كتبها ذ: أحمد الدغرني
إن مسيرة يوم 25نونبر 2018 بالدار البيضاء تعتبر مكسبا تاريخيا حقيقيا للشعب المغربي بجميع مكوناته،وذلك لأسباب كثيرة نذكر بعضها كما يلي :
أولا: لأنها جرت من أجل المطالبة بحقوق الشعب حول الأرض، وانطلقت في هذا اليوم التاريخي فكرة ” يوم الأرض” وما تحتويه الأرض فوقها من البشر،والحيوان، والمناخ والبيئة، والغابات،والسماء، وما تحتوي عليه تحتها من المعادن والكنوز والمياه،
ثانيا:لأنها مسيرة منظمة بمبادرة من طرف المكون الأمازيغي للشعب، مما جعلها تتميز بالعمق التاريخي الذي يرجع إلى آلاف السنين، وتدل على أن هذا المكون البشري موجود ولم ينقرض، رغم الكثير من الخطط والبرامج السياسية التي تستهدف محوه ونسف وجوده وثقافته ولغته،وتعريبه،وتهجيره سريا وعلانية نحو الخارج….
ثالثا: أثبتت المسيرة التي يقدر عدد المشاركين فيها بحوالي عشرين ألفا من الذكور والإناث،أن الشعب الأمازيغي أنتج قوة جديدة من الأطر القادرة على شيئين هما تعبئة الآلف من السكان ،وجمعها في العاصمة الاقتصادية،وتنظيمها سلميا من بداية المسيرة الى نهايتها،بعدما فقدت الأحزاب والنقابات المخزنية، القدرة على التعبئة، والتنظيم ، رغم الأموال العمومية التي تنفق عليها ،وهذه القدرة قادها شخصيات ولجان من النساء والرجال يستحقون التحية والتقدير،لأنهم جيل جديد قادر على بناء سياسة النضال السلمي الذي سيقضي فعليا وفي وسط المدن والقرى على خطر الدكتاتورية والإرهاب والفوضى التي تهدد الشعب، خاصة وأن المسيرة شارك فيها المهاجرون الذين قدموا من الخارج لينضموا الى شعبهم رغم تكاليف السفر…
رابعا: أبرزت هذه المسيرة موقفا منفتحا من السلطات الحاكمة في مدينة الدار البيضاء التي عاشت هي أيضا في صمت وهدوء تجربة عدم المنع لهذه المسيرة، التي مرت في جو من الحرية،وأخذت درسا تطبيقيا لممارسة الحرية وحق التظاهر الذي مارسته اللجان المنظمة للمسيرة، والمشاركون فيها،وقضت على أوهام ما تسميه السلطات في مناسبات مشابهة بالخوف من الإخلال بالأمن،وملخص هذا الدرس هو أن الأمازيغ لا يخلون بالأمن، وليسوا عنصريين… ويحتاجون إلى سلطة ديمقراطية منفتحة.
خامسا: أثبتت المسيرة أنها تتوفر على قوة وقدرة على التغطية الإعلامية، بعد تخاذل وسائل الإعلام المخزنية التي تغيبت،إن لم نقل قاطعت المسيرة،ومع ذلك وفرت الصحافة الحرة تغطية شاملة للمسيرة من الصور والفيديوهات والإستجوبات، أفشلت سياسة التعتيم،وبينت أن الشعب يتوفر على قوة إعلامية قادرة على إفشال سياسة التعتيم الإعلامي، وتستحق الصحافة الشعبية التي غطت المسيرة وأوصلتها إلى العالم كل تحية وتقدير وخاصة الصحافة الإلكترونية…
سادسا: لوحظ تغيب الأحزاب السياسية والنقابات التي تسمي نفسها ديمقراطية، أو وطنية وتتهافت على احتكار السياسة،ولم يحملوا رسميا أية لافتة حزبية تجسد وجودهم الفعلي مع الشعب،لأن مشكلة الأرض والثروات المائية والمعدنية والغابوية تحرجهم، لأنهم يشاركون في استغلالها الوحشي،وتوزيعها فيما بينهم ….
سابعا:عبرت المسيرة عن وعي سياسي عميق بطرح شعارات ولافتات ورايات،وصور، تعبر عن ممارسة التعدد الفكري والسياسي،وتناول القضايا العقارية الحساسة مثل محميات الأرض التي يمنحها المخزن لأثرياء الخليج،واستغلال المعادن لممارسة سياسة الجمع بين المال والسلطة
بعد هذه الإشارات يمكن طرح سؤال ماذا بعد المسيرة؟
لاشك أن الذين نظموا المسيرة وشاركوا فيها لديهم الآن تجربة ميدانية وتنظيمية قادرة على الاستمرار، ليتزايد عدد الجماهير المنتمين إلى هذا النوع من الحراك الجديد في الساحة السياسة،وهذا التزايد يمكن أن ينمو ليصبح ملايين الناس الذين يمكن أن يصلحوا بلدهم وينقذوه من الأزمات المستقبلية ، علما بأن الوجوه والرموز والشخصيات التي ظهرت في المسيرة فيهم نساء ورجال قدموا تضحيات خلا ل سنين طويلة بالمعاناة والتهميش،والسجون والفقر والإهانات وصبر وحتى انتصروا، وهم الآن على قدم وسير نحو تحقيق المزيد من القوة والانتصار،كما أن هذه الوجوه التي تضم فئة من تجار التقسيط الذين اشتهروا في المغرب بأصحاب الحوانيت والذين يشكلون عنصر ضمان التجارة الحرة والمستقرة في المغرب انضموا إلى المسيرة هم وكثير من فقراء الفلاحين من جميع أنحاء المغرب .
وختاما فقد بدأت حرب إعلامية لتشويه المسيرة من طرف أعداء الشعب الذين يزعمون بأنها مسيرة أهل سوس فقط ليجعلوها جهوية معزولة رغم كونها مسيرة العاصمة الاقتصادية ،شارك فيها آلاف من الناس من كل جهات البلاد،وخاصة سكان هذه المدينة التي تسمى تاريخيا آنفا عاصمة البورغواطيون ،وهي أكبر مدينة في البلاد، وتمثل مركز التنوع السكاني،لوجود الأجانب فيهاو قبائل زناتة والشاوية… حولها وهم قبائل تعرف أصولها وتحترم التنوع السكاني وليست عنصرية.