رئيس الحكومة بين مسؤولية الخطاب وخطاب المسؤولية

ان كل خطاب ل 

عمر بيجو

ان كل خطاب له وقع وتأثير في الواقع نظرا لما يحمله من سلطة في ذاته واخرى يستمدها من المؤسسة التي أنتجته حسب ميشال فوكو, ولذلك فان كل انتاج للخطاب يجعلنا ننخرط في لعبة ممارسة السلطة, وكل تلاعب في/وبالخطاب يندرج في صميم الشطط في استعمالها(السلطة), لأن اللغة حسب رولان بارث وظيفتها الأساسية هي السلطة وليس هو التواصل, والخطاب السياسي يتموقع في صلب الفعل السلطوي وخاصة اذا كان صادرا عن مسؤؤلين في أجهزة الدولة لأن هذه الأخيرة تجمع بين سلطة الخطاب والسلطة المادية. واذا كان تسيير الشأن العام فعل يتم في/ومن خلال جهاز الدولة كمؤسسة سياسية تعبر في كل بلد عن عصارة التطور الذي حصل في الثقافة السياسية مرورا بكل تراكماتها التاريخية والتي لا تنفصل عن التطور الثقافي والحضاري لذات البلد. واذا كانت الدولة وأشكال السلطة عرفت تطورا عبر التاريخ فانها كانت دائما مواكبة للتطور الذي عرفته هذه المجتمعات على جميع المستويات, وكانت للدولة في كل حقبة تاريخية رجالها ونساؤها الذين أفرزتهم النخب السياسية لأنهم يجسدون روح ما وصل اليه تطور الثقافة السياسية ومدى تجاوبها مع متطلبات طبيعة المرحلة ومدى توفرها على  الأهلية السياسية التي لا يمكن أبدا أن تعوضها الشعبوية التي ما فتئت تميع المشهد السياسي المغربي وتجره الى نوع من الهزل الذي يفقده جديته حيث يبتعد عن الخطاب السياسي المعقلن الغني بالدلالات التي تعبر عن النضج السياسي الذي يمكنه أن يرقى بمستوى الثقافة السياسية بدل أن يتحول الى خطاب يتوخى الفرجة ودغدغة المشاعر… تجليات سياسية لحكومة يقودها تنظيم سياسي ما فتئ يدفع بالحقل السياسي المغربي الى الوراء وهو يبصم سلبيا على مرحلة هامة في تاريخ المغرب مساهما في هدر زمنه السياسي.

ان ثقافة المسؤولية لا تكون ناتجة الا عن ثقافة سياسية قائمة على أساس عقلاني ديموقراطي ينظر الى المواطن كقيمة أساسها الكرامة التي تستوجب الاحترام, هذا هو الأساس الذي يضمن انتاج خطاب مسؤول يجسد الحكمة السياسية. ومعالجة ظاهرة من الظواهر الشاذة اجتماعيا وأخلاقيا ومحاصرتها تنطلق من فهمها وتحديد أسبابها ومجالات انتشارها بعيدا عن كل اندفاعية وعشوائية لا تؤدي الا الى الاساءة واهانة فئة مهنية واجتماعية معينة بسبب بعض الحالات الشاذة التي تظهر في مختلف الفئات المهنية والاجتماعية . وفي هذا الاطار يأتي خطاب رئيس الحكومة في المناظرة الوطنية الأولى حول مشروع السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة الذي قال فيه موجها خطابه الى المعلمين والمعلمات “ما تبقاوش تبوسو التلاميذ”, عبارة تضع كل المدرسين والمدرسات في قفص الاتهام وكأنهم وحوش ادمية, والطفولة المغتصبة في هذا البلد هي ضحية المعلمين والمعلمات الذين يؤدون مهمة نبيلة. خطاب يهين هيئة التعليم ويسيئ لسمعتها ويمس كرامتها, ويدفع بالرأي العام الى التشكيك في انسانية هذه الفئة ونبلها الأخلاقي ويخلق أزمة ثقة بين اباء وأمهات التلاميذ والمدرسات والمدرسين

