الإسلام ولا يوجد منع للغة العربية ولا تنصير ولا تقسيم للمغرب. هذه خزعبلات وأكاذيب التعريبيين. الاستعمار الفرنسي (والإسباني) جاء لينهب ثروات المغرب ولا مصلحة له في معاداة العربية ولا الأمازيغية ولا الإسلام ولا اليهودية. بل الحقيقة هي أن الاستعمار الفرنسي هو أول من اعترف بالعربية لغة رسمية للدولة المغربية بجانب الفرنسية في الإدارات. والاستعمار الفرنسي هو الذي درّس العربية في المدارس العصرية وكتب بها وثائقه الإدارية بالمغرب بجانب الفرنسية. بينما تم تهميش الأمازيغية من طرف الاستعمار الفرنسي ووضعها في مرتبة أدنى من العربية والفرنسية ولم يهتم أبدا بمساواة الأمازيغية مع العربية والفرنسية. وورثت عنه الدولة المغربية هذه السياسة التعريبية المفرنسة المهمشة للأمازيغية وبقيت وفية مخلصة لها.
فلماذا تدعي يا أستاذ بنسالم حميش أن هذا الظهير المسمى بـ”الظهير البربري” حرّم على البربر تعلم اللغة العربية؟ هل أنت مستعد للتراجع عن هذا الادعاء الباطل أمام قرائك؟
3) المغرب أمازيغي مثلما أن السعودية عربية وإيران فارسية وألمانيا جرمانية:
الاعتراف بأن المغرب بلد أمازيغي وأنه ليس عربيا ولا عبريا ولا فرنسيا ولا أندلسيا هو اعتراف نابع من حقائق التاريخ والجغرافيا.
الاعتراف بالهوية الأمازيغية للمغرب ضروري من أجل:
– معرفة الذات للتميز عن الآخرين الأجانب في البلدان الأجنبية البعيدة كالسعودية وفرنسا.
– استقلالية المغرب وتحرير أراضيه المحتلة ودحر أطروحة البوليساريو القومية العربية الانفصالية.
– التركيز على مصالح المغرب وتفادي التضحية بالمغرب في سبيل مصالح الأجانب (كفلسطين والعرب وفرنسا).
قلت يا أستاذ بنسالم حميش في مقالك ما يلي: “إن أولئك الغلاة تقشعر ذواتهم تقززا ونفورا كلما طالعتهم تسميات تحمل كلمة عرب أو عربي، مثل “المغرب العربي” و”اتحاد المغرب العربي” و”وكالة المغرب العربي” و”الجامعة العربية”، ويعتبرونها استفزازا لقوميتهم ومشاعرهم الأمازيغية، لا يأبهون لكون تلك التسميات إنما هي عناوين اتفاقية لا تنفي مطلقا “الأقليات”، ولا تحمل في طياتها أي نعرة عرقية أو سلالية.”
ردي على كلامك هو كالتالي:
هل يجوز لي أن أقول أنك أنت مثلا مع العروبيين والإسلاميين ربما تقشعرون تقززا ونفورا كلما سمعتم أو قرأتم تسميات مثل “المغرب الأمازيغي” و”بلدان العالم الأمازيغي” و”ثامازغا”؟
المغربي السوي لا يملك إلا أن يتقزز ويستنكر تزوير هويته الأمازيغية المغربية وتحويلها إلى هوية عربية زائفة تنتمي إلى قارة آسيا. الشيء الطبيعي هو أن نقول “المغرب الأمازيغي” وأن نقول “اتحاد المغرب الأمازيغي” و”اتحاد الدول الأمازيغية”. ولا بأس من عبارة “اتحاد شمال أفريقيا”. ولا عيب على الإطلاق في عبارة “اتحاد الدول البربرية” Union of Berber States أو عبارة “اتحاد ثامازغا”. والطبيعي أيضا هو أن نقول “وكالة المغرب الأمازيغي للأنباء”.
وقد لاحظت أنك يا أستاذ بنسالم حميش تحب استعمال الكلمتين “بربرية” و”أمازيغية” معا. وكلمة “بربرية” لا تضايقني إطلاقا (بخلاف كثير من المغاربة). وأريد أن ألفت انتباهك وانتباه القراء إلى أن الأمازيغ لديهم أيضا كلمة Taserɣint [تاسرغينت] التي معناها “العربية” بجانب كلمة Taɛrabt. وكلمة Taserɣint قديمة لدى الأمازيغ ووردت في مخطوطاتهم القديمة ولا تحمل أي معنى قدحي.
أما بالنسبة لتسمية “جامعة الدول العربية” (التي يقصد بها مروجوها شمال أفريقيا والشرق الأدنى) فهي طبعا تسمية تزييفية تزويرية في مضمونها وإمبريالية توسعية تعريبية في أهدافها وأحلامها لأن البلدان التي تدعي تمثيلها ليست عربية حقا في أغلبها. والأجدر هو أن تكون تسمية المنظمة التي تشمل هذه البلدان تعبر بأمانة عن كل الشعوب والأمم والحضارات الموجودة في منطقة شمال أفريقيا وشرق أفريقيا والشرق الأدنى فتكون مثلا: “جامعة الدول الأمازيغية والقبطية والنوبية والعربية والكردية والآرامية والصومالية”.
وإذا أردنا الاختصار فهناك إمكانيات عديدة مثل: “اتحاد شمال أفريقيا والشرق الأدنى” Union of North Africa and the Near East واختصاره UNANE. أو Union of the Near East and North Africa واختصاره UNENA. أما من يريد فرض العروبة على المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا فهو يريد فرض الإمبريالية العربية على بلدان غير عربية.
وتزعم يا أستاذ بنسالم حميش أن تسمية “المغرب العربي” و”جامعة الدول العربية” تسمية اتفاقية (توافقية)، فمن اتفق بشأنها؟! ومتى استشيرت الشعوب الأمازيغية والكردية والقبطية والنوبية والآرامية بشأنها؟! متى كان هناك استفتاء شعبي حول التسميات وحول انضمام المغرب إلى تلك الكيانات والمنظمات؟!
وفي الحقيقة فإن تسمية “جامعة الدول العربية” تنطبق على ما يسمى بـ”مجلس التعاون الخليجي” الذي يجمع السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين وعمان. فهؤلاء عرب حقيقيون ومنظمتهم عربية صرفة نعترف بها كـ”جامعة للدول العربية”.
أما بالنسبة لـ”الأقليات” فهي في منظورك أنت يا أستاذ بنسالم حميش. أما في المنظور الأمازيغي فالأمازيغ هم كل سكان المغرب سواء كانوا ناطقين بالأمازيغية أو بالدارجة أو بالحسانية. وكل من يحمل الجنسية المغربية أو يعيش بشكل دائم بالمغرب إنما هو أمازيغي في نظر الأمازيغ.
ومصر أرض قبطية وشعبها قبطي.
والسودان الشمالي أرض نوبية وشعبه نوبي، واللغة النوبية يتحدثها حاليا ما يقارب المليون سوداني.
ومنطقة الشام والعراق كردية في جزء منها وسريانية/آرامية في جزء آخر منها. والاستعمار العثماني والبريطاني والفرنسي هو الذي أقحم الكرد في دول سوريا والعراق وتركيا وإيران وحرمهم من تأسيس دولتهم الكردية أو دولهم الكردية على أرض كردستان الشاسعة.
أما محاولتك نفي وجود “نعرة عرقية وسلالية” في تسميات “المغرب العربي” و”الجامعة العربية” فهي مبنية على أساس خاطئ. فالعرق (بالإنجليزية: race) متعلق أساسا بلون البشرة. والأعراق هي العرق الأبيض والعرق الأسود والعرق الأسمر والبقية. أما الأمازيغ والجرمان والترك والكرد والعرب والقبط والصينيون فليست أعراقا بل هي إثنيات أو قوميات (بالإنجليزية: ethnicities).
وإحدى مشاكل مستخدمي اللغة العربية هي أنهم لا يميزون بين العرق (race) والإثنية/القومية (ethnicity). إذن فالأمازيغيون إثنية/قومية، والعرب إثنية/قومية، والكرد إثنية/قومية. لا داعي لإقحام العرق (لون البشرة) في الموضوع.
أما “السلالة” فهي مجرد تفرع للقبيلة التي هي بدورها فرع من الإثنية.
مشكلة تسميات “المغرب العربي” و”الجامعة العربية” ليست أنها تسميات عرقية (فلا علاقة لها بالعرق) وإنما مشكلتها هي أنها تسميات تزويرية ذات هدف إمبريالي تعريبي توسعي عندما تطبق على غير العرب وعلى أراض وأوطان أمازيغية كالمغرب وتونس.
من منظور أمازيغي، “المغرب العربي” هو النصف الغربي لشبه الجزيرة العربية المطل على البحر الأحمر أي الحجاز. أما “المشرق العربي” فهو النصف الشرقي من من شبه الجزيرة العربية المطل على الخليج الفارسي أي بلاد نَجْد والربع الخالي والإمارات وقطر وعمان والبحرين والكويت.
ومن منظور أمازيغي أيضا، فإن مغربنا هو “مغرب أمازيغي” لأنه يقع في غرب العالم الأمازيغي. أما “المشرق الأمازيغي” فهو ليبيا وتونس.
4) هوية المغرب الخالوطة الجالوطة أو “هوية الأوطيل” Hotel
ما هي هوية “الأوطيل” Hotel (الفندق)؟
هل توجد أسرة تعيش في الأوطيل بشكل مستمر وتتخذه بيتا خاصا بها؟ لا.
الأوطيل مصمم خصيصا ليكون بيتا مؤقتا للسياح والأجانب يقضون فيه بعض الليالي ثم يرحلون.
الأوطيل مختلف عن بيت الأسرة أو العائلة. الأوطيل متاح لكل من هب ودب مقابل كمشة نقود. أما بيت الأسرة فهو خاص بأفراد الأسرة ومملوك لها تعيش فيه ولا تعيش في غيره. بيت الأسرة ليس مشاعا مباحا لكل من هب ودب. ويمكن لتلك الأسرة أن تستقبل في بيتها ضيوفا بشكل مؤقت أو دائم وفق شروط الأسرة طبعا. ولكن بيت تلك الأسرة يبقى بيت الأسرة بهوية تلك الأسرة ومملوكا لتلك الأسرة ويحمل اسم الأسرة وليس بيت كل من هب ودب من مسافرين وسياح ومتشردين.
من يريد تحويل هوية المغرب إلى هوية خالوطة جالوطة يحددها السياح والزوار والأجانب واللاجئون والغزاة والمتشردون فهو يرى المغرب مجرد أوطيل يحدد هويته نزلاؤه اللاجئون والمستوطنون.
أما المغرب فليس أوطيلا. المغرب بيت أمازيغي تسكنه أسرة أمازيغية وهو مملوك لتلك الأسرة الأمازيغية وليس مملوكا لأسرة عربية من قارة آسيا ولا لأسرة فرنسية من قارة أوروبا.
التعريبيون والإسلاميون يتعمدون تمييع هوية المغرب وإقحام الهجرات العربية فيها (متجاهلين هجرات الشعوب الأخرى إلى المغرب) ويقحمون الإسلام السني في هوية المغرب (متجاهلين بقية الأديان) ويروجون باستمرار لضجيج المصاهرات والتخالطات والتمازجات. وهدفهم هو تضبيب موضوع هوية المغرب وتمييعه لكي يسهل عليهم القول بأن المغرب خالوطة جالوطة عربية إسلامية أمازيغية تعايشية تمازجية تسامحية تخالطية تنتمي إلى العالم العربي وأن منتخبه الكروي عربي يمثل العرب في كأس العالم وأن كل منجزاته عربية وأن حضارته عربية، وبالتالي ليسهل عليهم السطو على منجزات المغرب الأمازيغي ونسبتها إلى العرب، وليتسنى لهم تجنيد موارد المغرب المادية والبشرية لخدمة قضايا العرب في قارة آسيا في حروبهم ضد اليهود والفرس والشيعة.
وفي إطار إستراتيجية تمييع الهوية من أجل ضمان مقعد للعروبة في المغرب تندرج مقولتك التالية يا أستاذ بنسالم حميش: “كيف لنا أن نقفز على ظاهرةٍ كلية تتمثل في تاريخ الهجرات والمصاهرات والانصهارات الكثيفِ المديد، وما تمخض عنه من تقلبات جينيالوجية ولسانية مست عالميا مناطق ومجموعات بشرية كاملة؛ ومغربيا، ها هو خبير سوس وما جاورها، محمد المختار السوسي، يسجل: «وفي صحراء سوس تتموج القبائل العربية من بني هلال وغيرهم، لا يزالون يحافظون على أنسابهم وعلى لغتهم إلى الآن. وأما في بحبوحة سوس فلا يُتكلم فيها بالعربية إلاّ في أولاد جرار بضواحي تيزنيت وإلا في قبائل تحيط بتارودانت، وأما غالب هذه الأسر العربية الأصل فإنها تشلّحت حتى نست لغتها وإن لم تنسَ غيرتها العربية الدينية».”
ردي على كلام الأستاذ بنسالم حميش هو كالتالي:
لماذا تقوم يا أستاذ حميش بانتقاء قبيلة واحدة هاجر بعض أفرادها إلى المغرب وهي قبيلة العرب وتحاول بذريعة الاختلاط والامتزاج والمصاهرات أن تمنح للعرب حصة 50% من هوية المغرب؟
لماذا يجب على هوية المغرب أن يتقاسمها المهاجرون واللاجئون الأجانب حصصا كأن المغرب كعكة أو غنيمة؟! شوية للعرب. شوية للأندلسيين. شوية لليهود. شوية للفرنكوفونيين. شوية لفرنسا وإسبانيا. شوية للإسلام السني.
إذا أردت اللعب على وتر الاختلاط والامتزاج والمصاهرات وتزعم على أساس ذلك أن هوية المغرب مخلوطة لا أصالة لها وأنها يحددها المهاجرون وليس الأصليون فعليك أن تقحم في تعريف هوية المغرب كل الجماعات والقبائل والشعوب التي هاجرت إلى المغرب منذ فجر التاريخ بدءا بالإيبيريين (الهيسبانيين) القدامى والإغريق القدامى إلى أفارقة جنوب الصحراء من شعوب Bambara وMandé من بلاد مالي وكذلك الرومان والفينيقيين والعبريين/اليهود والبيزنطيين المسيحيين والونداليين الجرمان ثم العرب والأندلسيين والإسبان (الذين ما زالوا يحتلون مليلية وسبتة و21 جزيرة أمازيغية مغربية ويستوطنوها) والفرنسيين ثم أفارقة جنوب الصحراء الجدد الذين يتقاطرون على المغرب يوميا من السنغال وساحل العاج ونيجيريا.
إذا أردت آ السي بنسالم حميش أن تميّع هوية المغرب (لتضمن لعروبتك مقعدا في هوية المغرب) فلا يحق لك أن تكتفي باقتراح تخريجة “هوية المغرب عربية إسلامية أمازيغية” فهي تخريجة ضعيفة مهزوزة لا تقنع صاحب عقل سليم. وإنما يجب عليك أن تميّع هوية المغرب تمييعا كاملا مكتملا “على حقو وطريقو” بشكل يعترف بكل من هب ودب وهاجر إلى المغرب لاجئا أو تاجرا أو محتلا أو مستوطنا منذ فجر التاريخ إلى اليوم فتقول إذن: “هوية المغرب أمازيغية إيبيرية/هيسبانية جنوب-صحراوية بامبارية (Bambara) ماندية (Mandé) إغريقية رومانية فينيقية عبرية/يهودية بيزنطية وندالية عربية أندلسية إسبانية فرنسية سنغالية/غابونية/عاجية/غينية/بوركينابية…إلخ.
ويجب عليك أن تفعل نفس الشيء مع كل بلدان العالم وعلى رأسها السعودية التي ستصبح هويتها: عربية نبطية حِمْيرية حبشية (إثيوبية) يهودية فارسية رومانية عثمانية/تركية. ومن الآن فصاعدا فإن كل من يزعم أن السعودية بلد عربي إنما هو عنصري إقصائي من “غلاة العروبة” (على وزن “غلاة الأمازيغية”) يضطهد السعوديين ذوي الأصل الحبشي أو النبطي أو التركي. ويجب على السعودية كتابة دستور يعترف بالروافد العربية والنبطية والحِمْيرية والحبشية (الإثيوبية) واليهودية والفارسية والرومانية والعثمانية التركية لهويتها. ونفس الشيء واجب على قطر والإمارات والكويت.
إذا أردت أن تقحم هوية المهاجرين الأجانب في هوية المغرب وتبني من ذلك “هوية مخلوطة” فعليك أن تذكر جميع من هب ودب وهاجر إلى المغرب قديما وحديثا وتعترف بهم كروافد ومكونات لهوية المغرب، وإلا سيتهمونك بالإقصائية والغلو. ولا تنس أن تقحم الديانات المسيحية واليهودية والإسلام الخوارجي والشيعي والديانة البرغواطية في الهوية المغربية الخالوطة الجالوطة ما دمت تقحم الإسلام في هوية المغرب.
الحقيقة هي أن هذه الهوية الخالوطة الجالوطة هي هوية ممسوخة تقول لنا بأن سكان المغرب مجرد خليط لا أصالة له يتكون من أحفاد الرحل والقراصنة والمحتلين واللاجئين والمغامرين والهاربين من القانون والهاربين من المجاعات والهاربين من المذابح في آسيا وأوروبا. إنها هوية أوطيل Hotel أو هوية “أرض لا أحد” No man’s land. هوية لا رأس لها ولا رجلين. هوية لا راس لا ساس. هوية لا أصالة لها. إنها لاهوية Non-identity. مجرد خليط كريولي هجين وممسوخ يتكون من فتات وبقايا هويات الشعوب الأجنبية البعيدة في آسيا وأوروبا.
أما إذا أردت أن تحدد هوية المغرب على أساس أهله وسكانه الأصليين الحقيقيين وحضارته الأصيلة المحلية النابتة على تربته فالجواب هو: هوية المغرب أمازيغية وسكانه أمازيغ وأرضه أمازيغية وحضارته أمازيغية.
والهوية الأمازيغية تربط المغرب بالبلدان الأمازيغية الشقيقة الملاصقة له جغرافيا وتاريخيا: الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا، بلاد الطوارق.
هكذا ببساطة ووضوح.
وهذا ما تفعله يا أستاذ بنسالم حميش عندما تتحدث عن السعودية وقطر والإمارات. فأنت تقول: السعودية بلد عربي وشعب عربي وهويتها عربية. انتهى النقاش. أنت لا تقحم القبائل النبطية والحبشية واليهودية والفارسية القديمة (بلغاتها وأديانها) التي هاجرت واستوطنت شبه الجزيرة العربية واختلطت وتصاهرت مع سكانها العرب. هذا فضلا عن المهاجرين الجدد الفلبينيين والهنود والباكستانيين والبنغال وغيرهم الذين يشكلون أزيد من 80% من سكان الإمارات وقطر وحوالي ربع سكان السعودية. لا. أنت تقول ببساطة: السعودية بلد عربي. قطر بلد عربي. الإمارات بلد عربي. انتهى النقاش.
فلماذا لا تستطيع أن تفعل نفس الشيء مع المغرب وتعترفَ بأنه بلد أمازيغي هويته أمازيغية؟!
لماذا لا تتذكر الهجرات والمصاهرات والتخالطات إلا حين يتعلق الأمر بالمغرب وتتجاهلها حين يتعلق الأمر بهوية السعودية أو قطر أو الإمارات؟
الجواب واضح: أنت تريد ضمان مقعد للعروبة في هوية المغرب لذلك تجلب إلينا كل هذا الضجيج حول المصاهرات والهجرات والتخالطات والتمازجات والإسلام، وتحاول تمرير فكرة أن هوية المغرب مقسمة مناصفة فيفتي فيفتي 50%-50% بين العرب والأمازيغ، أو أنها مقسمة ثلاثيا بين العروبة والإسلام والأمازيغية متجاهلا اليهود والفينيقيين والرومان والوندال والفرنكوفونيين والإسبان والمنحدرين من قبائل جنوب الصحراء مثل قبائل Bambara الأفريقية في مالي وغيرهم!
إذن الخيار لك. إما أن المغرب أمازيغي الهوية والانتماء والحضارة مثل شقيقاته الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وشعب الطوارق. وإما أن هوية المغرب خالوطة جالوطة من فتات وبقايا عشرات الشعوب الأجنبية وعشرات الهويات الأجنبية.
5) خلاصة:
إذن، هوية المغرب الأمازيغية وهوية السعودية العربية ليستا مبنيتين على البورصونطاجات الإثنية للأصليين والمهاجرين إلى المغرب والسعودية. وإنما تلك الهويتان مبنيتان على الشعبين الأصليين والحضارتين الأصليتين لكل من المغرب والسعودية. فسكان المغرب أمازيغيون وحضارته أمازيغية وبالتالي فالمغرب بلد أمازيغي. وسكان السعودية عرب وحضارتها عربية وبالتالي فالسعودية بلد عربي. ومن يهاجر إلى المغرب فهو يهاجر إلى الأمازيغ. ومن يهاجر إلى السعودية فهو يهاجر إلى العرب.
أنا أتفق معك يا أستاذ بنسالم حميش في أن حرف ثيفيناغ لا يساعد الأمازيغية بل يعرقلها ويضيع وقتها وأنه كما قلت بعبارتك: “عسير المأخذ وصعب التنزيل والتدريس”. بقي لك أن تتم هذا المسار المنطقي وتتفق مع ضرورة تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني العالمي الذي هو فعلا سهل المأخذ وسهل التنزيل والتدريس وشائع بالمغرب. فالدراسات اللسانية الأمازيغية مدونة بالحرف اللاتيني وكذلك معظم القواميس. والحرف اللاتيني يسهل ويسرّع نشر الأمازيغية في أوساط التلاميذ والشباب وفي الإدارات.
اللغة الأمازيغية ليست تابعة للعربية ولا للعروبة ولا للإسلام ولا للفرنسية ولا للفرنكوفونية. اللغة الأمازيغية تختار الحرف الأنفع لها بصرف النظر عن اللغات والأديان والأيديولوجيات.
والمنطق السليم يؤدي إلى أن تختار الأمازيغية الحرف اللاتيني العالمي لأنه الأنفع لها حاليا.