ان البيدوفيليا كسلوك جنسي مرضي وظاهرة تعبر عن شذوذ يجسد الانحراف الأخلاقي في أقصى أشكاله لها أسباب اجتماعية وسيكولوجية كباقي الظواهر المرضية, وهي من بين الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها القانون. هذه الظاهرة التي تجسدها بعض الحالات والوقائع الشاذة المعزولة لا تقتصر فقط على فئة مهنية معينة (معلمون ومعلمات) ولا على مكان واحد هو المدرسة, بل ان أغلب حالات اغتصاب الأطفال تسجل في أوساط بعيدة كل البعد عن أوساط التعليم, فعل كثيرا ما يقدم عليه مجرمون محترفون أو بعض الشواذ الذين ينتمون الى أوساط اجتماعية مختلفة أو بعض  الذين يتخذون من المغرب  وجهة للسياحة الجنسية, فدانيال على سبيل المثال لا الحصر ليس معلما وليس مغربيا

ان استعمال لغة التخصيص هو ظلم واعتداء على حرمة المدرسين والمدرسات الشرفاء, والاستثناء لا يقاس عليه. انه خطاب ينطلق من تصور يفترض أن كل مدرس أو مدرسة مرشح لهذه الأفعال الوحشية, وكأنهم بلغة أرسطو مغتصبون للأطفال بالقوة (بمعنى يحملون في داخلهم امكانية وقدرة القيام بهذا الفعل) وينتظرون فقط المرور الى الفعل, ولذلك يجب تحذيرهم من الاقتراب من التلاميذ …. واذا كان الأمر هكذا فان هذا النداء التحذيري ينبغي أن يوجه لكل فئة اجتماعية تسجل فيها جريمة البيدوفيليا, ليشمل جل الفئات الاجتماعية ليكون أول من يحذر في هذا المجال هم السياح الخ… وان اقتضى الحال الاباء أيضا لأننا من حين لاخر تنقل لنا  بعض المنابر الاعلامية الالكترونية أو الورقية خبر وقوع هذه الجرائم حيث يكون الجاني هو الأب والضحية هي ا بنته . ان هذا السلوك الاجرامي الناتج عن شذوذ يشكل حالات استثنائية معزولة يمكن أن تسجل على مستويات اجتماعية متعددة لتكون الضحية هو أقرب طفل الى الشخص/الجاني  لتصل الى الذي يرتبط معه بعلاقة الأبوة, فهل يستقيم المنطق ونوجه نداء للاباء انطلاقا  من حالات استثنائية وشاذة فنقول لهم ” ما تبقاوش تبوسو أولادكم“………….

ان الاحتكام للعقل وروح الثقافة الديموقراطية والقيم الانسانية النبيلة يقتضي الاعتذار لرجال ونساء التعليم اعترافا بالجميل نظرا لما يقدمونه من تضحيات مرتبطة بطبيعة مهمة التدريس التي لا تزيد الا صعوبة نتيجة تفشي الكثير من الظواهر السلبية وسط الشباب والأطفال المتعلمين وعلى رأسها ظاهرة العنف.

ويبقى الخطاب السياسي العقلاني والحكيم هو الذي يستند الى تحليل علمي وشمولي للواقع بكل ظواهره الاجتماعية والاقتصادية ليكون التحليل السياسي امتدادا له, أما الشعبوية والفرجوية فلا تعبر الا عن ضعف الخطاب السياسي الذي يعبر بذاته عن ضعف الأداء الحكومي.

شاهد أيضاً

لمحات من تاريخنا المعاصر.. التعريب الإيديولوجي في المغرب

بدأت بوادر التعريب الإيديولوجي في المغرب منذ الثلاثينات من القرن الماضي اي بعد أن قضى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *